المحتوى الرئيسى

هل تنقذ إعادة إعمار جنوب تركيا ما دمرته الحرب؟

09/08 08:55

بعد أشهر من حظر التجول والعمليات العسكرية لإخراج المقاتلين الأكراد من جنوب شرق تركيا، صارت المدن والبلدات في حالة يرثى لها: مبانٍ فيها حفر وثقوب من الرصاص، الحصى تملأ الشوارع، ولافتات صفراء مكتوب عليها "للإيجار" نلاحظها على واجهات المحلات المغلقة.

تجدد القتال بعد انهيار وقف إطلاق النار لمدة عامين بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية في الصيف الماضي، مما تسبب في سقوط مئات القتلى وأضرار جسيمة في بعض المدن مثل ديار بكر وجيزرة ونصيبين.

بينما لازالت هناك تفجيرات تستهدف مواقع الشرطة، إلا أن حرب المدن قد هدأت على نطاق واسع. واستغل رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم فترة الهدوء ليكشف يوم الأحد النقاب عن خطة لإعادة إعمار المنطقة الجنوبية الشرقية بقيمة 3.4 مليار دولار، مخصصة للمدن الأكثر تضررا من القتال.

"بدلا من المنازل التي دمرها حزب العمال الكردستاني سنقوم ببناء المنازل الجميلة"، كما قال يلدريم في مؤتمر صحفي.

وقال يلدريم، متحدثا من ديار بكر كبرى مدن جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية، إن الحكومة ستعيد بناء 67 ألف منزل في 23 مدينة من مدن المنطقة، ووضعت خططا لإنشاء مصانع جديدة ومستشفيات وملاعب رياضية، إضافة إلى 51 من مراكز الأمن والشرطة.

وبينما كانوا يشاهدون الخطاب في منطقة سور التاريخية ديار بكر، وهو مسجل ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو والذي لحقت بها بعض الأضرار من أعمال العنف، قال رجال أعمال وحرفيون محليون إنهم يرحبون بالخطة الاستثمارية للدولة، ولكن عبروا عن قلقهم من إمكانية الانتعاش الاقتصادي وسط القتال الدائر، بينما تسود مخاوف من النزوح الجماعي للسكان.

مراد بياز، الذي يمتلك متجر للالكترونيات في سور منذ عام 2003، قال إنه اضطر إلى إغلاق متجره لأكثر من ثلاثة أشهر. الآن خفت حركة المتسوقين بسبب نقاط التفتيش من الشرطة التي تطوق الحي، حيث يتم تفتيش كل من يدخل.

بائع الفحم بلال إردين يعاني في مهنته التي تتوارثها عائلته منذ عقود

"سابقا كان الناس يأتون إلى هنا عندما يحتاجون شيئا، لأن لدينا أفضل الأسعار"، يقول بياز لـDW ويضيف: "الآن يذهبون إلى أجزاء أخرى من المدينة، ويأتون إلينا فقط إذا لم يتمكنوا من العثور على ما يبحثون عنه في مكان آخر."

ويتوقع بياز نشاط التجارة والأعمال مرة أخرى بعد إعادة الإعمار، ولكن في الوقت الراهن، تحيط به المحلات التجارية الشاغرة ويفكر ببيع متجره لأنه لا يمكنه الاستمرار لفترة أطول من ذلك.

"الجميع يعاني ماليا في الوقت الراهن"، يقول بياز. "نحن نعد الأيام. الأمر لا يستحق البقاء هنا".

وغير بعيد منه يفكر بلال إردين بنفس الشيء. بائع الفحم في محل عريق يعود لعائلته منذ ثلاثة أجيال، ساعد السكان المحليين على تدفئة منازلهم منذ 1950. وقال إردين إنه سيبيع متجره دون تردد.

"لا يمكنك أن تتخيل مدى صعوبة الأمر" يقول بلال، الذي يريد أن يهجر حي آبائه. "كان لدينا منزل كبير، تقطنه سبع عائلات. ولكن والدي لا يريد العودة ... لأن جيراننا جميعا قد هاجروا."

عندما كانت الاشتباكات المسلحة تدور في حي سور، تسببت في تدمير المباني التاريخية التي استخدمها المتشددون الأكراد كمخابئ لهم. يومها سارع رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو إلى تهدئة المنتقدين بقوله الهندسة المعمارية المتميزة للحي ستعود بعد العمليات العسكرية لتصبح قادرة على منافسة الوجهات السياحية مثل توليدو في إسبانيا .

خلال خطابه يوم الأحد، وعد رئيس الوزراء الحالي يلدريم بتخصيص أكثر من 644 مليون دولار لإجراء إصلاحات في سور وديار بكر وحدها. وقال إن إعادة الإعمار ستتبع المبادئ التوجيهية الجديدة التي تهدف للحفاظ على طابع المنطقة التاريخي، بما في ذلك فرض حظر بناء مبانٍ أعلى من طابقين.

وهذا ما سبب القلق في سور، الحي الذي يقدر عدد سكانه بحوالي 120000 نسمة، وهناك تشكل مؤخرا عدد لا يحصى من المباني السكنية متعددة الطوابق. وأدى تقليص حجم هذه المباني، إضافة إلى أضرار الحرب في المنطقة للاعتقاد بأن السكان لن يبقوا طويلا في الحي.

أولئك الذين فقدوا منازلهم في القتال عرضت عليهم شقق مدعومة مبنية على ارتفاعات عالية خارج مركز المدينة. سيهير ياشار، البالغة من العمر 20 عاما، تقول إن عائلتها لا تريد المغادرة.

"هدفهم هو تقسيم المناطق التي يحظى فيها الأكراد بالتضامن، مثل هنا" تقول ياشار. "حتى إذا كانت هناك عملية إعادة بناء، فإنهم لن يدعوا الناس من هذا الحي يعيشون في المباني الجديدة معا، ويخلقوا مجتمعات مترابطة كما كانوا من قبل".

وفي حديثه أمام المنزل الذي تستأجره مع شقيقتها الأكبر سنا، قالت ياشار لـDW: لأننا عندما نحتاج مساعدة، فسيكونون معنا ويساعدوننا"، تقصد جيرانها في الحي القديم.

حي سور عاش لحظات عصيبة خلال فترة أعمال العنف

خطة إعادة الإعمار التي أعلن عنها يلدريم ليست المحاولة الأولى التي اتخذتها الحكومة لتهدئة الاضطرابات في جنوب شرق البلاد عبر حقن اقتصادية. المنطقة المنسية والمهملة تاريخيا مقارنة مع غرب تركيا، تعاني منذ فترة طويلة وموجودة في موقع صراع ما بين 15 مليون مواطن كردي والدولة، التي لم تعترف لعقود بهذه الجماعة العرقية وحظرت اللغة الكردية.

ووفقا لقادر كركوز، مالك معرض "هونيريا" الفني في سور، فإن التوترات العرقية المستمرة أدت إلى إبطاء التنمية الاقتصادية في المنطقة.

وليس لدى كركوز أي شك بأن حي سور، الذي يضم جدران القلعة البركانية السوداء، سوف يصبح وجهة سياحية، لكنه قال إن إنهاء القتال هو الشرط لإحراز تقدم حقيقي.

"كنت أعيش حلمي قبل أن تأتي الحرب لسور" قال كركوز، الذي خسر بضائع بقيمة 30 ألف دولار أثناء فترة حظر التجول. ويشدد كركوز على أنه يمكن للناس العيش معا بسلام في هذا البلد، كما حدث في الفترة من 2012 إلى 2015.

بعد أيام من الانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لا يمكن الاستمرار في العمل مع حزب العمال الكردستاني،الذي وصفه بالانفصالية وأنه يشكل تهديدا للمصالح القومية للبلاد. ويتساءل المراقبون ما إذا كانت أنقرة تستهدف من حملتها العسكرية هذه محاربة "داعش" أم الأكراد.

مع دخول حزب السياسي الكردي صلاح الدين داميرتش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، تم قلب الطاولة على أردوغان، فاختلطت كل أوراقه وخططه بشأن تغيير الدستور أو منح صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية.

أعلنت أنقرة انضمامها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" فقامت بقصف مواقع التنظيم في سوريا، لكنها استهدفت أيضا حزب العمال الكردستاني بشكل عنيف.

اعتبر أردوغان بعد بدء العمليات العسكرية وقصف مواقع حزب العمال الكردستاني بجبال قنديل في إقليم كردستان العراق، أنه لا يمكن متابعة عملية السلام مع الحزب الكردي واتهمه بالانفصالية واستهداف وحدة تركيا، ما يعني إنهاءه لعملية السلام مع الأكراد.

قال رئيس وزراء تركيا أحمد داود أوغلو إن الغارات التركية لا تستهدف أكراد سوريا واشترط على حزب الاتحاد الديمقراطي المقرب من حزب العمال قطع علاقاته مع نظام الأسد.

اتهمت وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، تركيا باستهداف وقصف أحد مواقعها بالقرب من مدينة كوباني وقالت في بيان لها: "ندعو الجيش التركي إلى وقف إطلاق النار على مقاتلينا ومواقعهم". غير أن أنقرة نفت حدوث ذلك.

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل