المحتوى الرئيسى

سيدة المتناقضات البديعة (سعاد-6) | المصري اليوم

09/06 22:20

بعد سنوات من الشهرة والنجاح، وصفت نفسها بأنها «امرأة ساذجة.. لكنها تعرف كثيرا عن هذه الحياة».. عبارة مثيرة للدهشة، بسبب ما تتضمنه من تناقض إذا كيف تكون ساذجة، وفي ذات الوقت تعرف الكثير عن الحياة؟

كانت هذه العبارة أحد مفاتيح دخولي إلى شخصية سعاد حسني، التي وصفتها في الفترة الأولى من البحث بأنها «سيدة المتناقضات العظيمة»، ثم تحولت دهشتي إلى إعجاب بقدرتها على تضفير متناقضاتها في جديلة فنية رائعة، جمعت فيها بين «المتعة والعذاب»، «الشهرة والانزواء»، «الفقر والثراء»، «الحرمان والعطاء»، «الإفراط في الحب والفشل المتكرر في الاستقرار العائلي»، «كثرة الزواج وعدم الإنجاب».. إلى آخر تلك المتناقضات التي ترسم لوحة ثرية تجمع مختلف الألوان والعناصر في تآلف وتضاد، يتجاوز جماليات الصور النمطية التي تليق بالإعلانات، لذلك تظل سعاد مثل الموناليزا لوحة غامضة جدا بقدر ما هي واضحة جدا.. لوحة متفردة تثير من الأسئلة أكثر مما تقدم من إجابات.. لوحة أشبه بغابة كثيفة تجمع بين الغموض والسحر، لوحة ملغزة لمن يسعى لاكتشاف أعماقها، وبسيطة.. خفيفة.. مرحة لمن يكتفى بمشاهدتها عبر مسافة.. لوحة خاصة جدا اسمها: سعاد حسنى.

في أعقاب نشر المقال السابق، وصلتني ردود أفعال وتعليقات متباينة، بعضها حاول أن يستوضح معلومات محددة خاصة بتفاصيل علاقة سعاد بالمخابرات فترة رئاسة صلاح نصر، وبعضها لم يفرق بين هلوسات اعتماد خورشيد والشهادات والوقائع التي تضمنتها أوراق التحقيق في قضية انحراف جهاز المخابرات العامة في أعقاب نكسة 67 ومظاهرات الكعكة الحجرية، لذلك أوضح أن تعاملي مع حياة سعاد حسني لا يستهدف البحث عن حقيقة جافة وقاطعة لا تقبل بتأويلات أخرى، فأنا لا أؤمن بوجود حقائق قاطعة في العلاقات الإنسانية، هناك مشاعر ووجهات نظر، تجسدت في تعدد الروايات وكثرة الشائعات إلى درجة غير معقولة، ولما كنت أركز بالأساس على التعامل الفني والإنساني (كأسلوب وهدف معاً) في تناول سيرة ومسيرة سعاد، فقد اخترت رواية واحدة معتمدة أضبط عليها كل شيء وهي رواية سعاد نفسها، مهما تعددت مناسبات ومصادر روايتها، ومهما كانت احتمالات التمويه أو المباشرة، وأعتقد أن هذا من الأشياء المهمة التي تعلمتها الفتاة الساذجة من خبراتها مدفوعة الثمن في الحياة، لذلك أواصل إلقاء الضوء على الشخصية وأنا أعرف أن سعاد حية أمامي، تقرأ وتراقب.. تبتسم وتعاتب، لكنها في كل الأحوال تشعر بقدر كبير من الراحة وهي تحكي، وأنا أحكي، وأنتم تحكون.

«حين يفقد الإنسان بوصلة الأب والأم في سن مبكرة، يفقد معنى الصواب والخطأ، يفقد التوجيه السليم، يفقد المقدرة على فرز وتقييم ما يسمع.. هل يصدقه أم لا؟، وقد بدأت حياتي وأنا ساذجة أصدق كل ما يقال»... هكذا تحدثت سعاد عن نفسها، ثم حكت:

مرة قلت لكامل بك (تقصد الشاعر كامل الشناوي): أنت بتصدق كل اللي يقال لك؟

قلت: مش يمكن كذب يا كامل بك؟

قال: الحياة كذبة مش متأكدين منها، فلماذا نخاف من الكذب؟

منذ ذلك اليوم بدأت أنظر للحياة نظرة مختلفة، فليس كل ما يقال للإنسان كذب، وليس كل ما يقال حقيقة!.. لكني أعترف أني مازلت الطفلة التي تصدق كل شيء، فأنا أتكلم بروحي وليس بعقلي، لأن الروح أصدق، فقد عرفت أن العقل يستطيع أن يزيف الروح، لذلك أحب التلقائية، والتي أسميها أحيانا «السذاجة»، وأعتقد أن هذه السذاجة أو التلقائية (لن أدقق في الفرق) «هي اللي عملت مني ممثلة مش بطالة»، وهي سر الحب والتعاطف الذي أشعر به في قلب وعيون الناس، لأنني مثلهم امرأة ساذجة تعلمت الكثير من غير أن تخسر سذاجتها وبساطتها!.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل