المحتوى الرئيسى

التحدى الأعظم.... القضية السكانية

09/06 21:31

من الملاحظ أن أعلى سلطة فى البلاد مصممة على المضى قدما فى طريق الوصول بمصر «أم الدنيا إلى أن تكون قد الدنيا»، بالرغم من الأزمة الخانقة التى تعيشها «اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا»، فضلا على المتغيرات الجيوسياسية التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

هذا التوجه يناصره ملايين المصريين الذين تنادوا فى يوم 25 يناير فى الميادين «ارفع رأسك انت مصرى». ولكن للأسف الشديد يعترض هذا المسار العديد من التحديات من أهمها وأخطرها (كما أعتقد) القضية السكانية بأبعادها الثلاثة (أ) معدلات النمو المرتفعة (2.6 من أعلى المعدلات فى العالم مما سيصل بتعداد السكان فى 2030 إلى 118.6 مليون نسمة)، (ب) الخصائص السكانية المتدنية (التعليم والصحة والقيم والوعى الحضارى...إلخ (فى ذيل الأمم)، (ج) التوزيع السكانى (التكدس على نحو 7% من الأراضى المصرية وفى عشوائيات بمعدلات تفوق أعلى المعدلات العالمية مما يساهم فى تفشى السلوكيات الهابطة وانتهاك جميع المحرمات).

وهنا أود أن أشير إلى أن الاهتمام العالمى بتلك القضية وانعكاساتها على التنمية، دعا هيئة الأمم المتحدة إلى تكليف «صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA بعقد المؤتمر الدولى للسكان والتنمية 94 بالقاهرة على مستوى الحكومات وعلى مستوى منتدى المنظمات غير الحكومية NGOs.

ومما لا شك فيه أن النجاح الذى حققه هذا المؤتمر متضمنا منتدى NGOs الذى شارك فيه الآلاف يمثلون 1500 منظمة من 133 بلدا كان عنصرا رئيسيا فى إعادة الحيوية للعمل الأهلى فى مصر على جميع المستويات بمنظور جديد بعد أن تم تأميمه فى مطلع الستينيات عبر عدة قوانين مازال بعضها ساريا حتى تاريخه.

ولقد صدرت وثيقة المؤتمر طارحة إستراتيجية وبرنامج عمل يؤكدان – لأول مرة – على الروابط العديدة بين القضية السكانية والتنمية وعلى ضرورة مشاركة المنظمات الأهلية (الترابطات المجتمعية الرأسية والأفقية) مع الحكومة والقطاع الخاص فى تنفيذ هذا البرنامج.

وللأسف الشديد أن تلك الاستراتيجية وهذا البرنامج لم يأخذا طريقهما إلى التنفيذ بشكل مرضٍ على أرض مصر، طوال العقدين الماضيين وحتى تاريخه، لأسباب متعددة من أهمها (كما أعتقد) ما يلى:

(1) التفات السلطة عن علاقة تلك القضية بالعنف والإرهاب والسكينة المجتمعية.

(2) اندفاع السلطة والقطاع الخاص فى إقامة مشروعات دون دراسات جدوى اقتصادية (توشكى، فوسفات أبو طرطور، المنتجعات والساحل الشمالى، القناة الموازية، العاصمة الإدارية...الخ)، مع عدم العناية بنفس القدر بمشروعات تتصدى للفقر وتنمية سيناء والصحراء، وبمشروعات تستهدف التنمية البشرية (التعليم والصحة...الخ)، ذوى التأثير المباشر والأعمق على القضية السكانية.

(3) الاعتماد على أساليب تقليدية نمطية مكررة فى الدعوة لتنظيم الأسرة (بالرغم من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية)، فاقت سلبياتها إجابياتها.

(4) تضاؤل اهتمام السلطة بمتابعة تلك القضية: فمن بعد تخصيص وزارة للسكان ومجلس قومى تحت اشرافها المباشر فى 1993 إلى الحاقها بوزارة الصحة لسنوات طوال، ثم اعادة وزارة الدولة للأسرة والسكان لفترة قصيرة ثم أخيرا إلحاقها بوزارة للسكان مرة أخرى ولكن للأسف لم تدم إلا عدة شهور .

وبناء على ما سبق الإشارة إليه فإن العلاقة التبادلية بين القضية السكانية والتنمية قد وصلت الآن إلى وضع جد خطير، حيث تشير جميع التوقعات لمصادر العملة الأجنبية «الصادرات والسياحة وتحويلات المصريين من الخارج، المعونات، القروض» خلال المستقبل المنظور ستستمر فى قصورها على الايفاء باحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى تصل بمصر إلى مستوى «قد الدنيا».

وإذا تذكرنا أن متوسط الدخل الحقيقى للمواطن فى مصر خلال العقود الثلاثة الأخيرة قد تناقص مما ترتب عليه تصنيف مصر فى مجموعة «الدول منخفضة الدخل» فإن معنى ذلك أنه ما لم تحدث انطلاقة كبرى فى الاقتصاد المصرى، بما فى ذلك زيادة هائلة فى الصادرات المصرية والاستثمارات الأجنبية والمحلية، فإن متوسط دخل المواطن المصرى سوف يتدهور بصورة كبيرة بفعل العوامل السابقة مجتمعة (انخفاض الموارد وزيادة السكان واستمرار تدنى خصائصهم وانتاجيتهم وتكدسهم)، مما يضع مصر لا قدر الله بين أفقر دول العالم فى المستقبل المنظور، وهذا أمر لا يمكن قبوله لتأثيراته السلبية على الأمن القومى المصرى، وينبغى فعل كل ما هو ممكن للحيلولة دون أن يصبح ذلك مصيرا لا مفر منه.

وحتى نحول دون هذا المصير المظلم، لابد من أن تتبنى السلطة/الدولة بالتعاون مع المواطنين والمجتمع (مدنى/سياسي/اقتصادى) مخططا طموحا جدا لاحداث تغييرات جذرية إيجابية فى المؤشرات السكانية من جهة، وفى النمو الاقتصادى والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وأهمها المياه من جهة أخرى. ومن نافلة القول إن تنفيذ هذا المخطط يتطلب من السلطة/الدولة تطبيق قواعد الحوكمة الرشيدة (الالتزام بالدستور والقانون والمواثيق الدولية/ طرح ومتابعة تنفيذ رؤية متكاملة لمشروع نهضوى/ إعادة هيكلة الدولة واختيار القيادات وفق معايير الكفاءة / التصدى للفساد/ الشفافية وحرية تداول المعلومات/ المساءلة/ عدم التمييز/ العدالة الانتقالية والاجتماعية....الخ)، وتنفيذ هذا المخطط يتطلب أيضا من «المواطنين/ والمجتمع» التعاون الفعال عبر تعزيز المسئولية الجماعية واستيعاب قيم العمل والإنتاجية لعصر المعرفة وتكنولوجيا المعلومات / الحد من العادات الاستهلاكية / الاعتماد على الموارد المجتمعية / وتقييد السفر الخارجى للترفيه والحج والعمرة (التزاما بفقه الواقع والأولويات)، ثم تحمل بعض المصاعب والقيود حتى يتم اجتياز تلك المحنة.

وهذا المخطط (من وجهه نظرى) يمثل الخط الفاصل بين الصعود إلى «مصر قد الدنيا»، أو استمرار السقوط إلى الهاوية [الفقر المادى (الآن 28%)، والفقر المعرفى والانتاجى (الأمية الآن نحو 40% والبطالــــــة بين 13% و40% وفق المستويات التعليمية)، وتقلص الرقعة الزراعية وانهيار كامل للبيئة]...

إن إعداد ونجاح تنفيذ هذا المخطط الطموح هو الذى ينبغى أن يشغل المصريون جميعا أنفسهم به لا يحيدون ولا يلهيهم عنه خلاف فى عقيدة أو رأى أو أيديولوجية، فلن تنفعهم فى النهاية المعارك الدائرة بين التيارات السياسية «الدينية والمدنية والعسكرية»، ولن تغنيهم من جوع الشعارات التى تملأ المكان باسم الوطن أو الدين أو الشعب أو أسماء أخرى ما أنزل بها من سلطان. ولن تستطيع مصر فى تقدير جملة من الخبراء من تنفيذ هذا المخطط إلا باطلاق السلطة / الدولة بمشاركة المنظمات الأهلية والقطاع الخاص وبدعم من المؤسسات الدولية لمبادرات تستهدف الجوانب الحيوية (جذور) القضية السكانية مع الحرص على الاستخدام المكثف للمعرفة والتكنولوجيا والطاقات الطوعية للشباب:

أولا: التحكم بصورة فعالة فى معدل الزيادة السكانية بحيث لا يزيد هذا المعدل فى المتوسط عن 1.5% قبيل نهاية السنوات العشر القادمة عبر ما يلى:ــ

1) القضاء تماما على الأمية فى غضون خمسة سنوات على الأكثر.

2) تحسين نوعية التعليم فى جميع مستوياته بدرجة كبيرة على مدى السنوات العشر القادمة، واصدار تشريعات لتعزيز حقوق المرأة والأسرة لمنع تشغيل الأطفال وتسربهم من التعليم الأساسى بصفة نهائية واصلاح وتعزيز مؤسسة العدالة مما يؤدى إلى خفض الحاجة (للعزوة).

3) توفير وتحسين خدمات الصحة العامة والانجابية ورفع سن زواج الفتيات.

4) خفض معدلات الفقر وتوفير التأمين والضمان الاجتماعى وخاصة للمرأة.

5) الاستخدام المكثف للإعلام وقصور الثقافة والمؤسسات الدينية عبر استخدام رسائل عصرية لإحداث تغيير فى وعى وقيم وسلوكيات المواطن.

ثانيا: الحد من الكثافة السكانية بالتنمية المحلية والتخلص من العشوائيات وغزو الصحراء وسيناء بالمستوطنات البشرية المنتجة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل