المحتوى الرئيسى

ألمانيا: قلق بعد وقف ولاية لتعاونها مع أكبر منظمة إسلامية

09/06 21:27

قررت ولاية شمال الراين فستفاليا إيقاف التعاون مع الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية في ألمانيا "ديتيب" الذي يعد أكبر اتحاد إسلامي في ألمانيا. القرار لم يشكل مفاجأة، حيث جاء بعد سلسلة من الاتهامات الموجهة للاتحاد بأنه على صلة وثيقة بحكومة أنقرة. ويأتي هذا القرار في وقت يحتدم فيه النقاش حول الإسلام في ألمانيا ويسجل فيه حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف تقدما في الساحة السياسية، كما يتزامن القرار أيضا مع التوتر في العلاقات التركية الألمانية خاصة بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهت للرئيس التركي رجب طيب إردوغان على خلفية تعامله مع المحاولة الانقلابية الفاشلة التي عرفتها تركيا.

فكيف سيؤثر قرار بوقف التعاون مع منظمة إسلامية بحجم "ديتيب" في النقاش الدائر حول الإسلام في ألمانيا؟ ومن سيعوض هذه المنظمة التي تنشط أيضا في حماية الشباب من الانجراف خلف التيار السلفي واستقطابه لأعمال العنف؟

بالإضافة إلى "ديتيب" التي تعتبر أكبر المنظمات الإسلامية في ألمانيا، تنشط العديد من المنظمات الإسلامية الأخرى في بلد يضم حوالي أربعة ملايين مسلم، حسب تقديرات غير رسمية، وهو العدد الذي يعتقد أنه ارتفع بشكل ملحوظ بعد موجة اللاجئين التي عرفتها ألمانيا. معظم هذه المنظمات يديرها أتراك حيث إن الجالية التركية هي أكبر جالية في ألمانيا بأزيد من ثلاثة ملايين شخص. وأبرز هذه المنظمات: المجلس الإسلامي وهو مرتبط بمنظمة أخرى تركية تدعى "ملي غورش" التي تخضع لمراقبة الاستخبارات الداخلية الألمانية، هذا بالإضافة إلى اتحاد المراكز الثقافية الإسلامية. ويعتبر المجلس الأعلى للمسلمين منظمة بارزة أيضا تنضوي تحتها منظمات وجمعيات إسلامية أخرى. وتكمن أهمية "ديتيب" في كونها المنظمة الإسلامية الأكثر انتشارا والأكبر في ألمانيا، فهي حاضرة ومنظمة بشكل جيد في مختلف الولايات الألمانية وتدير أزيد من 900 مسجد. يخضع "اتحاد ديتيب" للسلطة الدينية التركية ويعد شريكا لكثير من الولايات فيما يتعلق بتنسيق حصص الدروس الإسلامية في المدارس الألمانية.

يرى خبراء أن قرار وقف التعاون له خلفية سياسية ويعكس التوتر القائم في العلاقات التركية الألمانية.

يتهم منتقدون "ديتيب" بأنه بمثابة ذراع طويلة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان في ألمانيا، الأمر الذي لطالما نفته المنظمة. وسبق أن وصف زعيم المجموعة البرلمانية للاتحاد المسيحي الديموقراطي فولكر كودر "ديتيب" بأنه "متحدث باسم اردوغان". من جهتها كانت كرستن غريس المسؤولة في الحزب الاشتراكي الديموقراطي قد دعت اتحاد ديتيب "الى عدم تبرير أو دعم حملة الاعتقالات وحالات المساس بالديموقراطية وحرية التعبير في تركيا" بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. وبسبب الانتقادات نفسها أجلت الحكومة المحلية في ولاية سكسونيا السفلى عقد اتفاق مع الاتحاد كان جاهزا للتوقيع. وكانت يوليا كلوكنر نائبة رئيس حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، المسيحي الديمقراطي، قد دعت سابقا إلى الاحتراز من الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية في ألمانيا، وقالت وقتها: " لا نرغب في أن يشارك أردوغان في تحديد الحصص المدرسية لدينا". ورغم كل ذلك يرى يانس بيكر وهو باحث ألماني في الدراسات الإسلامية أن قرار وقف التعاون لن يكون نهائيا، ويقول في تصريحات ل DW عربية "ليس من السهل وقف التعاون مع منظمة بقوة "ديتيب"، ومن الصعب تعويضها بمنظمة أخرى. أعتقد أنه قرار مؤقت يعكس التوترات الموجودة حاليا بين تركيا وألمانيا".

تأتي كل هذه الاتهامات الموجهة ل"ديتيب" بعد أن شهدت العلاقات الألمانية-التركية توترا في الأسابيع الأخيرة بسبب تبني البرلمان الألماني لقرار يعترف بنظرية إبادة الأرمن من طرف الأتراك وتبع ذلك تهديدات تركية بتعليق اتفاقية التعاون في وقف تدفق المهاجرين الى أوروبا.

لكن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي عرفتها تركيا وما تبعها من إجراءات اتخذها إردوغان بهذا الشأن، عكرت صفو العلاقات خاصة وأن الانقسام السايسي الداخلي التركي انتقل أيضا إلى الجالية التركية في ألمانيا، حيث تظاهرة الأتراك في كولونيا. كما مُنع إردوغان خلالها من إلقاء كلمة عبر دائرة الفيديو المغلقة. وفي هذا السياق استدعت تركيا القائم بالاعمال الألماني. وبالموازاة مع ذلك تتهم وسائل إعلام ألمانية إردوغان باستهداف المعارضة والتضييق على الحريات في تركيا. ويعتبر الخبير بيكر أن قرار وقف التعاون مع "ديتيب" هو انعكاس لهذه التوترات وقد يكون أيضا لحسابات انتخابية. وفي نفس الوقت يعتبر الخبير الألماني أن هناك مواقف معادية لإردوغان لأسباب إيديولوجية ويتابع قائلا "إنها مواقف ليست مبنية على أسس موضوعية أو لأسباب ملموسة، بل تتم في غالب الأحيان فقط بسبب توجهه الإسلامي، كما يتجاهل منتقدوه التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها تركيا في عهده".

ويضيف بيكر أن الإجراءات التي اتخذها إردوغان عقب المحاولة الانقلابية لا تبرر هذه المواقف لأن ما حدث في تركيا كان يمكن أن يحدث في أي دولة أخرى شهدت محاولة انقلابية. وسبق أن عبر سياسيون ألمان عن مخاوفهم من انتقال الصراعات الداخلية في تركيا بعد المحاولة الانقلابية إلى ألمانيا بعد خروج مظاهرات مؤيدة وأخرى مناوئة للرئيس التركي بالإضافة إلى وقوع اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين لإردوغان.

مسجد في مدينة كولونيا تابع لاتحاد "ديتيب" التركي.

"كم هو جميل أن تصبح شهيدا"

وبخصوص ما إذا كان قرار وقف التعاون سيؤثر على النقاش الدائر حول الإسلام في ألمانيا، يستبعد بيكر ذلك معتبرا أن فئة كبيرة من الألمان لا تعرف الكثير عن المنظمات التي تمثل مسلمي ألمانيا ولا تهتم كثيرا بهذا الموضوع، وبالتالي لا يتوقع الخبير الألماني أن تغير هذه الخطوة شيئا في النقاشات حول الإسلام داخل ألمانيا.

أما "ديتيب" فبالإضافة إلى رفضه لانتقادات السياسيين الألمان ودعوات الطبقة السياسية الألمانية له بالابتعاد عن نظام أنقرة، فقد اعتبر هذه الانتقادات "موقفا نمطيا" يأتي عادة من اليمين المتطرف، معتبرا أن صدور مواقف كهذه من أحزاب ديمقراطية أمر يدعو للقلق. ويرى بيكر أن قرار وقف التعاون لن يدوم طويلا لسبب آخر، وهو أنه قد يؤدي إلى زيادة في مستوى التوتر في العلاقات مع تركيا لأن هذه الأخيرة تراعي مصالح "ديتيب".

الحكومة الألمانية لم تنأ بنفسها عن قرار البرلمان بشأن الجرائم في حق الأرمن، ولكن برلين تشدد على أن القرار غير ملزم قانونيا للحكومة. هل يشكل هذا التصريح مخرجاً للأزمة بين تركيا وألمانيا؟ (02.09.2016)

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل