المحتوى الرئيسى

الشنطة التي أوصلتني إلى أم كلثوم

09/06 02:42

...وفي ليلة جفا فيها النوم أجفاني، وتألبت عليّ أشواقي وأشجاني، استعنت على مقارعة السُهاد، بسلاحي الليلي المعتاد. وهكذا أمضيت حوالي ساعتين وأنا أسمع وأشاهد تسجيلات لبعض الحفلات التي كانت أم كلثوم تحييها، دعماً للمجهود الحربي الذي كانت مصر عبد الناصر تدخره من كل بخس وثمين، وتعدّ به العدة للثأر من هزيمة 1967.

...وفيما كانت أم كلثوم تذهب بألباب الجمهور المفتون مع كل آهة من آهاتها، ذهبت بي الذكريات إلى المرة الوحيدة التي كنت فيها واحداً من هذا الجمهور وكان ذلك في أواخر الستينيات.

...آنذاك كنت طالباً ليلياً مسجلاً في أحد المعاهد البيروتية التي كانت تستقطب الراسبين في البكالوريا اللبنانية التي كانت عصية الجانب بلغتها الفرنسية خاصة. وكان هذا المعهد يتولى تسجيل هؤلاء الطلاب كمرشحين لمتابعة برنامج الشهادة الثانوية العامة المصرية المعروفة بالتوجيهية، بعد نجاحهم في امتحان الدخول الذي يجري في القاهرة.

...وكان أن اقترب موعد السفر لإجراء هذا الامتحان، وليس في جيبي سوى حفنة من الليرات لا تكفي لقضاء أسبوع في القاهرة، فمن أين لي أن أدفع ثمن تذكرة السفر ذهاباً وإياباً في الطائرة أو الباخرة؟

...«بسيطة، قال لي زميل، حضّر جواز السفر واترك الباقي عليّ» وكان عند قوله، فبعد أيام اصطحبني مع عدد من الزملاء إلى واحد ممن كانوا يسمّون «تجار الشنطة».

أفهمنا الرجل أنه يتكفل بتذكرة السفر بحراً من بيروت إلى الإسكندرية، ومنها بالقطار إلى القاهرة، ذهاباً وإياباً، في مقابل أن ينقل كل واحد منا صندوقاً من التفاح وشنطة فيها أصناف من الملابس الداخلية النسائية التي لم يكن مسموحاً استيرادها في مصر آنذاك.

...وهكذا سافرنا إلى الإسكندرية حيث مرّت بضاعتنا المهرّبة بسهولة في المرفأ وحضر تمريرها شركاء التاجر اللبناني. ثم سافرنا إلى القاهرة، وتقدمنا لامتحان القبول. وقضينا أياماً «سياحية» كان الحدث الأبرز فيها حضور احدى حفلات أم كلثوم في الأهرام بين يديّ أبي الهول. وكان هذا الحدث موضوع تباهينا على الأصحاب بعد عودتنا إلى بيروت.

...وبعد أشهر كان علينا أن نعود إلى القاهرة للتقدم إلى الامتحان النهائي لشهادة التوجيهية. وكان تدبير كلفة السفر والإقامة من أسهل الأمور. ذلك انني حضّرت بنفسي نفس الشنطة المحتوية على الملابس الداخلية النسائية التي تسّر الخاطر، وأرفقتها بصندوق من التفاح الستاركن الأحمر الفاخر. ثم ركبت الباخرة مستقلاً بضاعتي التي بعتها لدى وصولي إلى المحروسة للتجار الذين وفدوا إلى الفندق الذي نزلنا فيه، وحصلت على كمية من الجنيهات وافرة، كانت أكثر من كافية لقضاء قرابة الشهر في القاهرة، حيث أقمت مع بعض الزملاء في شقة فاخرة في حيّ الزمالك.

...وقد اتفق لي أن رأيت الرئيس جمال عبد الناصر أثناء مرور موكبه في أحد شوارع القاهرة حيث لمحت وجهه الأسمر من خلال نافذة المقعد الخلفي لسيارته، وهو يلوّح بيده للجماهير التي اصطفت على جانبي الشارع لتحيته.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل