المحتوى الرئيسى

شباب مُسلم يُغيّر العالم.. بريطانية تتحدث عن جيلٍ يؤمن بالحياة العصرية ويجتهد في رسم صورة مختلفة عن عقيدته

09/05 15:20

يقولون إنه لا ينبغي أن تحكم على كتاب من غلافه؛ ولكن في هذه الحالة هم على خطأ. ففي مقدمة هذا الكتاب امرأة شابة بأحمر شفاه ذي لون أرجواني ضارب إلى الحمرة، ونظارة شمسية على غرار جاكي وغطاء شعر مُلون، وخلفها، هناك شاب ذو لحية أنيقة مهذبة، وبأذنيه سماعته للرأس، فيما تستريح إحدى يديه في جيبه بشكل عفوي.

هؤلاء جزء من الكتاب المُسمى بـ "الجيل ميم"، وعنوانه الفرعي: "شباب مُسلمون يغيرون العالم"، ويعد أول صورة تفصيلية لهذه الدائرة المؤثرة في أسرع الأديان تنامياً في العالم. و بحسب مؤلفة الكتاب، شيلينا جان محمد، فهم فخورون بعقيدتهم، ومتحمسون ومُستهلكون ومفعمون بالحيوية ومُشاركون نشطون ومُبدعون ومُجتهدون. وفقاً لما جاء في صحيفة الغارديان البريطانية.

التغير الذي سيجلبونه لن يعتمد على الصدقات المقدمة إلى الآخرين؛ فبدلاً من ذلك سيقوم الجنيه الإسلامي، على غرار الجنيه الوردي –الذي يشير إلى القدر الهائل من الأموال التي تنفق من قِبل مِثليي الجنس- من قبل، بالدفع بتغير ثقافي لين عن طريق الاقتصاد الصعب.

وللتدليل على ذلك كله، كانت صورة الغلاف حاسمة؛ تقول شيلينا جان محمد، وأمامها قهوة وحلوى البقلاوة في حديقتها بالضواحي الخارجية للندن،"عندما نتحدث عن المسلمين بشكل خاص، أو عمن يتدينون بشكل عام، فإن الصور التي تحصل عليها محبطة للغاية".

نوع الناس الذي أكتب عنهم

وأضافت "لكنّي أعتقد أن هذا بحق يجسّد الأمر؛ إنه جريء، إنه نابض بالحياة، وتلك السيدة على الغلاف لها طريقتها الواضحة، إن هذا بالضبط هو نوع الناس الذي أكتب عنه".

تتذكر شيلينا الذهاب إلى متجر لبيع الكتب قبل بضع سنوات؛ فتقول "كان لديهم هذا المعرض للكتب عن المسلمين، وكانت جميعها مذكرات بائسة لنساء ترتدين الحجاب وبعيون تنظر إلى أسفل وتعرضن للاغتصاب والبيع، ولناس يركبون على جمال في صحاري بعيدة".

هذا ليس ما نبدو عليه

"ولكن شباب المُسلمين ينادون بصوت يقول إن هذا ليس ما نبدو عليه، نحن نفعل أشياء عادية شأننا في ذلك شأن أي شخص آخر؛ ولدينا أشياء مثيرة للاهتمام كي نقولها، بخاصة عندما تكون المحادثة عن المُسلمين". وبحسب ما تقول شيلينا؛ فإن هناك عدداً قليلاً من المنشورات السائدة بشأن تجربة أن تكون شاباً مسلماً، أبعد من السياسة واللاهوت.

و"الجيل ميم هو جيل الألفية المسلم، وهو الجيل العالمي الذي وُلد في الثلاثين عاماً الماضية، ولكن مع بعض التطور، وعلى نحو مغاير لما هو الحال بشأن أقرانهم المسيحيين في الولايات المُتحدة وأوروبا الغربية؛ ممن يدير معظمهم ظهورهم إلى الدين المُنظم، فالجيل ميم لديه "ميزة طاغية، وهي إيمانه بأن العقيدة وعيش حياة عصرية يسيران جنباً إلى جنب، ولا يوجد تعارض مطلقاً بينهما" بحسب ما تقول شيلينا.

كتبت شيلينا "إيمانهم يؤثر على كل شيء، ويريدون للعالم أن يعرف ذلك، فإن هذا ما يميزهم عن أقرانهم من غير المُسلمين، وأن عاملاً وحيداً هو ما سيشكلهم وسيشكل عالماً يُصرون على أنه ينبغي أن يلبي احتياجاتهم، فهم مجموعة من البارعين في أمور التكنولوجيا، والممُكنين ذاتياً والمفعمين بالشباب، الذين يؤمنون أن هويتهم تشمل كلاً من الدين والحداثة".

تحذو التركيبة السكانية مساراً غير عادي؛ ففي عام 2010، كان هناك 1.6 مليار مسلم في العالم، وهو رقم من المتوقع أن يزداد بنسبة 73٪ في العقود الأربعة القادمة – أي أكثر من ضعف المعدل العام للزيادة؛ ووفقاً لمركز بيو للأبحاث؛ فبحلول عام 2050، سيكون هناك 2.8 مليار مسلم في العالم، أي ما يزيد عن ربع سكان العالم.

وبين 11 بلداً متوقع أن تنضم إلى أكبر اقتصادات العالم هذا القرن؛ هناك ستة بلدان ذات أغلبية مُسلمة من تعداد سكانهم، ولدى اثنين منها أقليات مُسلمة كبيرة، وبحلول عام 2050؛ سيكون بالهند أكبر تعداد للسكان المُسلمين حول العالم، بتقديرات تبلغ 311 مليون شخص، على الرغم من أنهم سيظلون أقلية بين عدد السكان الهائل بالبلاد، كما أن الأقلية المُسلمة في بريطانيا وأوروبا وأميركا الشمالية هم صغار السن وأثرياء وفي تزايد، وتقل أعمار ثلثهم عن 15 عاماً، كما تقل أعمار ثلثيهم عن 30 عاماً.

من المتوقع أن يزداد عدد أفراد المُسلمين بالطبقة المُتوسطة إلى 3 أضعاف ما هو عليه، ليبلغ 900 مليون مُسلم بحلول 2030، مُؤدياً ذلك إلى تغير استهلاكي فضلاً عن التغير الاجتماعي والسياسي.

قوتهم الإنفاقية هائلة؛ إذ يتوقع أحدث تقارير منظمة الاقتصاد الإسلامي العالمي أن الصناعات الغذائية الحلال والاقتصاد القائم على متطلبات نمط الحياة الإسلامي ستقدر بنحو 2.6 تريليون دولار أميركي بنهاية هذا العقد، كما سيحذو التمويل الإسلامي حذواً مماثلاً.

سيبلغ اقتصاد سفر المُسلمين ما يقدر بنحو 233 مليار دولار أميركي، وفي عام 2014، بلغت التقديرات بشأن اقتصاد أزياء المسلمين نحو 230 مليار دولار اميركي، وأُنفق 54 مليار دولار أميركي على مُستحضرات التجميل للمسلمين.

وكتبت شيلينا أنه "من خلال أعداد المسلمين الهائلة، وتنامي مكانة طبقتهم الوُسطى، وتحول الاقتصاد والقوة السياسية إلى الشرق الأوسط وآسيا، تلك المناطق التي تعد موطناً لمعظم مُسلمي العالم، ومن خلال الأقليات المُسلمة التي تعمل كقوى مؤثرة ومتصلة على نحو جيد، ومن خلال القوة الإلهامية لإيمانهم ورفضهم قبول الوضع الراهن، فإن الجيل ميم عازم على صنع تغيير، وما أضخم التغيير الذي سيحدث".

إنها ترسم بدايات ذلك التغيير؛ فالطلب على المنُتجات الحلال "المسموح بها" لطالما كان قوة دافعة للنمو في أوساط مجالات للأعمال، مثل المواد الغذائية، والأزياء، ومُستحضرات التجميل، والسفر.

بين عشرات رائدي الأعمال الذين ورد ذكرهم في الكتاب، كانت هُناك عائلة رضوان، التي بدأت مزرعة طبيعية للمُنتجات الحلال في أوكسفوردشاير؛ وهم مُنتجو مشروب البيرة الخالية من الكحول، وهو قطاع من الأعمال قد تنامى بنحو 80% في الخمسة أعوام السابقة لعام 2012، بحسب ما نشرت صحيفة إكونوميست.

شاذيا سليم، التي أطلقت شركة ieat، وتُنتج الآن مجموعة من الوجبات الحلال الجاهزة، تشمل فطيرة الراعي و اللازانيا، وتُباع مُنتجاتها الآن في أسدا وسينسبري وتيسكو، وذُكِرت أيضاً صناعة جديدة كاملة لأزياء المُسلمين، وتجار التجزئة على الإنترنت ومدوني الفيديو، وعروض الأزياء، وتصميم الأزياء الراقية.

لكن الجيل ميم، وفقاً للكتاب، يريد أن يذهب إلى ما أبعد من الحلال ليصل إلى "الطيب" وهو ما يُترجم إلى كونه "أخلاقياً وصحياً"، فهم يريدون لسلسلة كاملة من الإنتاج أن تتسم بالنزاهة.

"الموارد يجب أن تُحتَرَم بشكل صحيح، ويحتم ألا يُستغل العمال في الصناعات الأساسية، فالاستدامة والتجدد هما جزء من الفكرة الإسلامية بِشأن الاستخلاف في الأرض، التي يناصرها الجيل ميم من المسلمين ومجموعة eco-Muslims.

تم تشكيل جيل الألفية هذا من المُسلمين عبر اثنين من العوامل الضخمة؛ أحدها هو أحداث الـ 15 عاماً ماضية، منذ 11 سبتمبر/أيلول، والرد العالمي على التطرف الإسلامي والإرهاب، أما العامل الثاني فهو الإنترنت، الذي وصفه الكتاب بأنه "اللاصق الذي يربط الجيل ميم معاً ويخلق الكتلة الحرجة التي تحوّلهم إلى قوة مؤثرة على الصعيد العالمي".

الإنترنت أيضاً بحسب قولها "منح مساحة (على نحو تقليدي) للأصوات المهمشة في المجتمع – وهم المُسلمون الأصغر سنّاً والنساء- للتعبير عن آرائهم.

بين تلك الآراء كان هناك الإحباط والاستياء لدى البعض من أن يصنّفوا عبر ارتداء الحجاب أو من أن يُقال لهم إنهم مقموعون من قِبل عقيدتهم؛ فقد اقتبست جانا محمد قول فتاة تدعى آزرا، تبلغ من العمر 20 عاماً؛ إذ تقول "أنا سيدة مُسلمة شابة، لا أُضطهد بحجابي، أنا مُتحررة به، وإذا لم تكن تفهم ذلك، فإن الأمر على ما يرام بالكامل، فأنت لست في حاجة لذلك، فالمشاعر التي تراها في عيني ليست نداء "كي تساعدني" ولكنها نداء لك بأن تأخذ تفاهة ورعك الذاتي وتمضي بعيداً".

وجه المسلمة يُريك وتيرة التغير العالمية

بدلاً من أن يكنّ مُضطهدات وخاضعات، تشهد النساء المُسلمات تمكيناً مُتزايداً في التعليم والتوظيف والحياة العامة والزواج والإنجاب، بحسب شيلينا جان محمد؛ فقالت "إن كنت بصدد اختيار وجه لتجسيد وتيرة التغير العالمية، فعلى الأرجح سيكون ذلك الوجه امرأة مُسلمة؛ فهي جزء من أكبر تعداد سكاني، في أمم تشهد تغيراً يحدث على أسرع نهج، وفي شريحة يكون فيها التغيير هو الأكثر فعالية، باختصار، النساء المسلمات متواجدات حيث يحدث ذلك".

رغم تخطيها أعتاب الجيل ميم، ببلوغها سن 42عاماً، فإن شيلينا جان محمد، وبطرق شتى، تجسد المُسلمة الشابة التي تصفها.

فقد ولدت في لندن لوالدين مُهاجرين، وصلا إلى المملكة المُتحدة بحقيبة و 75 جنيهاً إسترلينياً، وذهبت إلى مدرسة كان فيها عدد قليل فحسب ممن هم ليسوا ذوي وجوه بيضاء.

"كان الدين أمراً هاماً في عائلتنا، أتذكر أن صلاة وصيام والدي والذهاب إلى المسجد كان أمراً مُعتاداً للغاية، فالمجتمع المُسلم الذي كانوا جزء منه كان جزءاً من أساس حياة الأسرة الاجتماعية؛ ولكني في المدرسة، قضيت وقتي في إخفاء يدي ذات رسم الحناء، وفي عدم إخبار الناس بأني أتناول الكاري في المنزل، وفي الخجل للغاية من كوني مُسلمة".

بدأت في ارتداء الحجاب فقط عندما ذهبت إلى جامعة أكسفورد؛ فتقول "وجدت أن الجامعة تجربة تحررية، وتمكنت من اكتشاف من أنا، وجزءٌ من هذا كان هويتي الإسلامية، التي كانت مكبوتة للغاية في المدرسة".

بعد الجامعة، انضمت شيلينا إلى برنامج تدريب للخريجين في مجال التسويق، وقضت لاحقاً عاماً في العمل بالبحرين، وهو ما تصفه قائلة "لقد فتح ذلك عيني على التجربة العالمية لأن يكون المرء مُسلماً".

شخص ينتمي إلى تراثات مُختلفة ويشعر بالارتياح

عادت إلى المملكة المُتحدة قبل وقت قصير من أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وفي أعقاب تفجيرات لندن التي وقعت في يوليو/تموز عام 2005، وبدأت في كتابة مدونة تتحدث عما يعنيه "أن تكون بريطانية، ومُسلمة، وامرأة"، لقد بدا الأمر كمحادثة بشأن شخص ينتمي إلى تراثات مُختلفة ويشعر بالارتياح حيال كل منها، ولكنها مُحادثة لم تُسمع".

وقادت المدونة إلى كتاب، وهو "الحب يرتدي حجاباً"، وقد نُشر عام 2009، عن سعيها إلى الحب عبر الزواج المُرتّب التقليدي، وقد اختيرت شيلينا للمساعدة في إطلاق مؤسسة Ogilvy Noor، وهي فرع من وكالة التسويق والإعلان Ogilvy & Mather، وتقدم المشورة للعلامات التجارية للتعامل مع المُستهلكين المُسلمين.

وقد وظفتها Ogilvy في الشهر الثامن من حملها بطفلتها الأولى، وقد كُتِب "الجيل ميم" إلى حد كبير خلال فترة حملها بطفلتها الثانية، ومنذ ميلاد ابنتها الصغرى البالغة من العمر 18 شهراً، وفي الجزء المخصص لإهداء الكتاب، كتبت شيلينا "إلى فتياتي؛ لأن بإمكانكن فعل كل شيء، اسمعوا ذلك من ماما".

الجيل ميم، بحسب شيلينا؛ لديه تطلعات مُرتفعة؛ إذ تقول "إنهم يريدون أن يكونوا رواد فضاءـ وقد وصلوا إلى المبارزة في دورة الألعاب الأوليمبية، والتزلج على الجليد في الألعاب الأوليمبية الشتوية، ومنهم طاقم الطيران النسائي لدى خطوط بروناي الجوية، فهولاء هم شباب ممن يكافحون حقاً ولديهم تطلعات لا ينبغي أن تكون مُقيّدة بحقيقة تحاول حصرهم في مربع معين".

لكنها تعترف بأن ليس كل شباب المُسلمين مدرجين ضمن الجيل ميم؛ ولا يعتمد ذلك على الدخل أو مُستوى التعليم، بل على مُشاركة سمات الإيمان والحداثة.

فقد كتبت "نُظراؤهم بمكن أن يُطلق عليهم لفظ تقليديون، فهم أكثر محافظة من الناحية الاجتماعية، ويؤمنون بالحفاظ على الانسجام والاحترام الأكثر تجاه السلطة، كما توحي أسماؤهم، في محاولة للتمسك بقوة بما يرونه عناصر جيدة للعائلة والمجتمع والتقاليد".

وعدد قليل من المُسلمين، بطبيعة الحال، صاروا مُتطرفين يستولون على الإسلام من أجل العنف والكراهية وهو النقيض من الجيل ميم.

وعندما سُئلت عمن يستهدفهم الكتاب؛ كان واحداً من أهدافها هو تقديم منصة للجيل ميم، فقد أجابت قائلة "من أجل الناس كي تُسمع أصواتهم" وأضافت "لذا فإن هناك اعترافاً بهويتهم الخاصة، وتدعيم ما هم عليه، وكيف يتحدثون إلى بعضهم البعض".

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل