المحتوى الرئيسى

أحمد النجار: عزل ديلما روسيف "انقلاب سياسي" بدعم رأسمالي أمريكي

09/05 12:49

انتقد أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، قرار مجلس الشيوخ البرازيلي، بعزل رئيسة البلاد، ديلما روسيف من منصبها.

وذكر النجار في مقال بعنوان (جزاء سنمار البرازيلي.. هدية الرأسمالية الرثة لليسار) عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، السياسات الاقتصادية التي اعتمتدتها روسيف للنهوض بالاقتصاد البرازيلي، واصفًا عزلها من منصبها بـ "الانقلاب السياسي".

كان سنمار مهندسا عبقريا من أصل رومي. كلفه الملك النعمان بأن يبني له قصرا فريدا. والنعمان هو أحد الملوك المناذرة العرب الذين هاجروا من شبه الجزيرة العربية الصحراوية المفعمة بالقسوة والبداوة إلى جنوب العراق المزدهي بالمياه والزرع والتاريخ الحضاري، وأسسوا مملكة صغيرة تابعة للفرس عاصمتها الحيرة. بنى سنمار قصر "الخورنق" للملك النعمان. كان القصر مهيبا وبدا فريدا لا نظير له. وعندما اكتمل البناء تفقد الملك القصر وصعد مع مهندسه العبقري إلى السطح ووقفا إلى جانب السور. واستعرض سنمار عبقريته وأشار إلى قطعة حجر قائلا بأنها لو أزيلت لسقط القصر كله، وتباهى بأنه أصبح الآن بإمكانه بناء قصر أكثر سحرا وبهاء. وسأله الملك: هل هناك من يعلم بأسرار بناء القصر وتفاصيله وسر ذلك الحجر غيرك. فقال مزهوا لا فكل من شاركوا في البناء يعلمون أجزاء لكن الصورة الكلية عندي وحدي. فكان جزاء سنمار العبقري من الملك أن دفعه من أعلى السطح ليسقط قتيلا حتى تصبح كل أسرار القصر لديه وحده، وحتى لا يتمكن أي شخص آخر من بناء قصر مناظر أو أفضل، وفي روايات أخرى أنه كلف حرسه بإلقاء سنمار من فوق السطح ليلقى حتفه.

وصارت جملة "جزاء سنمار" تعبيرا عن مقابلة الخير بالشر والغدر. ولا توجد جملة أكثر تعبيرا عما تفعله الرأسمالية البرازيلية في الرئيسة ديلما روسيف والرئيس السابق لولا دي سيلفا سوى "جزاء سنمار". ووفقا لكل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية فإن اليسار الإصلاحي البرازيلي ممثلا في الرئيسين لولا دي سيلفا وديلما روسيف أنقذ اقتصاد البرازيل والرأسمالية البرازيلية من الانهيار. وأنقذت سياساته الاقتصادية-الاجتماعية المجتمع البرازيلي من الانفجار الاجتماعي-السياسي-الاقتصادي.

مؤشرات إصلاح اليسار للاقتصاد وإنقاذ الرأسمالية المتداعية!

كانت الرأسمالية البرازيلية تنتقل من أزمة لأخرى منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين. فالنمو كان بطيئا والتضخم كان جامحا والبطالة والفقر ينهشان المجتمع الذي يتسم بسوء توزيع للدخل يعتبر بين الأسوأ في العالم. ولم تنجح برامج صندوق النقد والبنك الدوليين التي فرضها الدائنون للبرازيل في معالجة أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وتمكنت فقط من السيطرة على التضخم الجامح بتكلفة باهظة، وبلغت الديون الخارجية نحو 228 مليار دولار تعادل 46% من الناتج القومي الإجمالي عام 2002.

وجاء اليسار الإصلاحي البرازيلي للحكم عام 2002 ممثلا في الرئيس لولا دي سيلفا ليحقق إنجازات اقتصادية مهمة أنقذت البرازيل والرأسمالية البرازيلية بصورة جذبت انتباه العالم بأسره إلى تجربة ذلك الرجل في البرازيل الذي اختارته مجلة لوموند الفرنسية كشخصية العام في سنة 2009، واختارته مجلة تايم الأمريكية عام 2010 كأكثر شخصية مؤثرة في العالم.

وتشير بيانات البنك الدولي في تقريره عن مؤشرات التنمية في العالم إلى أن الناتج القومي البرازيلي قد بلغ نحو 2430 مليار دولار عام 2014، محتلا المركز السابع بين أكبر اقتصاديات العالم. وكان ذلك الناتج قد بلغ نحو 495 مليار دولار عام 2002 محتلا المرتبة الثانية عشر بين أكبر اقتصادات العالم لدى تولي لولا دي سيلفا الحكم في ذلك العام. أي أنه أصبح الآن نحو خمسة أمثال قيمته عام 2002. وبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل السنوي عام 2014 نحو 11790 دولار، مقارنة بنحو 2830 دولار عام 2002. أي أنه أصبح في عام 2014 نحو 4,2 مثل لنظيره عام 2002 رغم زيادة عدد السكان خلال تلك الفترة من 174 مليون نسمة عام 2002 إلى 206 ملايين نسمة عام 2014.

ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي في تقاريره عن آفاق الاقتصاد العالمي بلغ متوسط معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي نحو 2,3% سنويا خلال الفترة من عام 1995 حتى عام 2002 عند مجئ لولا دي سيلفا للحكم. وارتفع المعدل إلى 4% في المتوسط سنويا خلال الفترة من عام 2003 حتى عام 2011. وتدهور معدل النمو بعد ذلك. لكن حتى لو أخذنا متوسط الفترة كلها من عام 2003 وحتى عام 2015 فإن المعدل يبلغ نحو 2,9% سنويا في المتوسط، أي أعلى بنسبة 26% عن المعدل المناظر في الفترة من عام 1995 حتى عام 2002..

أما معدل التضخم فقد بلغ وفقا لتقارير صندوق النقد الدولي عن آفاق الاقتصاد العالمي نحو 773% سنويا في المتوسط خلال الفترة من عام 1985 حتى عام 1994 في إحدى صور التضخم الجامح. وقد تمت السيطرة عليه قبل مجئ لولا دي سيلفا للحكم بنحو سبعة أعوام، لكنه نجح هو وخليفته في الحفاظ على ذلك المعدل عند المستويات التي تم تخفيضه إليها، فبلغ 6,5% في المتوسط سنويا في الفترة من عام 2003 وحتى عام 2011، وبلغ 6,7% سنويا خلال الفترة من عام 2012 حتى عام 2015.

أما ميزان الحساب الجاري الذي يعاني من عجز تاريخي في البرازيل فقد تم إصلاحه وتراجع العجز البالغ 4,2% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2001 إلى 1,5% عام 2002، وتحول إلى فائض معتدل بلغ 0,8% عام 2003، وإلى فائض قوي عام 2004 بلغ 1,8%، واستمر عند مستوى جيد مسجلا 1,6% عام 2005، ونحو 1,3% عام 2006. وتراجع عام 2007 مسجلا مجرد 0,1% من الناتج المحلي الإجمالي، ثم عاد ميزان الحساب الجاري للعجز بعد ذلك مسجلا عجزا سنويا بلغ 2,9% في المتوسط من عام 2008 وحتى عام 2015، وهو أحد ملامح الأزمة الاقتصادية الراهنة في البرازيل.

طفرة الاستثمارات الأجنبية في عهد لولا دي سيلفا

رغم الموقف السلبي للرأسمالية العالمية من حكم اليسار للبرازيل فإنهم اضطروا لضخ استثمارات ضخمة للبرازيل للمشاركة في ثمار دورة النهوض الاقتصادي التي أنجزها لولا دي سيلفا بالذات. وقد ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتراكمة في البرازيل من 100,9 مليار دولار عام 2002 عند تولي لولا دي سيلفا الحكم إلى 670 مليار دولار عام 2011 عند خروجه من الحكم. وارتفعت تلك الاستثمارات المتراكمة لتبلغ 754,8 مليار دولار عام 2014 رغم التراجع الكبير والتذبذب الذي شهدته حركة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إجمالي العالم منذ انفجار الأزمة المالية والاقتصادية الأمريكية والعالمية عام 2008. وكانت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تتدفق للعالم كله قد تراجعت من 1819 مليار دولار عام 2008، إلى 1186 مليار دولار عام 2009، وارتفعت إلى 1328 مليار دولار عام 2010، وواصلت الارتفاع لتبلغ 1564 مليار دولار عام 2011، وتراجعت إلى 1403 مليار دولار عام 2012، وارتفعت إلى 1467 مليار دولار عام 2013، وتراجعت إلى 1228 مليار دولار عام 2014 طبقا لبيانات تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (اليونكتاد).

سوء توزيع الدخل.. مأزق تاريخي للبرازيل

تأتي البرازيل ضمن أسوأ بلدان العالم في توزيع الدخل، حيث تصل الفوارق بين الطبقات لمستويات مفزعة. وقد حاول لولا دي سيلفا ومن بعده ديلما روسيف إجراء معالجات جزئية لهذا التوزيع، لكنها كانت متحفظة للغاية في ظل مقاومة الرأسمالية البرازيلية واليمين المعبر عنها والمتربص بالرئيسيين والذي دبر هو وممثلوه الانقلاب السياسي على الرئيسة المنتخبة ديلما روسيف. وطبقا لبيانات البنك الدولي عن مؤشرات التنمية في العالم ارتفعت حصة أفقر 10% من سكان البرازيل من 0,7% من الدخل البرازيلي عام 2001، إلى 0,8% عام 2009 بزيادة نسبتها 14% لهذه الحصة. وارتفعت حصة أفقر 20% من 2,4% من الدخل عام 2001، إلى 2,9% عام 2009 بزيادة نسبتها 21,7% لتلك الحصة. وارتفعت حصة الخمس الثاني من 5,9% من الدخل عام 2001، إلى 7,1% من الدخل عام 2009، بزيادة نسبتها 20,3% لتلك الحصة. وارتفعت حصة الخمس الثالث من 10,4% من الدخل عام 2001، إلى 12,4% من الدخل عام 2009، بزيادة نسبتها 19,2% لتلك الحصة. وارتفعت حصة الخمس الرابع من 18,1% من الدخل عام 2001، إلى 19% عام 2009، بزيادة نسبتها 5%. أما الخمس الخامس والأغنى فإن حصتة من الدخل البرازيلي فقد تراجعت من 63,2% من الدخل عام 2001، إلى 58,6% من ذلك الدخل عام 2009، بتراجع نسبته 7,3%. أما حصة أغنى 10% من السكان من دخل البرازيل فتراجعت من 46,9% عام 2001، إلى 42,9% من الدخل عام 2009، بنسبة تراجع بلغت نحو 8,5%.

وهذه التغيرات في توزيع الدخل كانت كفيلة بتنشيط الطلب الفعال وزيادة حوافز النمو لفترة من الزمن على النحو الذي ورد في موقع سابق، لكنها تفقد تلك الفعالية مع عدم اتخاذ خطوات أكثر حسما لتعديل توزيع الدخل وإنهاء التهميش الاقتصادي والبطالة لقطاع مهم من السكان. وبعد أن تمكنت البرازيل من تخفيض معدل البطالة إلى نحو 6,4% من قوة العمل عام 2011 عاد المعدل ليرتفع تدريجيا حتى بلغ 11,3% في يناير 2016. وهذا المؤشر كان لابد أن ينذر الرئيسة البرازيلية بضرورة اتخاذ إجراءات أكثر حسما لتحقيق التنمية والعدالة، لكنها كانت تحت حصار الرأسمالية البرازيلية المدعومة أمريكيا والتي اتهمتها في النهاية بتقديم بيانات غير صحيحة لتبرير تقديم المزيد من الإنفاق الاجتماعي والدعم للفقراء!!

السياسات الكينزية التي لم يتم تجاوزها

كان لولا دي سيلفا وديلما روسيف قد اتبعا سياسات كينزية اعتمدت على إصلاح الرأسمالية وتحسين بيئة النمو المواتية لها للخروج من أزمتها مع مكافحة الفقر وتحسين توزيع الدخل بشكل بطئ وتدريجي لزيادة الطلب الفعال واستنهاض حوافز النمو وتنشيط مضاعف الاستثمار. وأحدثت سياسات لولا دي سيلفا نقلة هائلة في الاقتصاد والمجتمع في البرازيل. لكن تلك السياسات الكينزية تتعرض للجمود وتدهور النتائج إذا لم تستكمل بإصلاح اقتصادي-اجتماعي أكثر حسما يعلي من شأن العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية-الاجتماعية في آن. وإذا لم يحدث ذلك الاستكمال تحت حماية أغلبية شعبية كبيرة، فإن الرأسمالية المرتبطة بألف وثاق تبعية مع الرأسمالية العالمية تبدأ في الانقضاض على اليسار الذي أنقذها تحسبا لأن يمضي في طريق استكمال إصلاحاته. وتعمل في هذا السياق على تخريب علاقة اليسار مع الشعب بكل الصور الممكنة وبالأساس من خلال صورة وأداء الاقتصاد ومؤشرات البطالة والفقر التي يمكنها التأثير فيها بقوة من واقع هيمنتها على غالبية الاقتصاد. ومشكلة اليسار اللاتيني أنه وقف بإصلاحاته عند مرحلة إخراج الرأسمالية من أزمتها، ولم يتقدم باتجاه بناء نموذج جديد قائم على إصلاحات جوهرية في التنمية الاقتصادية وفي دور الدولة والتعاونيات إلى جانب القطاع الخاص الحر والذي يعمل في كل المجالات تحت ضغوط المنافسة الدولية والمحلية من الدولة والتعاونيات. ومشكلة ذلك اليسار أيضا أنه لم يستكمل إصلاحاته بعملية مستمرة لإعادة توزيع الدخل عبر نظم الضرائب والأجور والدعم والتحويلات والإنفاق العام على الخدمات الصحية والتعليمية. ويراهن اليمين الرأسمالي في البرازيل على أن الشعب المحبط من جمود الاقتصاد بسبب الأزمة الممتدة للرأسمالية العالمية والتي انعكست في العامين الأخيرين على مؤشرات أداء الاقتصاد البرازيلي لن يكون سندا ودرعا لحكامه اليساريين الذين تمت إزاحتهم في مواجهة الرأسمالية اليمينية المتشددة والمدعومة من الولايات المتحدة. لكن ذلك الرهان قد ينقلب إلى ضده إذا لم ينجح الانقلاب السياسي على الرئيسة ديلما روسيف والمدعوم من الرأسمالية الأمريكية في تحقيق إنجاز اقتصادي يجذب الجماهير البرازيلية إليه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل