المحتوى الرئيسى

غزوة الشيشان.. تفاصيل الحملة المصرية لضرب أمريكا وحماية روسيا والصين

09/05 12:43

- من النسخة الورقية لجريدة اليوم الجديد الأسبوعية

​* القاهرة تقدم عربون حماية المصالح الاقتصادية والأمنية للصين والهند قبل زيارة السيسى لهما.. وتغازل القيصر الروسى لاستعادة الثقة والتحالف مع موسكو

​* الاستقبال الأسطورى للأمام الأكبر فى جروزنى انتهى بإخراج الإسلام السعودى من أهل السنة والجماعة.. وتحرك الأزهر يربك المملكة

​* استبعاد السلفية والوهابية من «الإسلام السنى».. وصفة مصرية لعرقلة «الطبعة الجديدة من الأفغان العرب» قبل اشعالهم ممرات العبور بين أوروبا وآسيا

​* أصوات سياسية وإعلامية بالرياض تتهم السيسى والقاهرة بالخيانة ونكران الجميل.. والإخوان يدخلون على خط المزايدة بـ«القراضاوى».. ومصر الرسمية فى صمت

استقبال أسطورى حظى به شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، لدى وصوله العاصمة الشيشانية جروزنى، نهاية أغسطس الماضى، لحضور مؤتمر «من هم أهل السنة والجماعة؟»، بيد أنه عاد وزمرة العلماء والشيوخ المصريين، إلى القاهرة، وفيضان من اللعنات السعودية على وجه التحديد، فضلًا عن عشرات الرموز الإسلامية الجهادية والسلفية، تطاردهم على أثر مشاركتهم فى تلك الرحلة المفاجئة والمؤتمر المثير للجدل.

لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا، ليُوصم المؤتمر والزيارة بالتسييس، وباتهامات برعاية الأول من جانب المخابرات الروسية والإيرانية، لضرب السعودية فى سوريا على وجه التحديد.. الطائفية غدت مرآة تأويل ما جرى فى جروزنى بامتياز، قبل أن تصل الإثارة مداها مع قراءات تربط القصة برمتها بالتحرك الجديد للقيادة المصرية صوب الشرق، ممثلة فى الصين والهند، حيث يزورهما حاليًا الرئيس عبد الفتاح السيسى، فضلًا عن محاولات القاهرة إعادة المياه إلى مجاريها مع موسكو.

لا أحد يملك على وجه الدقة دليلًا رسميا واضحًا على علاقة حقيقية بين تحرك المعممون فى الشيشان، ورغبات السلطة السياسة المصرية فى تقديم عرابين تجديد الثقة للروس، غير أن تجميع المشاهد المقطعة والمقسمة فوق لوحة واحدة مستوية، على طريقة لعبة البازل، يومئ بإشارات جدية عن صحة ذلك الطرح، أضف إلى ذلك أن أصواتًا سياسية فى بلاد النيل، لا تمثل بالضرورة النظام رسميا، وإن كانت تنعت نفسها بصفة البحث والتدقيق والتحليل الاستراتيجى، ومن بينها عمرو عمار، صاحب كتاب «خريف الاحتلال المدنى»، الذى نستند فى مجمل تلك السطور إلى رؤيته، إنما تروج لذلك السيناريو الضخم المحكم فى ظاهره، إذا كان موجودًا بالفعل، ولا يتعلق الأمر بفعل الصدفة.

تحرك مصرى فى قلب القوقاز

الحديث يجرى حاليًا عن تحرك مصرى فى منطقة حيوية تتوسط أوروبا وآسيا من جهة، وتتاخم الحدود الجنوبية الروسية من جانب آخر.

نتحدث عن القوقاز التقليدى، القائم فى محيط جمهوريات قومية سوفيتية سابقة، مثل جورجيا وأرمينيا وأذربيجان، فضلًا عن القوقاز الروسى، ويضم دويلات صغيرة للغاية غالبيتها تحت إدارة الاتحاد الروسى، ومنها الشيشان وأوسيتا الشمالية وداغستان وإنجوشيا.

والمنطقتان السابقتان للقوقاز، متاخمتان لفضاء استراتيجى أمنى واقتصادى وديمغرافى واسع أيضًا بالنسبة لروسيا، متمثلُا فى دول الاتحاد السوفيتى القديم حيث يطل منها ثلاثة على بحر قزوين: كازاخستان، أوزباكستان، تركماستان (ثلاثتهم على الضفة المواجهة لجورجيا وأرمينيا وأذربيجان)، علاوة على قيرغيزستان وطاجكيستان.

أضف إلى ذلك ما تمثله تلك الدول من بعد استراتيجى أمنى واقتصادى أيضًا للصين فى الشمال الغربى منها، وللهلال الحيوى المتمثل فى الهند وباكستان وأفغانستان وإيران.

الهدف المصرى وفق تلك الرؤية، يتمثل بالأساس فى ملء الفراغ الدينى فى تلك المنطقة الشاسعة بتحرك استباقى من جانب رموز الإسلام الوسطى الأزهرى، ومن ثم سد الطريق مبكرًا على دعاة السلفية الجهادية والقاعدة وداعش ومواليهم من الباطن كالإخوان وتنظيمهم الدولى الدائر فى الفلك الأمريكى، وخصوصا من مواطنى تلك البقعة الحيوية فى العالم، وممن يكتسبون خبرة القتال والدماء حاليًا فى مناطق الصراع الدائرة فى فضاء الربيع العربى، كسوريا وليبيا واليمن، وفى سيناء، فضلًا عن العراق وأفغانستان، بحيث إذا ما عادوا إلى مواطنهم بعد أن تخمد النيران وأصوات البارود فى البلدان العربية، لا يجدون التربة ممهدة لتوجيه طاقتهم وسلاحهم صوب مصالح موسكو بدعوى مواجهة الإلحاد والكفر، ولا تجاه بكين بدعوى أنها نظام شيوعى يعادى الدين فى حد ذاته، ولا حتى بتنسيق مع واشنطن لتطويق البلدين بألغام التطرف والعنف الطائفى.

يستند ذلك الطرح، إلى أن قيصر روسيا الجديد، فلاديمير بوتين، لم يخف حين استهل ظهوره العسكرى المؤثر والعلنى فى سوريا، رغبته فى ضرب المتطرفين القوقازيين بصفة عامة، والشيشانيين ومواليهم ممن يمكن أن يُطلق عليهم الطبعة الثالثة من الأفغان العرب، فى سوريا، قبل أن يتفرغوا ويعودا إليه محملين بطاقة تفريغ ثأرية.

على أثر هذا، تتحرك مصر حاليًا بسلاح الأزهر، للسيطرة على منطقة رمادية متخمة بغمامات عقائدية، ومن بينها ما يبرر سفك بحور الدماء.

وفق ذلك الطرح، أرادت القاهرة مغازلة كبار أقطاب العالم فى الكتلة الشرقية، إن جاز التعبير، بطريقة عملية، وهى الإسهام بفاعلية فى مؤتمر يخرج دعاة السلاح من معية أهل السنة والجماعة، ومن ثم تفريغ الحواضن المتوقعة للجهاديين العائدين، من أى مناخات خصبة للتجذور والتشبث بالأرض.

لقاء السيسى بشيخ الأزهر بمقر رئاسة الجمهورية، بقصر الاتحادية فى مصر الجديدة، مطلع أغسطس الماضى، أى قبل نحو ثلاثة أسابيع فقط من مؤتمر جروزنى، يُفسر حاليًا على أنه كان إشارة ضوء أخضر للتحرك الأزهرى فى المنطقة.

رغبة القاهرة المتأخرة فى استعادة الحليف الروسى الذى مل على ما يبدو من ترددها فى حسم التحالفات والانحيازات، ومن سياستها الخاصة باللعب باستراتجية التوازنات تجاه موسكو وواشنطن، يمكن تأويلها هى الأخرى كدافع لتحرك الأزهر خدمة للدب الملاحق أمريكيا وغربيا وربما خليجيا أيضًا بعنف شديد.

لا يخفى على أحد أن الأمريكيين لا يضيعون أى فرصة أبدًا لاستعادة لعبتهم التقليدية القديمة، بتجييش المجاهدين العرب والمحليين لإشعال التوتر على الحدود الروسية، وخصوصا فى القوقاز والجمهوريات السوفيتية السابقة. بيد أن الساحة كانت فارغة ومهيئة لذلك فى الثمانينيات، حيث حرب أفغانستان، وفى الصراع الشيشانى بالتسعينيات، ومن ثم اُنهكت موسكو فى حروب صعبة ومكلفة ومهدرة للسمعة الدولية.

القاهرة تمنح موسكو بذلك حلًا جديدًا، يجنبها المواجهات المسلحة، عبر التحرك لحرق الأرض أمام التيارات الجهادية المتسلفة والمتشددة.

تبدو السلطة فى بلاد النيل حريصة، ولو ظاهريا، فى ذلك التوقيت، على نفى صفة التردد عنها، التى كانت كلفتها على الأقل طيلة العام 2016، وتحديدًا مع الروس، خسارة السياحة من جهة، والاستبعاد من تحالفات أمنية وسياسية كبرى كتلك التى تجمع موسكو مع بغداد وأنقرة وطهران لمواجهة داعش والنفوذ الأمريكى بالمنطقة.

السلطة بالقاهرة تمنح الصينيين والروس كذلك خدمة مجانية بالسعى إلى تنظيف المنطقة من أفكار ظلامية، الأصابع الأمريكية ليست ببعيدة عن النفخ فيها أو عن منح المؤمنين بها وقودًا لإشعال الأرض بها، ما يمثل ضمانة لبكين وموسكو بأن أى طموح اقتصادى وسياسى لهما لإعادة ترتيب المجتمع الدولى بما يوافق مصالحهما وحلفائهما، وبعيدًا عن التدخلات الغربية، قد يمر بسلام بعيدًا عن خطر الإرهاب بوصفة مصرية أزهرية «خلاقة وغير تقليدية».

فى تلك المنطقة من العالم، هناك منظمة تعاون ناشئة، هى منتدى شنغهاى، التى تضم فى بطانتها التأسيسية روسيا والصين وبعض دول الاتحاد السوفيتى القديمة، مع دول مراقبة أو فى طور الاندماج أو شريكة بالحوار كإيران وأفغانستان والهند وباكستان وبيلا روسيا وأذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال.

تسعى تلك المنظمة إلى خلق نظام اقتصادى وسياسى وأمنى عالمى جديد لا تنفرد فيه واشنطن بالسيادة، حتى إنه من ضمن الأفكار خلق كيانات تمويلية بعيدة عن هيمة البنك الدولى أو صندوق النقد الدولى المواليين للغرب بالكلية، ناهيك بالتنسيق لمواجهة خطر الإرهاب.

مصر تسعى للحصول عضوية شريك للحوار فى منظمة شنغهاى، وعلى تلك الخلفية يمكن اعتبار التحرك الأزهرى لوأد الإرهاب فى تلك المنطقة كتذكرة مرور من جانب القاهرة صوب نيل مرادها، وخصوصا أن المنظمة أعلنت أن الفترة من 2016 إلى 2018، مخصصة لتأسيس استراتيجية مجابهة الإرهاب.

وعمومًا، فاحتشاد رموز إسلامية مصرية كبيرة إلى جانب الطيب، مثل مفتى الجمهورية السابق، الدكتور على جمعة، ومستشار الرئيس للشؤون الدينية، الدكتور أسامة الأزهرى، وغيرهما ممن لا يخفى على أحد دعمهم المطلق للنظام، إنما يمثل دلالة قوية على الرضا المصرى الرسمى لما جرى فى جروزنى.

لكن لا حلاوة من دون نار، وفق المثل الشعبى.. فالسعوديون غاضبون بشدة.. بل سارعت أصوات إعلامية وسياسية فى الرياض بتخوين القاهرة والسيسى والانقلاب عليهما، واعتبارهما ناكرين لجميل المملكة بعد 30 يونيو 2013، والتهمة السماح للأزهر بقيادة مؤتمر، أخرج الإسلام السعودى الوهابى السلفى، من أهل السنة والجماعة.

البيان الختامى لمؤتمر جروزنى وتوصياته كانت قالت صراحة، إن «أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية فى الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة فى الفقه، وأهل التصوف الصافى علما وأخلاقا وتزكية على طريقة سيد الطائفة الإمام الجنيد ومن سار على نهجه من أئمة الهدى».

فى هذا تثبيت واضح لا لبس فيه لإزاحة السلفية قاطبة والوهابية، وهو ما ألمح إليه البيان فى ما بعد بأن أضاف أن هذا المؤتمر يعتبر «نقطة تحول هامة وضرورية لتصويب الانحراف الحاد والخطير الذى طال مفهوم أهل السنة والجماعة إثر محاولات اختطاف المتطرفين لهذا اللقب الشريف وقصره على أنفسهم وإخراج أهله منه»، ثم كان حصر المؤسسات السنية المرجعية حول العالم فقط فى «الأزهر الشريف والقرويين والزيتونة وحضرموت»، مع توصية بتبادل وتعظيم البحث فى ما بينها «ومع المؤسسات الدينية والعلمية فى روسيا الاتحادية».. هكذا استبعدت كيانات بلد الحرمين، وأزيح الستار صراحة عن التعاون مع موسكو لدعمها فى مواجهة العنف والراديكالية الدينية.

النقطة الأخيرة شدد عليها البيان الختامى فى أكثر من نقطة تالية، عبر التوصية «بإنشاء قناة تليفزيونية على مستوى روسيا الاتحادية لتوصيل صورة الإعلام الصحيحة للمواطنين ومحاربة التطرف والإرهاب. وزيادة الاهتمام بقنوات التواصل الاجتماعى وتخصيص ما يلزم من الطاقات والخبرات للحضور الإيجابى فى تلك الوسائط حضورا قويا وفاعلا، وإنشاء مركز علمى بجمهورية الشيشان لرصد ودراسة الفرق المعاصرة ومفاهيمها وتشكيل قاعدة بيانات موثقة تساعد على التفنيد والنقد العلمى للفكر المتطرف، وعودة مدارس العلم الكبرى والرجوع إلى تدريس دوائر العلم المتكاملة التى تخرج العلماء والقادرين على تفنيد مظاهر الانحراف الكبرى».

ثم كانت توصيات محكمة تخاطب على ما يبدو المستبعيدن من المؤتمر، مثل «توجيه النصح للحكومات بضرورة دعم المؤسسات الدينية والمحاضن القائمة على المنهج الوسطى المعتدل والتحذير من خطر اللعب على سياسة الموازنات وضرب الخطاب الدينى ببعضه، وتشريع قوانين تجرم نشر الكراهية والتحريض على الفتنة والاحتراب الداخلى والتعدى على المؤسسات».

مباشرة انطلق الهجوم السعودى الجامح المدعوم سلفيا وإخوانيا، معتبرًا المجتمعين فى جروزنى أهل بدع وخرافة وينطقون زبدًا، ومن مؤلهى الحكام المستبدين والديكتاتوريات والانقلابات العسكرية فى أرض الربيع العربى، وأنهم يستهدفون تقسيم السنة بشطحات صوفية، وأنهم ملونون بدوافع سياسية تخدم الروس والإيرانيين الشيعة الطامعين فى إرث العرب. ونال الرئيس الشيشانى، رمضان قاديروف، قسطًا غير قليل من اتهامات العمالة للروس والثأرية من السلفية الجهادية التى سبق أن اغتالت والده أحمد قاديروف، بعدما انضم إلى حلف موسكو ضد المجاهدين فى الحرب الشيشانية.

الشيخ يوسف القرضاوى دخل على الخط، متحصنًا برئاسته للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، الذى لم يعد يشغله التعتيم على تنسيقه وأهداف التنظيم الدولى للإخوان، مهاجمًا الجميع بزعم دعم الروس الذين يسفكون دماء السوريين مساندةً لبشار الأسد، بيد أنه لم يعط أى إشارة على أن الأمريكان من جانبهم يقصفون المدنيين بدعوى نصرة المعارضة ومجابهة داعش.

صمت رسمى.. وتبرير من الإمام.. ورد «أزهرى»

فى مصر، لم يخرج أى تصريح رسمى ذى صلة بالقصة.. الأقرب أن القرار فى دوائر السلطة العليا هو الانزواء بعيدًا عن الصورة تمامًا، بحيث يتم الإيحاء بأن الأمر كله شأن دينى محض يخص مؤسسات عقائدية إسلامية فى الداخل والخارج، ولا تقاطع للسياسة معها من قريب أو بعيد، وكذلك حتى تتاح الفرصة لنفى فى الكواليس للرياض يبعد أى شبهة تورط للاتحادية فى الأمر، إن تأزم الموقف.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل