المحتوى الرئيسى

قطعة السكر.. وإسماعيل صدقى! | المصري اليوم

09/05 02:59

هل تريدون إصلاحاً حقيقياً.. أم ضياعاً وراء ضياع؟ والنبى احسموها، ولو مرة واحدة.. وقولوا ماذا تريدون بالضبط.. أم أن عيناً فى الجنة.. وأخرى فى النار؟!

إن كنتم تريدون إصلاحاً عليكم تحمل كامل تبعاته، وآلامه ومتاعبه وأنتم وقدرتكم على التحمل.. وكلما صبرتم كانت الجائزة أكبر.. تلك هى معركتنا الحاسمة.. أما إن كنتم لا تريدون فما أسهل القرار، ولكن العاقبة عندكم، فى المياتم وسرادقات الأحزان، ولا طريق وسطاً بالمرة.. ولا تصدقوا.. بل لا تسيروا مثل الأطرش فى الزفة.. وراء بعض وسائل الإعلام، التى تدغدغ حواس البسطاء وتعيش على خداعهم وتملقهم.

وطريق الإصلاح طويل.. طويل، وهنا أعيد إلى ذاكرتكم ما قاله ونستون تشرشل، أعظم رؤساء وزارات بريطانيا، عندما جاءوا به ليقود البلاد فى مواجهتها مع نازية هتلر، قال تشرشل لشعبه: ليس عندى إلا العمل والعرق والدموع.. وتحملونى، ثم حاسبونى عندما يتحقق النصر لنا جميعاً.. وكان برنامجه رهيباً.. فرض قطعتى سكر فقط لكل بريطانى، واحدة عند الإفطار فى الصباح.. والثانية عند الشاى الإنجليزى التقليدى، شاى الخامسة مساءً.. وفرض بيضة واحدة للمواطن ثلاث مرات أسبوعياً.. وربما تتذكرون رقعة كم الجاكيت التى أصبحت موضة، عندما كان الصوف يتآكل فيضطر المواطن إلى تركيب رقعة من الجلد ليطيل عمر الجاكيت.

وصمد الشعب البريطانى إلى أن تحقق النصر رغم الغارات الجوية اليومية التى ضربت ودمرت معظم أحياء لندن والمدن الكبرى. وأتذكر هنا حكاية رواها لنا أستاذنا الكبير مصطفى أمين عندما سافر إسماعيل صدقى باشا للتفاوض مع بيفين على المطالب المصرية.. وكان مصطفى بك يعرف متاعب الإنجليز بسبب نقص السكر. وحتى يجنب أعضاء وفد المفاوضات المصرى متاعب نقص السكر، التى استمرت حتى إلى ما بعد انتهاء الحرب، طلب من صديقه أحمد باشا عبود، وكان يلقب بملك السكر، أن يزوده بعدد من علب السكر «المكنة» أى القطع. وقدمها للوفد.. وكان منهم مصطفى أمين نفسه متابعاً لسير المفاوضات. وكانت تعليمات إسماعيل صدقى تفرض حصاراً على تسريب أى معلومات عن هذه المفاوضات.

ومرة جلس مصطفى بك مع السكرتيرة البريطانية المكلفة بطباعة محضر المفاوضات.. وكانت ترفض تقديم أى معلومة للصحفيين ولما جاءها فنجان الشاى وجدها تأخذ قطعتى السكر وتضعهما فى منديل ثم تدسه فى حقيبة يدها. وتعجب. ولما سألها قالت إن ولدها مريض ويحتاج كمية إضافية من السكر فكانت تحتفظ له بالقطعتين.. هنا تفتق ذهن مصطفى بك وتذكر علبتى السكر اللتين أخذهما من أحمد باشا عبود.. وفى اليوم التالى جاء للسكرتيرة بعلبة سكر كاملة.. فقامت السكرتيرة وطبعت قبلة على وجهه.. وسألته ماذا تطلب؟.. هنا قال لها: نسخة من محضر الجلسات، وردت: ولكن إسماعيل صدقى يصرف لى ورقتين عن كل صفحة، واحدة للوفد الإنجليزى، والثانية للوفد المصرى.. حتى لا تتسرب أى معلومة للصحفيين.. هنا قال لها مصطفى أمين: ولكن الباشا لم يعد ورق الكربون.. يا ستى استخدمى فرخ كربون واحد لكل صفحة من محضر الجلسات.. وسلمى لى هذا الفرخ وأنا أتصرف.. ووافقت السكرتيرة.. وبذلك كان يفاجأ إسماعيل صدقى، فى اليوم التالى، بنشر كامل ما دار فى جلسة المباحثات فى الصفحة الأولى من جريدة الأهرام، التى كان مصطفى أمين هو رئيس قسم الأخبار بها!! والسبب: علبة سكر قدمها للسكرتيرة مقابل هذا الانفراد الصحفى.. وجن جنون إسماعيل صدقى أكثر ساسة مصر دهاءً وذكاءً!!

■ ■ ولكن ما علاقة هذه المباحثات القديمة بالقضية؟ العلاقة تكمن فى قطعة سكر.. بسبب ما عانته بريطانيا من نقص شديد فى السكر طوال سنوات الحرب العالمية.. وحتى ما بعدها، والدرس هنا مغزاه بعيد للغاية، هو مدى معاناة الشعب البريطانى.. حتى يعطى لحكومته الفرصة للنجاة من الدمار الذى كان يحلم به هتلر وإصرار هذا الشعب على الصمود، إلى أن يعبر محنته.

■ ■ ومصر الآن تخرج من أزمة لتدخل أخرى، من أزمة فى الخبز إلى الأرز.. إلى السكر «إياه»، إلى أزمة حتى فى لبن الأطفال، ترى ماذا يفعل شعبنا لو عانى ما عانته بريطانيا.. من نقص فى معظم السلع الاستراتيجية.. حيث كان الشعب كله - هناك - يعانى؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل