المحتوى الرئيسى

تاييس «1- 3» | المصري اليوم

09/05 01:28

لا أذكر منذ متى من السنين قرأت هذه الرواية «تاييس» للأديب الفرنسى الكبير «أناتول فرانس».. لكنى لم أنسَ قط الرجفة التى هزتنى- وأنا بعد مراهق صغير- وأنا أقرأ تفاصيل تلك الرواية المُلهمة.

إنها قصة الراهب البائس «بافنوس» الذى أغوته امرأة. هى فى الحقيقة لم تتعمد إغواءه. ولكنها المعضلة الدائمة. الرجل والمرأة، الذكر والأنثى، المغناطيس والحديد، السالب والموجب، الليل والنهار.

مخطئ من يظن أن التجاذب بينهما ما هو إلا نتاج هرمونات قلقة تدفع أحدهما إلى الآخر. الأمر فى رأيى أكبر من ذلك وأعمق. مَن منا لم يشعر بالحيرة صوب مشاعره الملتبسة نحو الجنس الآخر وهو بعد فى غفلة الطفولة؟

فى اعتقادى أن سر الخلق يكمن ها هنا. تصور أنه لولا هذا التجاذب الغامض بين قطبى الحياة السالب والموجب، ما كانت الحياة لتستمر لأكثر من جيل واحد ثم تنقرض. إنه قدس أقداس الخلق. الضمانة لبقاء النوع، ولولاه ما كان- فى تلك اللحظة- على ظهر الأرض فتاة تصبغ شفتيها، أو مهر يركض فى السهول، ٍأو زهرة تعلن عن جمالها فوق هضبة شاهقة.

سأقوم على مدى الأيام الثلاثة القادمة بعرض وتلخيص رواية «تاييس» فدعونا لا نستبق الأحداث، ولنستمتع بتفاصيل الرواية.

مقدمة الرواية تعرض لنا حياة رهبان الصحراء فى مطلع المسيحية، بما فيها من زهد وتقشف. يأكلون الخبز بالملح ويلبسون وبر الإبل. يومهم صوم حتى الغروب، وفى الليل- بعد طول التهجد- ينشدون المزامير.

وفى اعتقادهم أن أمراض البدن تطهر الروح، أما أشرف حلية فهى البثور والقروح!

هذه هى الحياة التى اختارها الراهب «بافنوس» لنفسه، بعد أن ترك الإسكندرية، وترك حياة الترف إلى حياة الشظف والرهبنة.

وفى خلوته بالصحراء تذكر فجأة تاييس. تلك الغانية السكندرية بارعة الحسن، تذكر كيف كانت تشعل الشهوة فى أجساد الرجال (هو نفسه كان مفتونا بها قبل عهد رهبنته)، وتمنى لو استطاع أن يردها إلى الطريق القويم متضرعا إلى الله أن يجعل هدايتها على يديه.

يعقد العزم على القيام بالرحلة التى يبدؤها على قدميه الحافيتين مع انبثاق الفجر- محاذيا الشاطئ الليب- فى طريقه للإسكندرية، غير عابئ باللصوص والوحوش الضارية، مبتعدا عن القرى والأمصار، ممتنعا عن دخول المدن خشية فتنة الألوان الزاهية. غذاؤه أوراق الشجر والثمار غير الناضجة حتى بلغ الإسكندرية، واقتحم دار الغانية.

هناك رأى فتنتها وصعقه جمالها، فابتهل إلى ربه أن يكون سببا لهدايتها، لا أن تكون هى سببا لغوايته.

حديثه لها كان مزلزلا لم تسمع مثله. هو الذى قدم من بلاد سحيقة نائية لأنه يحبها أكثر من ذاته. حب الروح الخالد لا الجوارح الفانية. حب فى الله وإلى الأبد. من أجل هذا الحب غادر صحراءه، ونطق لسانه الذى نذر الصمت، وسمع ما يحرم عليه سماعه. ولأجلها واصل الليل والنهار فى الصحارى الرملية المكتظة بالحشرات والهوام والخفافيش، تطأ قدماه العاريتان العقارب والأفاعى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل