المحتوى الرئيسى

في مواجهة «حزب الله» و«حماس»

09/05 01:20

الأمور تتحرّك بسرعة في الشرق الأوسط ومَن لا يكيّف نفسه مع التغييرات يعرّض نفسه للهجمات في أحسن الأحوال. وقبيل الحرب الأهلية في سوريا، التي غدت جنات عدن لتنظيمات الإرهاب الإسلامي، كانت كل طائرة إسرائيلية تحلق يوم السبت حدثاً شاذاً، لأن الجيش الإسرائيلي لا يتدرب في أيام السبت. في السنوات الأخيرة صار تحليق الطائرات على الحدود الشمالية أيام السبت عملاً اعتيادياً، لكن كل طلعة كهذه تستدعي توتراً حتى إن كانت لفحص حركة مشبوهة قرب الحدود أو قتالاً بالنار الحية بين المتمردين والجيش السوري يمكن أن ينزلق إلى الجانب الإسرائيلي. وهذه خلاصة مواجهة معقدة مع تنظيمات إرهابية بلا عنوان.

لقد أعدّ الجيش الإسرائيلي نفسه لهذا التغيير منذ صيف 2014، في أيام وقف النار في عملية الجرف الصامد. وصادقت هيئة الأركان على إعادة تنظيم سلاح الجو لم يَسبق له مثيل منذ عشرات السنين. وتمّ تقسيم شعبة الجو إلى شعبتين: شعبة مسؤولة عن النشاط العملياتي للسلاح، وشعبة مسؤولة عن التدريبات، والجاهزية ونظرية التدريب. والناس في هذه القيادات لا يحظون بالأمجاد ويبقون خلف الكواليس، لكن وقت الاختبار سيكون لأدائهم ومساهمتهم مغزى حاسم.

وتمثل هدف التغيير في تكييف بنية سلاح الجو مع الاستخدام المعقد، الذي شمل استيعاب منظومات دفاعية فعالة مثل «القبة الحديدية» و «عصا الساحر» وأيضاً مع مهام عملياتية هجومية روتينية، في معارك ما بين الحربين واستعداداً للحروب المقبلة. والسرعة التي نشأت فيها منظمات إرهابية وسقطت فيها أنظمة حكم ألزمت الجيش الإسرائيلي بخلق مرونة، لإسقاط أسوار وتغيير برامج. سلاح الجو الحالي يختلف جداً عما كان حتى العام 2014، وهو أعاد تنظيم نفسه لتوفير ردّ على كل مهام الهجوم والدفاع التي يقتضيها شرق أوسط متغيّر. فكيف تعمل هذه الهيئة وكيف يتوقع أن تعمل روتينياً في عمليات واسعة النطاق وفي الحرب؟ وألا ترسم الهيكلية الجديدة لسلاح الجو وطريقة تجسيد هذا السلاح لجبروته.

وتغيير الوجهة بقيادة قادة سلاح الجو شمل تركيزاً كبيراً على ثلاثة رؤساء دوائر: هجوم، دفاع ومشاركة، وأعدّ لخلق تأثير كبير على مهام الجيش الإسرائيلي وتعظيم قدرات سلاح الجو. ومكوّنات مثل الاستخبارات، التخطيط، السيطرة والرقابة وضعت تحت مسؤولية عميد. والمرحلة الثانية شملت بناء 18 طاقماً مقاتلاً لمواضيع متنوعة تراقب وتعالج أمر حزب الله، حماس، إخلاء سكان في وقت الضرورة ومهمات أخرى. واختير في صيف 2014 العميد تومر بار قائداً لشعبة العمليات الجوية، وهو طائر حربي محنك جداً قاد في الماضي سربين حربيين، وخدم كرئيس لشعبة العمليات في سلاح الجو، وكقائد لكلية الطيران وقائد لقاعدة تل نوف سابقاً.

وحزب الله الذي يشغل جداً الجيش الإسرائيلي غيّر صورته في العقد الأخير وأقام ما لا يقلّ عن 240 قاعدة ومخزن سلاح في القرى الشيعية في جنوب لبنان، تحوي كل منها ما بين عشرات إلى مئات الصواريخ الموجّهة نحو إسرائيل. وكل واحدة من هذه تلزم الجيش الإسرائيلي برصد استخباري والتخطيط لمهاجمتها مستقبلاً.

ورغم التحدّي والمصاعب، فإن الجهد الاستخباري للجيش يؤتي ثماره. وإذا كانت في بنك الأهداف في حرب لبنان الثانية مئات الأهداف لمهاجمتها توجد اليوم فيه آلاف الأهداف، وأيضاً الكثير من الجودة حسب وصف قدرة الجيش. والسؤال هو كيف تضرب العدو وتشوّش أداءه؟ كيف تضرب العدو بشدة كبيرة تمنعه من تنفيذ مخططاته؟ هذا تحدٍ آخر للشعبة الجديدة في سلاح الجو.

والمستوى الآخر هي المعركة السرية لإضعاف محور الشر، وهي ما يسمّيها الجيش كمعركة ما بين الحربين، والمقصود غارات غامضة وعمليات معقدة. وقد رسم المستوى السياسي خطوطاً حمراء بشأن كل ما يتحرّك في الشرق الأوسط وقد يهدّد دولة إسرائيل. ووفقاً لذلك، أُعطيت توجيهات للمؤسسة الأمنية بالعمل لإحباط نقل أسلحة مثلاً. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشي يعلون مراراً أنه لا مهادنة في ذلك.

ورغم المنطق الكثير في التغيير التنظيمي، فإن قادة سلاح الجو السابقين استغربوا حين سمعوا عن التغيير. حتى العميد بار، الذي ترأس في الماضي شعبة العمليات في فترات انشغال كثيف وأيضاً في عملية الرصاص المسكوب، ظنّ أن لا حاجة للتغيير لأن السلاح يعمل كما ينبغي. لكن الوقت مرّ، والمهمات والأعباء تراكمت على سلاح الجو واستوعبت فيه منظومات جديدة، بينه المزيد من بطاريات القبة الحديدية، وعصا الساحر وحيتس 3. وبالمقابل يستعدّ السلاح لاستيعاب طائرات إف 35.

والرسالة كانت واضحة: في الزمن الحالي ليس مطلوباً من سلاح الجو فقط أن يوصل القنبلة إلى الهدف لتدميره، وإنما أن يستخدم الكثير من المنطق والحساب في التخطيط لضرب العدو في مراكز ثقله، وتوجيه ضربة نارية دقيقة، وفي النهاية الحفاظ على تناسب فعّال بين جهدَيْ الدفاع والهجوم، حيث قد تتطوّر في الخلفية ميادين متوازية عدة في الشمال والجنوب. والخلاصة: هجوم ناجع وأشد فتكاً مما في الماضي في جبهات عدة بالتوازي، عبر حماية الجبهة الخلفية.

ورئيس شعبة العمليات الجوية العميد بار يعتبر نائباً لقائد سلاح الجو وهو مشغول ليل نهار. وكذلك حال جنوده. وكمسؤول عن النشاط العملياتي لسلاح الجو، فإنه متوفر 24 ساعة في اليوم ويعرف عن كل طلعة طيران وكل حدث. وتحت رئيس شعبة العمليات الجوية تعمل بؤر عدة شديدة التأثير، بينها رئيس مركز السيطرة. ويعمل مركز السيطرة 365 يوماً في العام وهو بقيادة مقدّم، غالباً قائد سرب سابق. وإلى جانبه يوجد دوماً «قائد سلاح الجو المناوب» وغالباً هو ضابط برتبة عقيد وهو طيار مجرب يجري تأهيله لاتخاذ قرارات صعبة وإدارة مهمات. وأحياناً يكون في هذا المكان أيضاً رئيس شعبة العمليات الجوية لاتخاذ القرارات الحاسمة.

وكجزء من الاستعداد لمواجهة التطورات في الشرق الأوسط ومحاولة أن تكون مستعداً ومرناً أنشئ في العامين الأخيرين 18 طاقماً مقاتلاً برئاسة مقدم. ولكل طاقم مهمة محددة: حماس، حزب الله وإخلاء السكان مثلاً. وفي أوقات الطوارئ يضاف إلى كل طاقم كهذا ضباط كبار احتياط. ووقت الضرورة يطلب من كل طاقم ترجمة المعلومات الاستخبارية التي راكمها وخطط لاستهدافها إلى عمل فعلي.

وإلى جانب غرفة العمليات يوجد طاقم أبحاث عملياتي. فإحدى الطاولات الأشدّ سرية في غرفة العمليات يجتمع حولها كل ممثلي الاستخبارات وبينها الموساد والشاباك وشعبة الاستخبارات. وهناك يتمّ تنسيق المعلومات والأداء العملياتي. وحسب ضابط كبير فإنه جرى مراراً عقد هذا الطاقم وهذه شهادة على حرب الظلال التي يديرها سلاح الجو لضرب العدو ولإشعاره بأنه مخترَق. والهدف إظهار تفوق غايته تحقيق الردع.

وفي غرفة العمليات توجد غرفة تعتبر الأشد سرية، وهي المكان الذي تصل إليه المعلومات الاستخبارية وضباط التخطيط لاستخلاص المعونة للهجوم، أو لتحديد نقاط العلام الدقيقة للطيارين. والضباط الذين سيجلسون أمام منظومات التخطيط يقررون ليس فقط ما يهاجمون وإنما أيضاً كيف يهاجمون. وفوق كل هؤلاء يوجد في حالات خاصة ما يشبه قيادة عليا لسلاح الجو.

وحسب ضابط كبير في سلاح الجو فإن أحد تحديات شعبة العمليات الجوية هي تطوير أفكار ومبادرات لمواجهة المخاطر. في الماضي كانت معظم الأفكار تأتي من الأسراب المختلفة، لكن بسبب أن الطاقم القتالي غداً حالياً مركز الخبرة، فإنه ينتج حلولاً غير قليلة وطرق تفكير خلاقة. والتحديات الأخرى هي قيادة التحقيقات بعد انتهاء كل العمليات. وقد حظيت القيادات المناطقية بتسرّع في العامين الأخيرين وعُيّن رؤساء مناطق برتبة مقدّم في قيادة الجبهات بغرض تنسيق العمليات وخلق لغة مشتركة وحلول وقت الضرورة.

ويوضح ضابط كبير أن «أهدافنا هي حماية أجواء الدولة، والتفوق الجوي، ومهاجمة العمق والإسناد. والطاقم العملياتي جزء من مثلث يربط بين لواء التشغيل في الاستخبارات العسكرية ولواء العمليات في هيئة الأركان، لكنه بالتأكيد سيؤثر جداً على خريطة إيلام العدو».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل