المحتوى الرئيسى

تمديد أو تفويض أم انتخاب؟! | المصري اليوم

09/04 22:49

فجأة وبدون سابق إنذار اشتعلت المواقع الإلكترونية المؤيدة والمعارضة للسيسى باستفتاء عن استمراره لفترة ثانية أم لا.. نحن أولا لسنا دولة لها معاهد استطلاع متخصصة مثل «جالوب» بأمريكا أو إيفوب فيدوسيال الفرنسى.. لذلك فإن استباق الاستحقاق الرئاسى قبل عامين باستطلاعات مبكرة يسىء للرئيس والدولة والمصريين.. هذه الاستطلاعات تفرض نوعا من الوصاية على الشعب الذى من المفترض أن يكون هو صاحب القرار..

فقبل عامين لم يكن هناك استفتاء على الرئيس عند مجيئه للحكم لكن فى 2018 من المؤكد أن الشعب سيطلب برنامجا وشروطا لتجديد الثقة فى الرئيس.. الظروف التى جاء فيها السيسى لمنصبه تختلف عن تلك التى سيترشح فيها.. المصريون تغاضوا عن برنامج للعدالة الاجتماعية وإصلاح التعليم والرعاية الصحية وتحقيق المساواة فى سبيل هدف أهم وهو إنقاذ الوطن ممن اختطفوه..

من ثم جاء الرئيس على حصانه الأبيض وحقق الحلم.. نعم أنقذ مصر من الأخطار والمؤامرات لكنه مطالب الآن أن ينقذها من الإفلاس والفقر والبطالة والمرض والتمييز الطبقى وقبل هذا كله وبعده أن يقضى على الفساد الذى صار وحشا طليقا ينهش لحمنا ويشم هواءنا ويلتهم أرزاقنا ونحن له طائعون وقانعون بما يلقيه لنا من فضلات يتفضل بها علينا من حين لآخر..

من المؤكد أن الرئيس السيسى لم يمارس السياسة من قبل.. ليس ناصر أو السادات.. ربما يكون أقرب إلى مبارك لكن الأخير شرب الكثير من السادات خلال عمله نائبا وكلف الراحل العظيم أسامة الباز بتدريبه سياسيا بصورة مركزة.. تلقى «كورسا» سياسيا مكثفا تخللته امتحانات ساداتية لقدرات مبارك كان أهمها توسطه فى حل نزاع الصحراء المغربية بين الملك الحسن الثانى وهوارى بومدين عام 1977..

عرف مبارك أنه لابد كى يحكم أن يتعلم وظل فى هذه المرحلة حتى عام 2000.. إلى أن تصور أنه أحاط بكل شىء علما.. ساعده خبراء سياسة واقتصاد واجتماع.. من ثم كنا نعرف الفريق الرئاسى الذى يجهز المائدة للرئيس.. مرجعيتهم السياسية والثقافية وخلفيتهم الاجتماعية.. أن رجالا مثل أسامة الباز ومصطفى الفقى والسفيرين رضا شحاتة وسليمان عواد وأساتذة اقتصاد واجتماع مثل د. إسماعيل صبرى عبد الله وصبرى الشبراوى وقانونيين كمفيد شهاب ومحمد الدكرورى وبرلمانيين مثل فتحى سرور وحسام بدراوى.. هؤلاء كانوا نخبة الرئيس.. والأهم أنهم كانوا يجتمعون «علانية» مع الرئيس لمناقشة القضايا الهامة.. هذه نقطة هامة جدا فقد حدث مثلا أيام ترشح مبارك عام 2005 أن كان المستشار ممدوح مرعى (وزير العدل فيما بعد) منسقا قانونيا لحملة الرئيس.. التصادم بين رأيه وآراء من يحاولون مجاملة الرئيس كان حادا وعنيفا بخصوص النفقات والتنقلات.. وكان مبارك ينحاز لرأيه دائما بعد أن يسمع الجميع..

الرئيس السيسى عليه مهمة ثقيلة فى المرحلة القادمة.. وهى التخلى عن فكرة أنه القانونى والمفكر والاقتصادى والسياسى.. الرئيس هو قمة هرم الحكم وهو الفيصل بين السلطات.. لكن الواضح أن هناك تداخلا بين الحكومة والبرلمان والحاشية والرئيس.. هناك انطباع بأن الجميع يعملون طبقا لمفهوم الرئيس حتى لو كان ذلك يضر المواطنين اقتصاديا واجتماعيا..

إن رجال الرئيس يورطونه فى مزالق عديدة.. مثلا صرح الأستاذ ياسر رزق رئيس تحرير الأخبار فى مداخلة هاتفية مع برنامج متلفز بأن الرئيس أكد أن «ترشحه لفترة ثانية سيكون بشروط».. أساء الزميل المحترم رزق التعبير.. فالناخب هو الذى تكون له دائما شروط.. أما شروط الرئيس فهو «تعبير» جديد.. ومقدما سنجد من يبرر لنا تلك الشروط ثم يسوقها ويحللها لنا من إعلاميى الرئاسة وصحفييها..

أعتقد أن رجال الرئيس، ولا أحد يعرف خبراتهم، مازالوا يغذون الاعتقاد بأنه الوحيد القادر على إنقاذ مصر.. الأصح أنه الوحيد الذى أنقذ مصر قبل عامين لكن أن ينقذها مرة أخرى فهذه محل نظر ليس تشكيكا ولكن لأن الخطر مختلف.. التحدى حاليا هو الإفلاس بعد أن تجاوز الدين 100% من الإنتاج المحلى.. الفقر أزاح الطبقة المتوسطة من الهرم الاجتماعى..

العدالة الاجتماعية التى طالبت بها ثورتان مازالت «جنينا» لا نراه على السونار أو نسمع دقات قلبه ولكن الطبيب يقول إنه موجود وسيخرج للحياة! متى؟ لا نعرف! هل سيكون صحيحا أم مشوها لا نعلم! هل سيسعد به الأبوان أم سيعانيان الأمرين.. العلم عند ربى..

تصورى الشخصى أن الرئيس ربما كان يقصد الإجماع الشعبى.. وفى هذه الحالة أتصور أنه مازال يفكر فى التفويض وليس الانتخاب.. الظرف السياسى اختلف وكذلك المتطلبات والأولويات.. الرئيس صاحب شعبية لا جدال فى ذلك لكنها ليست تلك التى فوضه الشعب بها.. ولابد أن يعى ذلك ولا يضايقه.. فكل حكام العالم تقل شعبيتهم عندما يتصدون للأزمات والمشاكل!

أعود للشروط التى تحدث عنها الأستاذ ياسر رزق رئيس تحرير الأخبار كى يوافق الرئيس على الترشح من جديد! هل يطلب تفويضا وحشدا مثل الذى حدث فى يونيو 2013 أم أنه يسعى إلى تمديد فترته الرئاسية الأولى لثمانى سنوات من خلال تعديل للدستور أو كمطلب برلمانى من مجلس النواب الذى يتمتع فيه بأغلبية تؤيده؟! لا أحد يستطيع أن يعرف نوايا الرئيس فالله أعلم بالسرائر.. لكن الذى أعلمه أن سيادته يكرر كثيرا ضرورة أن يقف المواطن بجانب الدولة! أعتقد أن هذا الشرط متحقق فعلا ويبقى أن تقف الدولة بجانب المواطن.. المصريون وافقوا صاغرين على رفع الدعم وتحرير أسعار الطاقة بما فيها الكهرباء وغاز المنازل.. قبلنا بضرائب متنوعة سابقة ولاحقة.. نستعد لزيادة سعر تذكرة المترو التى يستخدمها يوميا 2 مليون مواطن أغلبهم من الكادحين! نتحمل مجلس نواب يزعم أن الشعب أغنى من الحكومة.. سترتفع كافة أسعار السلع الأساسية بعد موافقة البرلمان على القيمة المضافة.. ننتظر زيادات أكثر للزيت والسكر والدقيق..

وفى الوقت ذاته لاحظنا أن الرئيس عطل قانون ضريبة الأرباح الرأسمالية بالبورصة لعامين.. ولاحظنا أن أحدا لا يتحدث عن ضريبة الأرباح الرأسمالية المتصاعدة وغيرها من الضرائب المباشرة التى يجب أن يتحملها الأغنياء!

لقد أعلن الرئيس فى حديثه للصحف القومية الثلاث أنه يقرأ لهيكل وموسى صبرى وأنيس منصور.. حسنا ربما كان يقصد أنه مزيج من عبدالناصر والسادات.. وهذا خطير وله دلالة سلبية.. وهو أن الحاكم يميل إلى الفردية وإلى إرجاع السبب فى كل الأزمات إلى المؤامرات الخارجية التى لا تنتهى وكوارث العهود السابقة.. حسنا.. ماذا عن المستقبل؟

هل سنظل نقارن الحاضر بالماضى ونلعنه! إذا كان للرئيس شروط فالشعب أيضا له مطالب وليس شروطا.. أولا: استبعاد الأبواق الإعلامية التى تهلل وتصفق له فى توقيت خطير وهو الارتفاع الرهيب للأسعار.. إذا كانوا يخشون على الرئيس فقد أساءوا إليه إذ طرحوه كطالب سلطة وأعيذه أن يكون كذلك كما أنهم يسوقون النظام كله على أساس أنه نظام فردى إذا غاب القائد سقطت الدولة.. نحن نريد استعادة الدولة مع الرئيس وليس استعادة السلطة..

ثانيا: مفاتيح الحل لمشاكل مصر ليس فى كتب هيكل وأنيس منصور وموسى صبرى ولكنها فى كتاب آخر نسيناه مع انتخاب البرلمان اسمه «الدستور».. علينا أن نقرأه جميعا شعبا وحكومة وبرلمانا ورئيسا بنية تطبيقه وليس بغرض اكتشاف ثغرات تتيح لنا تعديله..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل