المحتوى الرئيسى

نزهى غليوم يكتب: المسكوت عنه فى دمج شركات التأمين الحكومية «1 - 2»

09/04 11:25

أفردت جريدة «المال» فى عددها الصادر يوم الأحد الموافق 21 / 8 / 2016 صفحتين كاملتين لدراسة أعدها محمود عبدالله، الرئيس السابق لمجلس إدارة القابضة للتأمين، متضمنة عناوين صحفية مثيرة بطبيعتها، فعدت إلى أصل الدراسة فتبين لى أنها أعدت فى يونيو 2016.

ولطالما طالبت فى أكثر من موضع، وفى جريدة "المال" أيضا، بضرورة فتح ملف دمج شركات التأمين، وما سمى ببرنامج إصلاح قطاع التأمين عن طريق لجنة محايدة لكشف الحقيقة فذلك حق الأجيال القادمة، بل ولتصويب ما تم تخريبه - إن أمكن - تحت دعوى الإصلاح وإعادة الهيكلة وتقييم ما يسمى بالنجاح بكشف النتائج الكارثية التى نجمت عنه على قطاع التأمين وعلى المجتمع، وحتى لا يخرج علينا من يدعى، مستغلا صمت من يعلم وجهل من لا يعلم.

وقبل أن أفند ما جاء بالدراسة أود أن أتساءل لماذا الآن تعاد علينا هذه الأحداث رغم ثبوت أضرارها ووضوحها لكل قطاع التأمين؟ وهل هذا التوقيت له علاقة بما يجرى حاليا من تلميع لبعض الاقتصاديين الذين كانوا فى السلطة قبل 25 يناير؟ ولمن تقدم الآن؟ هل تقدم الآن لأصحاب القرار انتهازا للأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد، بادعاء نجاحات وإنجازات لهم، بقلب الحقائق أملا فى عودتهم للمشهد مرة أخرى، بعد أن فروا هاربين خوفا من الملاحقة القانونية، والآن يشعرون بالاطمئنان بأن سحابة المساءلة قد عبرت؟

على أية حال فليس لنا التنبؤ بما فى الضمائر، ولكن حسبنا أن نقوم بمسؤليتنا فى كشف الحقائق التى صمت الكثيرون عن إجلائها، بل وجاهد البعض على وأد أى محاولة لذلك، مما أفسح المجال للمغالطات أن تطل علينا وبصورة فجة وبلا خجل!.

بداية، أوضح كيف بدأ هذا البرنامج ثم كيف انتهى إلى صورة مختلفة تماما عن تلك التى بدأ بها، وسأترك للقارئ النجيب فهم ما بين السطور، لأن خفايا الأمر أكثر من ظواهره، وذلك من طبيعة هذه الأمور التى لا تجرؤ على السلوك فى النور.

بدأ البرنامج بإعلان من قبل وزير الاستثمار عام 2005 بمجلة الإيكونوميست لطلب مستشارين لتقييم وإعادة هيكلة شركات التأمين العامة المصرية، ثم أصدر قرارا بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الهيئة المصرية للرقابة على التأمين وعضوية ممثلين عن كل شركة من شركات التأمين الأربع، والتى كنت أحد أعضائها عن الشرق للتأمين، وكان صاحب الدراسة عضوا أيضا عن شركة مصر للتأمين - وكانت مهمة اللجنة دراسة العروض التى ستقدم من الجهات الاستشارية وبنوك الاستثمار عن عملية إعادة الهيكلة وطرح شركات التأمين لمشاركة القطاع الخاص- وذلك يعنى أن التوجه كان مركزا فى تقييم شركات التأمين تمهيدا لطرحها للبيع إما دفعة واحدة أو كل شركة على حدة، وكان الجدل حول: هل يتم الطرح لمستثمر رئيسى؟ أم للاكتتاب العام؟ - وقد ظهر هذا التوجه الآن مرة أخرى- وكانت معظم الآراء تتجه للطرح بالاكتتاب العام بخلاف توجه بعض المسئولين!! ولذلك أيضا كانت تجرى اجتماعات غير معلنة مع بعض ممثلى بنوك الاستثمار فى مصر، ولم يكن مطروحا مجرد التفكير فى دمج أى شركه فى أخرى.

وبعد عدة اجتماعات تمكنت اللجنة من إنهاء مهمتها باختيار كونسورتيوم لإجراء التقييم اللازم لشركات التأمين وتقديم المقترح المناسب بشأن طرحها للقطاع الخاص, وكانت مؤسسة ميليمان هى المسئول الرئيسى فى عملية تقييم الشركات، وفعلا تقدمت للشركات بطلب كمية كبيرة للغاية من البيانات التفصيلية لمدة عشر سنوات سابقه لعام 2005 فى جميع النواحى الفنية والمالية والإدارية والقانونية والاستثمارية..إلخ، وبعد دراسة هذه البيانات من قبل الإدارة العليا بالشرق للتأمين، وكعادة الشرق فى الوضوح والأمانة فى الأداء، أكدنا أن الشركة تستطيع أن تقدم بعض هذه البيانات كما هى مطلوبة، وبعضها الآخر بصورة جزئية - لفتره أقل مما هو مطلوب أو بصورة إجمالية وليس بالتفصيل المطلوب-، وذلك لعدم وجود نظم معلومات بالشرق للتأمين (وقد أشار صاحب الدراسة لذلك فى معرض سرده لسلبيات الشركات) تسمح بتوفير هذا الكم من البيانات بالتفصيل المطلوب ولسنوات سابقة ترجع لعام 1995.

وأجزم أنه لم يكن باستطاعة معظم شركات التأمين، إن لم يكن جميعها، تقديم هذه البيانات بالصورة المطلوبة وأجزم أيضا بعلم صاحب الدراسة وقائد فريق العمل بذلك آنذاك.

وقد تعمدت الدخول للتفاصيل فى ذلك الأمر بالذات لأنه أساس الأوهام التى بنيت عليه فيما بعد، والتى يتغافل عنها البعض بإصرار مفهوم! وأود أن تكون محل فحص من أى جهة تسعى للحقيقة!!.

أصدر وزير الاستثمار قراره رقم 348 لسنة 2005 بتشكيل لجنة للتنسيق ومتابعة برنامج إعادة الهيكلة لشركات التأمين العامة، وكان من مهام اللجنة، كما جاء فى قرار تشكيلها، التنسيق بين الكونسورتيوم والشركات، ومتابعة مدى التزام الكونسورتيوم باستخدام طرق وأسس موحدة فى التقييم للشركات الأربع.

لم تُمكن اللجنة من أداء مهمتها رغم عقدها عدة اجتماعات تم إعداد محاضر صورية عنها، ثم تم تجميدها للخلافات التى نشأت بين أعضائها، وتحديدا مع صاحب الدراسة، لمحاولته فرض ما يراه، بل ومحاولته السيطرة على أعضاء اللجنة، وذلك لم يذكره صاحب الدراسة عندما أورد هذه اللجنة ضمن ملاحق دراسته، للإيحاء بأن من وردت أسماؤهم بها من المشاركين بالدمج الذى لم تكن فكرته قد طرحت أصلا بل وبعض أعضائها عارضوا الدمج علانية فور الإعلان عنه.

التزمت إدارة الشرق للتأمين بتقديم البيانات الفنية حسب إمكانات نظم المعلومات والسجلات المتاحة قانونا، إذ لا يلزم القانون بالاحتفاظ ببعض السجلات والمستندات لأكثر من مدد محددة به، وهنا يسأل صاحب الدراسة وقائد فريق العمل، كيف استكمل البيانات ومصادرها فى ظل تأكده من النقص فى أنظمة المعلومات حسب شهادته؟ ومع ذلك أصر على تقديم كل البيانات لجهة التقييم كما طلبتها، والتى أفصحت عن فساد هذه البيانات، بل وتحفظت فى أكثر من موضع بتقاريرها بسببها، وأشارت إلى عدم صحة ومنطقية البيانات المقدمة لهم من جهات أخرى، الأمر الذى يتم تجاهله بإصرار وباستمرار، لأن ذلك يهدم الفحص تماما من أساسه، بل ونتائجه، بشهادة من قام به.

ورغم تعاقد جهات التقييم وإعادة الهيكلة مع الشركات التى تحملت أتعاب هذه الجهات، لكن تم حجب معظم تقاريرها عن الشركات خاصة بعدما أبدت جهات التقييم تحفظها على البيانات وبعض الإجراءات، وبذلك حُرمت مجالس إدارات الشركات من الوقوف على أعمال ونتائج خبراء التقييم وإعادة الهيكلة بل حُرمت حتى من إبداء رأيها فى مسألة الدمج حينما طُرحت لأول مرة فى اجتماع عقده صاحب الدراسة بمقر المصرية لإعادة التأمين، لجميع رؤساء وأعضاء الشركات المنتدبين وبعض العاملين بالقابضه للتأمين فى 23 أغسطس 2007 أى قبل عقد الجمعيات العمومية غير العادية التى نفذت قرارات الدمج الأول بين الشرق ومصر للتأمين والمصرية للإعادة بفترة محدودة جدا، فى مخالفة صريحة لإجراءات الدمج التى يحددها القانون.

وفيما يلى أهم ما ورد باختصار بهذا الاجتماع، وما ورد بالدراسة أيضا، فهو حديث مكرر رغم ثبوت مغالطاته:

قرار الدمج إنما هو للمالك، والإدارة لا تقرر لنفسها، أى أن إدارات الشركات ليس من شأنها أن تقرر أو حتى تبدى رأيها بخلاف ما ورد بالدراسة من أن كان هناك تواصلا مع مجالس إدارات الشركات إذ لم نلحظ ذلك فى الشرق للتأمين.

هناك عجز فى مخصصات تعويضات الإجبارى، رغم أننا بالشرق قدمنا دراسات تفصيلية توضح عدم وجود أى عجز، بل وبشهادة الأجهزة الرقابية، ولم تستطع أى جهة الرد أو نقض ما قدمناه، ورغم ذلك استمرت حملة التشويه المغرضة.

أشار إلى أن الدمج لعلاج خسارة الشركات لحصصها فى السوق ورغم عدم صحة ذلك على إطلاقه، فليس الدمج هو العلاج كما اتضح فيما بعد.

نقص الكفاءات بالشركات – وقد وردت أيضا بالدراسة – وتكفى الإشارة إلى أن جميع شركات التأمين الخاصة تأسست بخبرات كوادر الشركات العامة سواء قبل الدمج أو بعده بل إن هجرة الكفاءات من الشركات العامة زادت بعد الدمج الذى كان من أهم أسبابها.

شبكة البيع غير اقتصادية – جدير بالذكر أن هذا الأمر كان محل جدل بين إدارتى الشرق والقابضة التى أعدت دراسة أثبتنا خطأها – "شأن معظم دراساتها آنذاك" وقدمنا البدائل السليمة وخطتنا فى هذا الشأن وتم تجاهلها لأن النوايا كانت محددة مسبقا دون دراسة أو رؤية.

تطابق عمليات التشغيل فى الشرق ومصر للتأمين، وهى مقولة عجيبة، فعمليات التشغيل لدى جميع شركات التأمين متطابقة!!، وبدمج الشرق فى مصر للتأمين اختفت المنافسة فى السوق خاصة فى المشروعات الضخمة، فمن المعروف فى السوق أن الشرق كانت لها الريادة فى تأمينات الهندسى والبترول وكوادرها فى هذه التأمينات علمت ودربت السوق المصرى ومصر للتأمين كانت لها الريادة فى تأمين الطيران.

إن قيمة شركة الشرق للتأمين الفعلية أقل من قيمتها الدفترية، ورغم سذاجة العبارة إلا أننا أخذناها بجدية وطلبنا الدراسة التى تفيد ذلك لمناقشتها وبيان بطلانها وذلك من مسئوليات الإدارة ولكن لم يقدم لنا أى شىء، فالأمر هو التشويه للتغطية على أغراض أخرى ولن يتسع المجال هنا لبيان متانة المركز المالى للشرق واستثماراتها وكفاية مخصصاتها وفق المعايير الفنية السليمة بشهادة الأجهزة الرقابية على مدى أكثر من 75 عاما وكذلك بالمقارنة بشركات التأمين الأخرى، ولكن نكتفى ببعض المؤشرات لأولى الألباب:

بدأت الشرق برأسمال مدفوع قدره 75 ألف جنيه عام 1931 وأصبح 500 مليون جنيه عام 2007

قدمت لخزانة الدولة عشرات الملايين سنويا حتى 2007 عائدا عن الفوائض التى حققتها.

حققت اسما متميزا فى السوق المصرية والعربية بل والعالمية، واختفى هذ الاسم ذو القيمة العالية، مما يمثل إهدارا للمال العام، وكذلك أيضا اسم التأمين الأهلية.

بلغت حقوق المساهمين 706 ملايين جنيه فى 2007.

بلغت حقوق حملة الوثائق اكثر من ثلاثة مليارات جنيه.

بلغت استثماراتها حوالى 3.5 مليار جنيه بالقيمة الدفترية، (وحتى يمكن للقارئ تصور الفرق بين القيمة الدفترية التى تدرج بالميزانية والسوقية والتى تمثل القيمة الفعلية فقد كان لدى الشرق أسهم تصل قيمتها السوقية لـ8 أمثال قيمتها الدفترية، وأخرى أكثر من ذلك، أما الاستثمارات ذات القيمة الأقل فكانت محدودة للغاية أى إن القيمة السوقية لاستثمارات الشرق الإجمالية تساوى عدة أمثال الدفترية).

جدير بالذكر، أن الدمج ونقل مقومات الشرق واستثماراتها إلى مصر للتأمين تم بالقيمة الدفترية فى 30 / 6 / 2007 ثم اعتبارا من 1 / 7 / 2007 تم تغيير المعايير المحاسبية فى تقييم الاستثمارات لتكون بالقيمة السوقية حتى يظهر تحقيق نتائج ضخمة تضاف لإنجازات برنامج تخريب قطاع التأمين!!، تأمل... ولكن لا تلومن إلا الصامتين عن الحق.

بلغت قيمة الاستثمارات العقارية للشرق بالقيمة الدفترية حوالى 200 مليون جنيه، منها عقارات مبنية تبلغ قيمتها حوالى 33 مليون جنيه - وحتى يمكن تصور الفرق بين القيمة الدفترية والسوقية وهى كبيرة للغاية فإن القيمة الدفترية لمبنى المركز الرئيسى للشرق للتأمين الكائن فى 15 ش قصر النيل كان مدرجا بقيمة قدرها 67 ألف جنيه فى حين أنه تم تقييمه فى 2005 بمبلغ 150 مليون جنيه- ولك أن تتصور القيمة السوقية لعقارات مبنية مقدرة بقيمة دفترية 33 مليون جنيه على هذا القياس، هذا بخلاف قيم الأراضى والمشروعات تحت التنفيذ فى30 / 6 /2007.

وقد تم نقل هذه الاستثمارات إلى شركة مصر لإدارة الأصول العقارية بالقيمة الدفترية، وذلك إهدار لحقوق حملة الوثائق، وبخس لقيمة الشرق، لأن الشركة حصلت على هذه العقارات بالشراء فى وقت ما بسعر السوق واحتفظت بها لسنوات عديدة، فإذا ما رأت يوما ما أن تبيعها وحققت عائدا رأسماليا فهو من حقها، وحق حملة وثائقها لأن هذا الربح هو مقابل احتفاظها بهذه الأصول وصيانتها عبر السنين ولكن حملة التشويه المغرضة اعتبرت ذلك من قبيل سوء الأداء، وهكذا كان قلب الحقائق تبريرا لقرارات معدة مسبقا، بل ذكر ذلك صاحب الدراسة تحت مسمى ( فصل النشاط العقارى!!).

ثم ذكر فى دراسته بمعرض الحديث عن شركة التأمين الأهلية "تم دعم المركز المالى لشركة التأمين الأهلية من حصيلة بيع الأصول المنقولة لشركة مصر لإدارة الأصول العقارية لمواجهة العجز فى مخصصاتها الفنية سواء فى نشاط تأمينات الحياة أو فى نشاط التأمين الإجبارى على السيارات والذى وصل إلى أكثر من مليار جنيه بنهاية يونيو 2007" تأمل!!!

هذا وقد تلاحظ لى وللمتابع للتصريحات المتناقضة التى عانينا منها أن الحملة لتشويه الشرق بدأت عام 2005 وقبل أن يبدأ الكونسورتيوم أعمال التقييم سواء بالنسبة لكفاية مخصصات الشرق أو استثماراتها أو كفاءة كوادرها...إلخ، وكان ذلك مفهوما لأنها كانت مرشحة للبيع كأول شركة تأمين عامة، وبالطبع فى هذه الفترة لم تكن تباع الشركات الخاسرة بل الناجحة، ولكن بعد تشويهها وإظهارها بصورة الخاسرة للرأى العام، فيكون بيعها إنجازا يستحق التصفيق، ولكن لسبب قد يكون معلوما للبعض فى السوق المصرية، تم التراجع عن البيع شركة شركة، ورؤى الدمج تمهيدا لقرار لم يعلن حتى اختفاء قادة هذه التوجهات من المشهد لحين عودتهم مرة أخرى حسبما يأملون.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل