المحتوى الرئيسى

عمرو السمان يكتب: الاختفاء القسري بين ساحة مايو ومحيط مجلس الشعب

09/04 11:12

القاهرة مصر في أغسطس 2016 محيط مبنى مجلس الشعب المصري وقفت أمهات وزوجات رافعات لافتات يطالبن بالإفراج عن أبنائهن وأزواجهن المختفين قسريا، وتعامل معهن الأمن بالقوة والاعتقال.

ما أشبة اليوم بالبارحة، حرية أمة قد تصنعها هولاء السيدات المكافحات.

التاريخ يعيد نفسه، ولكن من يتعظ؟

عام 1976 حدث انقلاب عسكري بقيادة خورخي فيديلا أطاح برئيسة الجمهورية إيزابيل بيرون.

عاشت الأرجنتين في سنوات حكمه فترة اعتُبرت سوداء من قبِل المنظمات الإقتصادية، حيث قام بفرض الضرائب وخصخصة التعليم ووصل الدين الداخلي لـ 20 ضعفا، ومن قبِل منظمات حقوق الإنسان أيضا، حيث قام خورخيه بسجن وقتل وتشريد المعارضين بلا رحمة ولا هوادة.

النقطة الفارقة في إنقلاب فيديلا هو ظهور الاختفاء القسري، فوقتها اختفى قسريا أكثر من ثلاثين ألف معارض.

عندما سُئل فيديلا عن ظاهرة الاختفاء المرعبة، قال جملته المشهورة التي تنم عن عنجهية الفاشية العسكرية: (لا أدري أي شئ عن تلك الظاهرة.. المختفي هو شخص لا حي ولا ميت، هو مجرد شخص مختفي)

كانت تلك الأعداد من ضمنها العديد من السيدات الحوامل في مختلف فترات الحمل، سمح فيديلا وقتها بعدم إتخاذ أي عقوبة ضد المرأة الحامل المعتقلة إلا بعد وضع الطفل!

ولكن بعد ذلك، حدث ما لم يتخيله أسوأ المعارضين لفيديلا، فقد قام وقتها بإهداء مواليد المعتقلات بعد تنفيذ حكم الإعدام بأمهاتهم إلى عائلات المؤيدين الثرية وعائلات جنرالات الإنقلاب!

هنا فقط تحركت 14 سيدة أعمارهن تزيد عن الأربعين والخمسين، قمن في الحادية عشرة من صباح الثلاثين من أبريل 1977 بالتوجه إلى ساحة مايو بالعاصمة بيونس آيرس متسلحات بمناديل بيضاء معصوبة على الرأس، تغطي الشعر، مكتوب عليها أسماء المختفين قسريا.

14 سيدة فقط ضد خورخيه فيديلا وجنرالاته! في بادئ الأمر ظهر احتجاجهن مثيرا لسخرية المؤيدين لكبر سنهن وقلة عددهن، وظهر أيضا نقد كبير تجاههن بسبب خروجهن على العادات والتقاليد فيما يخص خروج المرأة بالأرجنتين -وقتها- بذلك الشكل، إلا أنهن أخذن في تكرار الاحتجاج يوم الخميس من كل أسبوع في ساحة مايو الساعة 11 صباحًا.

ظهر التعاطف مع الـ 14 سيدة المسنة، بل إنه زاد، وسُمي الاحتجاج بإسم احتجاج (أمهات ساحة مايو)، وبدأت الأعداد في التوافد بزيادة كل خميس من كل أسبوع.

استغلت السيدات والأعداد المساندة، التواجد الإعلامي الكثيف المصاحب لكأس العالم بالأرجنتين عام 1978، مما ساهم في نشر القضية، وانسحب وقتها النجم الهولندي يوهان كرويف من السفر إلى الأرجنتين للمشاركة بكأس العالم تضامنا مع احتجاجات أمهات ساحة مايو.

سعى فيديلا بعد كأس العالم للتصدي بالقوة لاحتجاج أمهات ساحة مايو، خصوصًا بعد إعلانها حركة رسمية في مواجهة الانقلاب.

اصطنع المجلس العسكري حربًا وطنية خارجية لإخماد أي معارضة داخلية جديدة ضد بريطانيا على منطقة جغرافية متنازع عليها، وكان ينتظر من الولايات المتحدة مساندته في تلك الحرب، لكنها خلت به وساندت البريطانيين.

مُني العسكر بهزيمة ساحقة وفقدوا مصداقيتهم للأبد، وأخيرًا اضطُر المجلس العسكري لإرغام فيديلا على الاستقالة، وترك الشعب ينتخب أول رئيس مدني له، وهو راؤول ألفونسين الذي صعد للسلطة عام 1983.

أربع عشرة سيدة مسنة، استطعن إنهاء انقلاب عسكري فاشي مسلح، جلب الخراب الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل