المحتوى الرئيسى

لماذا يفضل الناس العمل لدى الدولة في البلدان العربية؟

09/04 09:21

في السعودية تتعثر شركات وتفلس أخرى بسبب التقشف الحكومي، والنتيجة فقدان الآلاف من العمال لوظائفهم. بعد أشهر على فقدانهم وظائفهم وصل الأمر بالآلاف منهم إلى حد عدم قدرتهم على تأمين المال اللازم لشراء الطعام. تفاقم المشكلة يصل الأمر إلى حد تدخل الملك سلمان شخصيا لمعالجة "أوضاع العمالة المتضررة من تجاوزات بعض الشركات بما في ذلك شركة سعودي أوجيه العملاقة للمقاولات".

حادثة غياب المال اللازم لشراء الطعام التي وقعت حتى في بلد غني كالسعودية، تتكرر في دول عربية أخرى كمصر ولبنان والعراق والمغرب وغيرها مع العاملين في الكثير من شركات القطاع الخاص. ويعود السبب في ذلك إلى غياب مظلة الضمانات والتأمينات الاجتماعية المتنوعة ما يترك الذي يفقدون وظائفهم عرضة للفقر.

غياب الأمان في علاقة العمل يسبب الخوف من المستقبل

نجحت الكثير من الدول النامية منها والصاعدة إلى حد كبير في تعميم أنظمة الضمان الاجتماعي على شركات القطاع الخاص. ففي بلدان مثل ألمانيا يشمل هذا الضمان إضافة إلى التأمين التقاعدي والصحي التأمين ضد البطالة لفترات زمنية محددة وتوفير الحد المقبول من متطلبات العيش بشكل مفتوح. في بعض الدول العربية، لاسيما التي تتمتع بنقابات قوية مثل تونس أو بنظم إدارة حكومية ذات كفاءة عالية كما هو الحال في سلطنة عُمان تم قطع شوط طويل في إلزام القطاع الخاص بالضمان الاجتماعي ولكن في الحدود الدنيا، غير أن ذلك لا يشمل التأمين ضد البطالة، ولا يصل إلى كل القطاعات بنفس الدرجة. ففي قطاع البناء ومجالات العمل الموسمي لا يشمل التأمين بشتى أنواعه الغالبية الساحقة من العاملين. وعليه فإن فقدان العمل يعني بالنسبة لهؤلاء المعاناة من الفقر إلا في حال وجود جمعيات خيرية وأقرباء يستطيعون تقديم إعانات ومساعدات عينية ولو لفترات محدودة.

الرشوة وتكديس الثروة ثقافة شائعة ليس فقط في الدول العربية!

تستطيع مؤسسات القطاع الخاص التملص من مسؤوليتاها إزاء الضمانات الضرورية بأشكال مختلفة. فحتى في بلد يعتبر من البلدان العريقة بالتشريعات مثل مصر هناك ثغرات واضحة سواء في نصوص القوانين أو في تطبيقها. فمن ناحية التطبيق مثلا "لا يلتزم الكثير من أرباب العمل عموما بدفع التأمينات المطلوبة، وإذا التزموا فيكون الالتزام بشكل جزئي لا يكفي لتوفير شبكة الأمان الاجتماعي للعامل"، على حد تعبير خالد علي، مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ويضيف خالد: "هناك أيضا رشاوى يدفعها أرباب عمل لموظفي الرقابة الحكومية على التأمينات الاجتماعية كي يغضوا النظر عن المخالفات القانونية في دفع هذه التأمينات لمؤسسات الضمان المعنية". وفيما يتعلق بالنص فإن العقوبات المنصوص عليها غير رادعة، لاسيما وأنها تقتصر على دفع غرامات مالية محدودة ليس في حالة المخالفة وحسب، بل أيضا في حالات التسريح من العمل. "هناك أيضا ثغرات تتيح لرب العمل الامتناع عن إعادة تشغيل العامل المُسرّح من عمله بشكل تعسفي حتى لو حكمت المحكمة ببطلان التسريح، أما التعويض المالي الذي يصل للعامل المسرح فيقتصر على دفع مرتب شهرين عن كل سنة خدمة"، يقول خالد.

أهمية الأمان في علاقة العمل

يدفع ضعف شبكة الأمان الاجتماعي في مؤسسات القطاع الخاص قوة العمل في الدول العربية بشكل عام للبحث عن وظيفة أو فرصة عمل في قطاع الدولة أو القطاع العام حتى لو كانت الأجور فيه أقل من نصف مثيلتها في المؤسسات الخاصة. ولا يعود السبب في ذلك وبشكل أساسي إلى أن مؤسسات الدولة تقدم تأمينات صحية وتقاعدية أفضل، بل إلى "الأمان في علاقة العمل" كما يقول خالد علي، لاسيما وأن تسريح العاملين في القطاع المذكور وفقدانهم لعملهم نادرا ما يحدث. وإذا حدث يمكن للعامل الادعاء لدى مجلس الدولة متمثلا بالمحكمة الإدارية العليا وإذا حكمت الأخيرة لصالحه -وهذا ما يحدث في الغالب- فإن حكمها غير خاضع للاستئناف.

غياب الضمانات الاجتماعية يوسع دائرة الفقر حتى في دولة غنية كالسعودية

يقول خبير ألماني عمل لسنوات في عدة بلدان عربية -لكنه لا يرغب بالكشف عن هويته- أنه لمس "غيابا مخيفا للوعي بأهمية شبكات الضمان الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية لدى غالبية شركات القطاع الخاص في العالم العربي مقارنة بنظيره الألماني". وضرب الخبير مثالا حول ذلك من خلال مشاركته في مشروع لنقل التجربة الألمانية في مجال التدريب المهني إلى مصر والسعودية ولبنان وقطر والأردن.

"كنا دائما نصل إلى نتيجة إلى أن التأمينات التي تدفعها هذه الشركات لا تحمي العاملين وعائلاتهم من الفقر في حال فقدوا عملهم"، وفيما يتعلق بالمستقبل "كانت مشكلتنا الأساسية في إيجاد شركات خاصة على استعداد لاستقبال متدرب لديها، لأنها ترى في ذلك عبئاً عليها من حيث التكاليف، بدلا من أن ترى فيه فرصة لضخ أفكار وخبرات شابة ومجددة في دماء الشركة وأسلوب عملها".

وعن تبعات ذلك يرى الخبير الألماني أن "استمرار غياب التأمينات والضمانات المطلوبة غياب حوافز الإبداع والتقدم العملي والتكنولوجي، إضافة إلى الفشل في تقليص دائرة الفقر وضعف مستوى التأهيل والتدريب للقدرات الشابة وتهديد السلم الاجتماعي". وبالفعل فإن تجارب دول مثل ألمانيا تفيد بأن استمرارية وعالمية أنجح الشركات مرتبط بنطاق وحجم الضمانات الاجتماعية التي تقدمها للعاملين لديها. فكلما كانت هذه الضمانات أوسع كان أداء العاملين أفضل وكانت سمعة الشركة المعنية في أوساط الرأي العام أجود، وهو الأمر الذي يزيد الإقبال على منتجاتها وخدماتها من قبل المستهلكين". ومن الطبيعي أن شركات كهذه تشكل الأساس التي تقوم عليه نهضة اقتصادية واجتماعية مستدامة تؤسس للازدهار والرفاهية التي تطال ما لا يقل عن ثلثي أفراد المجتمع.

عارضت العربية السعودية قبل فترة وجيزة تقليص كميات إنتاج البترول لمواجهة المنافسة الأمريكية والخصم إيران. لكن ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم يواجه هو الآخر وضعا صعبا. وصندوق النقد الدولي حذر من عجز كبير في الميزانية. والآن تريد السلطات السعودية إدراج ضرائب وإلغاء دعم بعض المواد الاستهلاكية والكهرباء.

من كان يتوقع ذلك؟ النرويج الغنية تشكو هي الأخرى من تدني سعر البترول. فالبترول من بحر الشمال جعل من بلد زراعي فقير إحدى أغنى دول العالم. لكن النرويج بدأت تغير سياستها في التركيز على النفط والغاز، وباتت تهتم أكثر باستغلال خيرات البحر من السمك.

روسيا لا تئن فقط تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الغربية بل حتى بسبب نزول سعر النفط. في 2015 انخفضت القوة الاقتصادية في إمبراطورية فلاديمير بوتين بنحو 4 في المائة. والتداعيات هي انخفاض مستوى الأجور، والروبل فقد نصف قيمته أمام الدولار، والتوقعات ليست جيدة بالنسبة إلى 2016.

نيجيريا هي أكبر منتج إفريقي للنفط. وكان الرئيس الجديد قد أعلن عن نيته رفع مستوى النفقات الحكومية، وهو وعد قد لا يتحقق بسبب تدني الأسعار. والعديد من مشاريع البنية التحتية تظل جامدة. ويدر قطاع النفط ثلاثة أرباع عائدات البلاد.

ليس فقط نيجيريا، بل العديد من الدول الأخرى تبني حساباتها على أسعار مرتفعة للنفط والنتيجة هي عجز في الميزانية. فمنذ منتصف 2014 تراجع سعر النفط بنحو 75 في المائة. ولا يتوقع خبراء عودة الأسعار إلى المستويات السابقة التي تعدت 120 دولارا للبرميل.

تعتزم إيران عرض نصف مليون برميل إضافية يوميا على سوق النفط بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها. وبذلك توجه إيران لنفسها ضربة موجعة، لأن الكمية المتزايدة تضغط على السعر نحو الأسفل. لكن إيران ترى سببا آخر لتراجع أسعار النفط، وهي سياسة خصمها العربية السعودية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل