المحتوى الرئيسى

تلاميذ عزبة بالمنيا يبنون مدرستهم بعد رحلة رفض حكومية استمرت ٧ سنوات | المصري اليوم

09/03 22:18

على بعد 80 كيلو مترًا من مدينة المنيا، تقع عزبة «الريدى»، 4 آلاف مواطن يعيشون على حد الكفاف، يطلبون لأبنائهم التعليم ولو فى قرية تبعد عنهم 3 آلاف متر، لكن الحوادث التى تعرض لها الأبناء كانت سببًا فى الغضب الذى أشعل حماسهم لتشييد مدرسة، قد تكون مخالفة من وجهة نظر مسؤولى محافظة المنيا ومديرية التعليم وهيئة الأبنية التعليمية، خاصة بعد رحلة عناء استمرت ٧ سنوات كاملة على مسؤوليتها لكن هذه المدرسة، ستحمى أرواح أطفال لا ذنب لهم سوى أن لديهم أحلامًا قد تتجاوز سقف إمكانيات أهاليهم الفقراء، وربما لن يعطلها جبروت روتين مسؤولى المكاتب المكيفة. هنا عزبة الريدى، 6 عشش وأساس من الحجارة وشبه فصول دراسية، أطفال يحملون الطوب الأبيض ولا يشعرون بثقله على ظهورهم الخضراء يمسحون العرق بأكمام ملابسهم وحلمهم الوحيد أن يكتبوا على السبورة كلمة زرع وحصد. فى عزبة الريدى حكايات دامية لتلاميذ صغار، يصل عددهم لنحو 400 تلميذ ابتدائى، تعرضوا لكوارث على طريق الوصول للمدرسة فى القرية المجاورة، أفزعت الأهالى، فوفروا مبالغ بسيطة وأقاموا 6 عشش من المفروض أن تلعب دور الفصول الدراسية فى حياة هؤلاء الأطفال، واستعاضوا عن ماكينات البناء بسواعد التلاميذ الذين حملوا الأحجار فوق رؤوسهم لوضع أساس حلمهم. شهادات الأطفال عن الحلم يسجلها هذا التقرير عن حكايات الراغبين فى التعلم فى قرية الريدى بالمنيا.

ياسمين صابر ربيع، 12 سنة، تحلم بمستقبل بلا فقراء، ومدرستها هى بداية المشوار، وترغب فى اختصار الزمن، ومسافة تتجاوز 3 كيلومترات تمشيها يوميًا، هى وزميلاتها حتى أقرب مدرسة لهن، وتتساءل وفوق رأسها الحجر، متربة الوجه: «أجدادنا بنوا الأهرامات، فلماذا لا نبنى مدرستنا»، حتى نلحق بالعام الدراسى الجديد، وأضافت: «موش انت صحفى قول للوزير اننا عايزين نتعلم بس».

خلود محمود سنوسى، 8 سنوات، تمسك بـ«كوريك» لتعبئة الرمل، رغم صغر سنها، لزميلاتها الصغيرات، وإذا سألتها عن السبب فيما تفعله، والعناء الذى تواجهه، تذكرك بزميلة لها تدعى «رابعة إسماعيل»، ابنة القرية التى سقطت أسفل عجلات سيارة، وهى فى طريقها للمدرسة قبل نحو 8 سنوات، ، ورغم أن القدر منحها فرصة أخرى للحياة، إلا أن الحادث ترك على وجهها بصمته التى لاتزال تعانى منها حتى الآن.

رسالتان حملتهما الطفلتان، حنين صدام إسماعيل، 7 سنوات، وهند هانى حسن، 9 سنوات، فى الأولى قالت حنين: «أنا الطالبة الصغيرة بابنى مدرستى يا وزير التعليم»، وفى الثانية قالت هند:«عايزين نتعلم مش عايزين نموت»، وأكدت الطفلتان أنهم يشاركن فى نقل الطوب والرمل لاستكمال البناء لحماية زملائهم من أى حوادث.

تسمع من تبارك أحمد، 13 سنة، وصابرين مهدى، 7 سنوات، أسماء أطفال مثلهما كادوا يفقدون حياتهم فى قائمة شرف طلب العلم، فهناك يوسف جمعة، الذى أصيب بكسور فى القفص الصدرى فى حادث مأساوى بسبب وعورة طريق المدرسة، وهند حسن، التى أصيبت العام الماضى بكسر فى إحدى قدميها، وقررت المشاركة فى بناء الحلم فور نزع قدمها من الجبس.

«أم وأب وجد» يحلمون بمدرسة طال انتظارها من الحكومة ولم تأت، يريدون راحة البال لصغارهم دون جدوى، وأمام أعينهم صغار يمرون بمخاطر مهلكة يوميًا، فاقدين الأمل فى أن يستمع المسؤولون لهم، خاصة بعد رحلة عناء معهم استمرت ٧ سنوات كاملة، لذا قرروا إنقاذ أطفالهم وذويهم من الخطر الذى يهددهم كل يوم.

أولياء الأمور: «بنلف على المكاتب من 7 سنين.. وولادنا بيشوفوا الموت كل يوم علشان يتعلموا»

سر إصرار أهالى «الريدى» على إنشاء المدرسة بأيديهم، كشفه الأهالى المشاركون فى عملية البناء، فالحوادث المتتالية لأبنائهم أجبرتهم على ذلك، ويضطر الصغار كى يصلوا إلى مدرسة القرية المجاورة لقطع طريقين رئيسيين، الأول يربط مركز بنى مزار بقرية «طمبو»، والثانى يربط قريتى «طمبو» و«صفط أبوجرج»، وفى الطريقين لا صوت يعلو فوق صوت الخطر.

لا تتوقف المخاطر عند ذلك، لكن ما يزيد الطين بلة ظهور عصابات خطف الأطفال، وتعرض تلاميذ من أبناء القرية له، وسرق مجهولين حقائبهم، والأقراط الذهبية الخاصة بالتلميذات، بالإضافة إلى حوادث الطريق، التى لم يحدها إقامة الأهالى مطبا صناعيا فى الطريق المار أمام العزبة لتهدئة حركة السيارات المسرعة، تجنبا لقتل أو شلّ الأحلام.

«حلم المدرسة جاء بعد رحلة عناء 7 سنوات كاملة»، تلك كانت إجابة الأهالى عن سبب تجاوزهم المسارات الحكومية، والذين قالوا: «طرقنا أبواب مسؤولى المحافظة ولم نجن شيئا»، فما بين طرقات ومكاتب الوحدة المحلية وديوان المحافظة والمجلس المحلى وهيئة الأملاك والأبنية التعليمية، رحلة شاقة، انتهت باحتفاظ الأهالى بتلك الأوراق، وتمسكهم بحلمهم لمستقبل أفضل لأبنائهم وقرارهم ببناء مدرستهم قبل حلول العام الدراسى الجديد.

يقول ممدوح أحمد عبدالرسول، من أهالى العزبة: بدأت رحلتنا فى المطالبة بمدرسة عام 2009، أى منذ 7 سنوات، طرقنا وقتها باب المجلس الشعبى المحلى لقرية أبوجرج الذى تتبعه عزبتنا، ووافق المجلس على تخصيص 14 قيراطاً من أملاك الدولة على شريط سكة حديد تم إلغاؤه منذ الخمسينيات، وصدر القرار فى نوفمبر 2009.

يتابع «عبدالرسول»: فى مارس 2010، وافقت الوحدة المحلية بأبوجرج ببنى مزار على إقامة المدرسة وتوصيل المرافق لها من مياه وكهرباء، وخاطبت الأبنية التعليمية بالموافقة، وفى مايو 2010 حضرت لجنة من الأبنية التعليمية، وطالبت فى محضر معاينتها للأرض بموافقة الجهات المختصة والخريطة المساحية، وتوقف الموضوع لـ4 سنوات بسبب أحداث الثورات التى مرت بها البلاد، وفى مارس 2014 طلب قسم الأملاك عددا من المستندات منها صورة من محضر معاينة الزراعة وأقرت بالموافقة على المدرسة موافقة ورقية.

وبعد عام كامل خاطب محافظ المنيا، آنذاك، هيئة الأبنية التعليمية عن سبب المشكلة التى تمنع بناء مدرسة الريدى، وبعدها بأيام ردت هيئة الأبنية على المحافظ بمعاينتها للأرض وأنها صالحة هندسياً لبناء المدرسة، وكشفت الهيئة فى مكاتباتها للمحافظ أنها طلبت من الوحدة المحلية وإدارة أملاك الدولة عدة مستندات هى موافقة الزراعة وقرار التخصيص، والخريطة المساحية الموضح عليها موافقة جميع الجهات المعينة، وأكدت الأبنية أنه فور ورود المستندات المطلوبة سيتم إدراج إنشاء المدرسة بخطة الهيئة.

وأضاف عمرو كامل موسى، من الأهالى: «كل مرة نروح مدينة المنيا نرجع بخيبة أمل بسبب غياب المدير، وإذا حضر المدير يخبرنا أن مفيش ميزانية واستمرت الحال أكثر من سنة، والحوادث تتوالى وتخطف معها أحلام أطفالنا»، مضيفًا: «قررنا كأهالى ألا نترك أبناءنا يتعرضون للأخطار سنة دراسية أخرى، وليس أمامنا إلا حل مشكلتنا بأنفسنا».

وطالب علاء سلطان خليفة، من الأهالى، المسؤولين بالاعتراف بالمدرسة بعد بنائها وتحويل أبنائهم لها وإمدادها بالهيكل الإدارى اللازم من معلمين وإداريين، وألا يكون مصير جهودهم وأبنائهم هو مواجهة المزيد من المعوقات، مؤكداً أن المدرسة تخدم 3 عزب أخرى هى عزبة خيرى وعزبة العرب وعزبة 600، بالإضافة إلى عزبتهم.

يضيف هيثم محمد خليفة «المبالغ التى جمعناها لبناء المدرسة تبرع كل فرد فى العزبة بجزء منها، حتى الأرامل والفقراء»،

متابعًا: «الأطفال هم أصحاب المبادرة للمساعدة فى أعمال البناء، لأنهم يرون الأخطار يوميًا ويحلمون بمكان آمن يتلقون فيه العلم».

وشدد عدد من أهالى القرية على حلمهم بالقول: «سنموت فداءً لحلمنا وأمان أطفالنا، ولن نترك الأرض إلا على جثثنا».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل