المحتوى الرئيسى

العنصرية المقيتة

09/03 14:48

منذ أيامٍ قلائل طُرح عليَّ سؤال محرجٌ حول العنصرية المقيتة، نعم إنها مقيتة لا سيما عندما تصدر من إخواننا العرب وبالأخص المسلمين، لأنها تتنافى مع ديننا الحنيف، فكانت إجابتي للسائل -والألم يعتصر قلبي- ما يلي:

قلت له: يا صديقي العزيز، طِبْ خاطراً واعلم أنَّ كل هذا نابعٌ من جهلٍ مطبقٍ بتعاليم رسول الإنسانية سيدنا محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه، وأودُّ أن أُحيلك إلى صحيح البخاري والمسلم، فاقرأ لهما إنْ شئت ما ورد في صحيحيهما عن أبي هريرة قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ نزلت عليه سورة "الجمعة" فلما قرأ: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال رجل: مَن هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله مرة أو مرتين أو ثلاثاً. قال: وفينا سلمان الفارسي. قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: "لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء". وفي رواية: "لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس -أو قال- من أبناء فارس حتى يتناوله" اللفظ لمسلم.

وقال عكرمة: هم التابعون. وقال مجاهد: هم الناس كلهم، يعني من بعد العرب الذين بُعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن زيد ومقاتل بن حيان، قالا: هم من دخل في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة. وروى سهل بن سعد الساعدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في أصلاب أمتي رجالاً ونساء يدخلون الجنة بغير حساب" ثم تلا: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم). والقول الأول أثبت. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيتني أسقي غنماً سوداً ثم أتبعتها غنماً عفراً، أولها يا أبا بكر". فقال: يا رسول الله، أما السود فالعرب، وأما العفر فالعجم تتبعك بعد العرب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كذا أولها الملك"، يعني جبريل عليه السلام. رواه ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ونستحضر هنا عتاب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر بقوله: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، وجاء في "كاشف الألباس" أنه روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يُحشرون يوم القيامة ثم يوقفون، ثم يقول الله تبارك وتعالى لهم طالما كنتم تتكلمون وأنا ساكت فاسكتوا اليوم حتى أتكلم، إني رفعت نسباً وأبيتم إلا أنسابكم قلت: إن أكرمكم عند الله أتقاكم وأبيتم أنتم فقلتم: لا بل فلان بن فلان، فرفعتم أنسابكم ووضعتم نسبي، فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم، فسيعلم أهل الجمع من أصحاب الكرم أين المتقون؟".

ولن أذهب بعيداً أو أتوغل عميقاً في هذه المسألة الحساسة التي عم بها البلوى وأتتْ على الأخضرِ واليابسِ، إذ إنَّ جذورها عميقةٌ ولا يمكن استئصالها جملةً واحدة بأي حال من الأحوال وليس لنا مفرٌ إلا الإقرار بأنها امتحان من الله ثمَّ نواسي أنفسنا بقوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)، مع أننا سنبقى متشبثين بتعاليم ديننا الحنيف في محبة العرب وموالاتهم ومناصرتهم وتأييدهم على الحق ونصرتهم ظالمين كانوا أو مظلومين، تأسياً بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جاء مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم: "أَحِبُّوا الْعَرَبَ لِثَلاثٍ: لأَنِّي عَرَبِيٌّ، وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ، وَكَلامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ".

كما أريد هنا أيضاً أن أُلفت أنظاركم أيها الإخوة الكرام! إلى أن العربية ليست فقط لذوي البِشرةِ البيضاء الفاتحة، كما أن الإسلام أيضاً ليس مخصوصاً لجنس دون الآخر، فلا قومية في الإسلام ولا اللونية ولا الدونية... ولا... ولا... ولا... ويمكنكم استشفاف حقيقة قولي هذا واستنباطه من تلك الحادثة الأليمة التي وقعت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وكان لها وقع شديدٌ في نفسه صلى الله عليه وسلم فشجب الفعل وأظهر استنكاراً شديداً تجاه الفعل والفاعل.

والحادثة، هي: أنَّ قَيْسُ بْنُ مُطَاطِيَّةَ جاء إِلَى حَلْقَةٍ فِيهَا، سُلَيْمَانُ وَصُهَيْبٌ الرُّومِيُّ وَبِلالٌ الْحَبَشِيُّ، فَقَالَ: هَذَا الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَدْ قَامُوا بِنُصْرَةِ هَذَا الرَّجُلِ، (يقصد النبي صلى الله عليه وسلم) فَمَا بَالُ هَذَا؟ (وقصده بلال) فَقَامَ إِلَيْهِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَقَالَتِهِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِماً يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ نُودِيَ أَنَّ الصَّلاةَ جَامِعَةٌ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الرَّبَّ رَبٌّ وَاحِدٌ وَالأَبَ أَبٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَتِ الْعَرَبِيَّةُ بِأَحَدِكُمْ مِنْ أَبٍ وَلا أُمٍّ وَإِنَّمَا هِيَ لِسَانٌ، فَمَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ عَرَبِيٌّ". فَقَامَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَهُوَ آخِذٌ بِتَلْبِيبِهِ، قَالَ: "فَمَا تَأْمُرُنَا بِهَذَا الْمُنَافِقِ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: دَعْهُ إِلَى النَّارِ"، فَكَانَ قَيْسٌ مِمَّنِ ارْتَدَّ فَقُتِلَ فِي الرِّدَّةِ.

ومعلوم لدى الجميع أن الإسلام بالعرب يبقى ولكن بغير العرب يقوى ثم يقوى معه العرب وبهذا يا أخي تعلم أن العنصرية أمرٌ منافٍ تماماً لما جاء به دين الإسلام، وأن من يرتكب هذه الأخطاء ما هو جاهل بأصول الدين، وأن التاريخ الإسلامي القديم منه والحديث قد علمنا أن جُل من خدموا هذا الدين كانو عجماً لا صلة لهم بالعرب لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، بل كانو مسلمين فحسب "وحسبك هذا وكفى" والسلام عليكم ورحمة تعالى وبركاته.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل