المحتوى الرئيسى

أهـل السُّـنّة وأهـل الفـرض | المصري اليوم

09/03 00:27

فى الوقت الذى تشتعل فيه المنطقة بالإشكالية العقيمة المتعلقة بالمذاهب الإسلامية، من سُنة وشيعة وعلويين ودروز وبهائيين وغيرهم، دون أدنى أمل فى تحكيم العقل، واحتواء الموقف، حتى إن الخلافات أصبحت مسلحة، مخضبة بالدماء، تطفو على السطح أزمة جديدة داخل المذهب الواحد هذه المرة، وهى المتعلقة بالمذهب السنى، أو ما يسمى أهل السُّنّة، طرفاها، للأسف، المملكة السعودية والأزهر الشريف.

الأزمة بالتأكيد كانت كامنة تحت الرماد، إلا أنها عادت إلى الظهور بقوة من خلال وسائل الإعلام السعودية، التى شنت هذه الأيام هجمة شرسة على الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، فى أعقاب زيارته لجمهورية الشيشان، ومشاركته فى مؤتمر هناك تحت عنوان (من هم أهل السنة والجماعة؟) وإلقاء كلمة اعتبرها أصحاب المذهب الوهابى إقصاءً لهم من جماعة أهل السُّنّة- على حد تعبيرهم- حينما قال فى حضور ٢٠٠ عالم من مختلف أنحاء العالم الإسلامى: إن مفهوم أهل السُّنة والجماعة يُطلق على الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث.

الأزهر، وفى محاولة منه لامتصاص حالة الغضب وتوضيحاً للموقف، أصدر من خلال المركز الإعلامى لديه بياناً جاء فيه، أن الشيخ أحمد الطيب نقل عن العلّامة السفارينى قوله: وأهل السنة ثلاث فرق: الأثرية، وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية، وإمامهم أبوالحسن الأشعرى، والماتريدية، وإمامهم أبومنصور الماتريدى، وعن العلّامة مرتضى الزبيدى قوله: والمراد بأهل السنة هم أهل الفرق الأربعة، المحدثة والصوفية والأشاعرة والماتريدية، معبراً بذلك عن مذهب الأزهر الواضح فى هذه القضية.

الكُتّاب والعلماء السعوديون استخدموا فى هجومهم على مؤتمر الشيشان وعلى شيخ الأزهر، تعبيرات غريبة وصادمة مثل: المؤتمر أقصى المملكة من مسمى أهل السنة، لتذهب مصر السيسى إلى الخراب، كنا مع السيسى لأن الإخوان والسلفيين أعداء لنا وله، فليواجه مصيره منفرداً، المؤتمر كان يستهدف المملكة، الاستخبارات الإيرانية والروسية تقف خلف المؤتمر، روسيا توظف الطرق الصوفية فى حربها الصليبية على سوريا، الوطن قضية حياة أو موت وإلا فسنتحول إلى متشددين، نستغرب صمت مؤيدى السيسى من السعوديين عن خيانة مؤتمر الشيشان، شيخ الأزهر يتحالف مع بوتين لطرد السعودية من العالم الإسلامى، شيخ الأزهر شبع من علم وموائد السعوديين!.

بالتأكيد نحن أمام سَفه فى التناول والطرح، لاشك فى ذلك، ما هكذا يكون الحوار، لاشك فى ذلك، ما هكذا يكون الخطاب مع الأزهر، لاشك فى ذلك، إلا أنها العجرفة التى تسببت فى مقتل الملايين من أبناء شعوب المنطقة طائفياً، فى العراق وسوريا واليمن ولبنان، هو التشدد والتطرف الذى شرّد الملايين من أبناء العالم الإسلامى، وكأن ذلك ليس كافياً، مادامت أموال النفط تُستخدم أسوأ استخدام فى دعم الأنظمة القمعية من جهة، وتشغيل مصانع السلاح لدى الغرب الصديق من جهة أخرى.

أعتقد أن بيان الأزهر كان كافياً لوأد هذه الفتنة، كما أزعم أن الأزهر ليس فى حاجة إلى شهادة بوسطيته وعلمه وأعلامه، كما أستطيع التأكيد أن الأزهر سيظل بوابة المعرفة ونشر الدين الصحيح فى الخارج، رغم إغداق هذه الأموال التى لا حصر لها لشراء الذمم هنا وهناك، من لا يدرك ذلك يمكنه الرجوع إلى مراسم زيارة شيخ الأزهر إلى هذه الجمهورية السوفيتية سابقاً، حتى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لا يتم استقباله هناك بمظاهر الحفاوة الشعبية والرسمية التى استُقبل بها شيخ الأزهر، الذى غادر وعاد بطائرة الرئاسة الشيشانية.

بالتأكيد آن الأوان لتحكيم لغة العقل والمنطق فى التعامل مع الآخرين، المنطقة لم تعد أبداً تحتمل مزيداً من البغضاء والعنف والتطرف والتشدد والقتل، فى السابق كنا نعيب على العقيد الليبى الراحل معمر القذافى ذلك الطرح المتعلق بتدويل المشاعر المقدسة، كان طرحاً غريباً فى حينه، الآن أصبح طرحاً شعبياً عربياً من المحيط إلى الخليج، أصبح طرحاً إسلامياً من أقصى الأرض إلى أقصاها، أصبح طرح العقلاء من كل أنحاء العالم، بسبب ذلك السلوك الفج فى الحوار، وتلك السياسات المدمرة لكل مصادر البناء والنماء فى المنطقة.

إذا كنا مأمورين باحترام أهل الديانات الأخرى، فبالأَولى أن نحترم أصحاب المذاهب الأخرى، إذا كنا مأمورين باحترام الآخر عموماً، فبالأولى أن نحترم عقائد بعضنا البعض، مهما كانت درجة الاختلاف، وإذا كان هناك حوار فـ(بالحكمة والموعظة الحسنة)، ناهيك عن أنه لولا دفع الناس بعضهم ببعض (لفسدت الأرض)، هذه سُنة الله فى خلقه، الله سبحانه وتعالى أرادها كذلك، (ولو شاء الله لجعلكم أُمَّة واحدة)، (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)، لماذا إذن كل هذا الغلو والتطرف؟!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل