المحتوى الرئيسى

«المصرى اليوم» تتجول فى المصيف الشعبى: مصيفون: نار «جزيرة الورد» ولا جنة شرم الشيخ | المصري اليوم

09/02 23:20

كلما دنا لنا الشاطئ، اقتربت نسمات الهواء الصيفيّة، التى يُباركها المصيفون الذين يسيرون إلى الشاطئ، الكل يتجه إلى وجهة واحدة بصحبة «العوّامات» ذات الألوان المبهجة، وملابس الشاطئ «المُزركشة» بعفوية.

بالقرب من شاطئ «جزيرة الورد»، الممتد لمسافة 7 كيلومترات، يتردد صوت أم كلثوم، من عُمق المقهى الخشبى المتهالك الذى يقدم خدماته المتواضعة للمصيفين، فيما اصطفت أتوبيسات الرحلات، التى تحمل حروف وأرقام المحافظات القريبة من محافظة الدقهلية، حيث تقع مدينة «جمصة»، فيما يهبط ركاب الأتوبيسات إلى الشاطئ، الذى يمتد طولاً لأكثر من كيلومتر، بعد أن دفع ارتفاع أسعار الشقق والخدمات، قطاعا كبيرا من المصيفين لقضاء اليوم الواحد.

البهجة حاضرة بكل مظاهرها، موجات البحر تتراقص يمينًا ويسارًا، الألفة تسيطر على المشهد، يجلس الجميع دونَ قواعد تمليها عليهم إدارة الشاطئ، النساء يرتدين «الجلابية» التقليدية، ويطهون الطعام للصغار فى «حلل» أتين بها من منازلهن.

«المصرى اليوم» انتقلت إلى مصيف «جمصة» بحثًا عن حكايات البسطاء الهاربين من حرارة الجو، والزاهدين عن «جنة شرم الشيخ».

شاطئ «جزيرة الورد»، أحد أهم شواطئ «جمصة»، ويمتد لمسافة 7 كيلومترات، باسطًا مساحته الواسعة لأكبر عدد من المصيفين، الذين فضلوا أن يفترشوا الرمال أمام البحر، فيما تقيهم «ملاية» صُنعت من القماش، من حرارة أشعة الشمس، دونَ اللجوء إلى الكراسى والشماسى التى يصل ثمن إيجارها خلال اليوم الواحد إلى 50 جنيهًا.

برفقة والدتها السبعينية، جلست «أم إسلام»، 34 عامًا، تُداعب صغارها، وبسبب حضورها كل عام إلى المصيف نفسه، فإنها تتمنى تغيير المكان، الذى يتطلب «تحسن أحوال أسرتها»، حسب قولها.

وبالقُرب من خيمة «أم إسلام»، جلست «الحاجة ناهد»، سيدة خمسينية، تُحضّر أكوابًا من الشاى الساخن، أعدتهُ على نار «وابور جاز»، وضعته بجانبها، حتى لا تلجأ إلى مقاهى الشاطئ.

«أول مرة أصيّف فى حياتي»، تقولها «الحاجة ناهد» بابتسامة لا تُشير إلى ندم أو عدم رضا، بعد تفرغها طوال السنوات الماضية لادخار كل مليم لـ«سُترة البنات»، وظلت جالسة أمام التليفزيون بمسقط رأسها بمحافظة الشرقية، تُشاهد إعلانات مدينة «شرم الشيخ» السياحية، والتى ظنّت أنها أنشئت خصيصًا للأجانب، أو كما تقول ضاحكة: «دى تصاوير تليفزيونات».

وفى خيمة ذات تصميم فريد، مكونة من 6 أقمشة، جلست «فايقة»، سيدة خمسينية، برفقة أسرتها، لتشرح فكرة إنشاء الخيمة، قائلة: «بنعمل خيمة من ملايات عشان نوفر مصاريف، ونفسّح العيال»، فيما تُشير ابنتها البكرية إلى التصميم بفخر: «بابا هو اللى مصمم الخيمة دي».

لم يكُن مكان الخيمة التى احتوت عائلة «فايقة» مجرد مساحة فارغة على الشاطئ، بل حيز يمثل لهم ذكريات عمر بأكمله، كما تشرح «فايقة»: «بناتى لمّا كانوا قد ولادهم، كنا بنيجى من الشرقية ونقعد فى نفس المكان».

«جمصة المصيف الوحيد اللى بيجمع ناس من جميع الطوائف»، تُعدّد «فايقة» مزايا مصيف جمصة من وجهة نظرها، فإيجار الشقة يصل إلى 250 جنيها فى اليوم، وهو الأمر الذى تراه مناسبًا مع التوفير فى باقى المصاريف، كإقامة خيمة متواضعة بدلاً من إيجار الكراسى والشماسى: «الأسعار غالية، واحنا مكويين».

ومن وحى الخيمة المصنوعة من «الملاية» أيضًا، وجدت عائلة «الحاجة هدية»، 61 سنة، طريقًا لقضاء ليلة صيفيّة على شاطئ «جزيرة الورد»، فى انتظار الصباح: ««جينا جمصة من بالليل، عملنا خيمة وبتنا فيها للصُبح»، هكذا تشرح «هدية» أبسط طريقة لقضاء عطلة أسبوعية بأبسط الإمكانيات، ورغم عدم وجود شقة، قضت العائلة ليلتها فى التنزُه فى نواحى المدينة».

إيجار شقة فى جمصة يتراوح ما بين 200 و300 جنيه فى اللية الواحدة حال قربها من شاطئ البحر، و150 جنيهًا فى وسط المدينة.

وبحلول النهار، قضت العائلة نهارها كاملاً على شاطئ البحر، مُكتفين بوجبة غداء واحدة، أعدتها لهم «هدية»، وهى تروى ذكريات المصيف قديمًا، وتسرد نبذة مُختصرة عن المصايف الحديثة التى لم تعرف منها سوى جمصة ورأس البر، أما شرم الشيخ فما هى إلا: «مدينة ابنى كان بيشتغل فيها، معرفش عنها حاجة غير كده».

والدته: «إحنا بنتبهدل عشان نوصل من الأسفلت للبحر»

على حافة الشاطئ، جلسَ محمد وسط عائلته المكونّة من أب وأم وبعض الأقارب والجيران، تجمعوا حوله، فيما ظلّت موجات البحر تُداعب قدميه اللتين قيّد الكرسى حركتهما، تستغرق رحلة نقل محمد من الرصيف إلى شاطئ البحر عدة ساعات، وهى المسافة التى يقطعها السائر فى دقائق، نظرًا لعدم وجود «مشاية» تُمهد الطريق لذوى الاحتياجات الخاصة.

الشاب البالغ من العُمر 17 عامًا، لا يقدر على السير لضمور عضلاته، المرض الذى واجهتهُ الأسرة، إلى أن أصبح محمد شابًا يافعًا، يستعد لدخول كلية الآداب، قسم اللغة الإنجليزية، بحلول العام القادم.

وتُشير والدته إلى المشوار الذى يُقدر بساعتين من الزمن، من المنصورة إلى جمصة: «إحنا مبنتكلفش حاجه غير أجرة العربية، بتاخد 250 جنيه»، ورغم أجواء البهجة المُحيطة، تستغرق الأم فى سرد تفاصيل مرض ابنها الوحيد، قائلة: «بازعل لمّا بشوف الشباب فى سنه بيلعبوا وينبسطوا، وهو لأ»، ولكنها سُرعان ما تتمسّك بالأمل مرةً أخرى: «أنا عاوزه ابنى ينبسط وميموتش قبل أوانه».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل