المحتوى الرئيسى

المصريون يشتكون همهم لـ"مصطفي كامل"

09/02 10:11

"لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا".. جملة قصيرة موجزة سجلها التاريخ بأحرف من نور في التاريخ المصري الحديث ومحفورة في أذهان المصريين جميعا,  جميعنا يعرفنا صغيرنا وكبيرنا, شيوخنا وشبابا, أطفالنا وكهولنا, موجودة في كل مكان نشأنا فيه تكاد لا تخلو مدرسة من هذه العبارة, درسنا جميعا في كتب مادة الدراسات الاجتماعية في صغرنا, قالها الزعيم المصري الراحل مصطفي كامل مؤسس الحزب الوطني الديمقراطي قبل أن يكون شريكا في الفساد والإفساد وعندما كان حريصا علي المستقبل الوطني للبلاد.

واشتهرت عبارات الزعيم الراحل بالقوة والاتساق مع الواقع وإذا ما قمنا بالمقارنة بين أقوال كامل والوضع الحالي الذي تعيشه مصر وأحوال المصريين بالداخل والخارج ومدي تعرض المصريين للمهانة والاهانة والاستهانة ومدي المعاملة المهينة التي يلقاها شريحة كبيرة من المصريين المقيمين بالخارج وجدنا أن عبرات كامل تنطبق تماما علي حال البلاد اليوم وأن المصريين يشتكون همهم إليه ويلجأون إليه بشكواهم لأنه لو كان بين ظهرانيهم اليوم لاستطاع أن يطالب بحقوقهم وأن يرفع الظلم عنهم وأن يجهر بصوته مطالبا بحقوق المصريين التي ضاعت في كثير من المواقف.

عبر الزعيم الراحل عن حبه لمصر وعن تمسكه واعتزازه بهويته الوطنية المصرية وأرادها حتي لو كان يحمل أي هوية أخري غير الهوية المصرية وأنه سيسعي إليها لو لم يكن مصريا ولكن هذه العبارة خفت بريقها مع بداية حقبة الخمسينيات من القرن الماضي وعقب أحداث الثالث والعشرون من يوليو عام 1952 وظلت تنطفأ هذه العبارة إلي أن وصلنا إلي يوم السادس من أكتوبر عام 1973 يوم النصر العظيم علي الصهاينة في حرب أكتوبر وكان يوم نصر عظيم للمصريين والعرب علي حد سواء ثم بدأت من جديد تنطوي قيمة الهوية المصرية وتزول شيئا فشيئا إلي أن وصلنا إلي القرن الحادي والعشرون وأصبح معروف لدي الجميع في الخارج القيمة المتدنية والمعاملة التي قد يلقاها المصري خارج البلاد نظرا لعدم وجود معاملة أدمية يعامل بها داخل وطنه الأم مصر.

جوليو ريجيني جميعنا أصبحنا نعرف هذا الاسم وظل يتردد في وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية بصورة كبيرة منذ شهر يناير الماضي وأصبح العالم أجمع يعرف قصة الباحث الايطالي جوليو ريجيني الباحث بجماعة كامبريدج البريطانية والذي جاء إلي مصر من أجل إنهاء الأبحاث الخاصة به بالجماعة الأمريكية وذلك من أجل الحصول علي درجة الدكتوراة عن موضوع "دور النقابات العمالية بعد ثورة يناير" وكان يكتب العديد من المقالات في صحيفة "المانفيستو" اليسارية الإيطالية ولكنه كان يكتب مقالاته  تحت اسم من مستعار خشية أن يحدث له مكروه وسوء بسبب سوء الأوضاع الأمنية التي تشهدها مصر عقب ثورة يناير وهو ما أدي إلي خطفه وتعذيبه حتي الموت وهي الجريمة التي هزت العلاقات بين الحكومة المصرية ونظيرتها الحكومة الايطالية وعلي أثرها تم سحب السفير الإيطالي من مصر والعودة إلي روما واتهمت أسرة ريجيني الحكومة المصرية بالوقوف وراء مقتل نجلها وتعذيبه حتي الموت وقالت عبارتها الشهيرة التي لطخت الهوية المصرية بكل سوء والتي تتمني مصطفي كامل أن يكون مصريا حيث قالت "عذبوه كما لو كان مصريا" فاعتبرت السيدة "باولا ريجيني" والدة الباحث الإيطالي ريجيني أن المصريون قد كُتب عليهم أن يعذبوا ويهانوا ولكن لا رقيب ولا حسيب عليهم وقامت الحكومة الإيطالية بجهود مضنية من أجل معرفة من هو الجاني الحقيقي وراء قتل مواطنها ريجيني علي الأراضي المصرية وعقب ذلك هدد البرلمان الأوروبي مصر باعتبارها دولة غير آمنة في حالة عدم معرفة من القاتل الحقيقي لريجيني وتلي ذلك إرسال عدد من الوفود من جهات التحقيق المصرية إلي العاصمة الإيطالية روما من أجل موافاة المسئولين الإيطاليين بكل جديد في القضية ولكن لم نشاهد مثل هذه الإجراءات تتم مع أي مواطن مصري يتم الاعتداء في الخارج وشاهدنا ألاف الحالات من الاعتداء علي مصريين والشروع في قتلهم ولكن الحكومة المصرية لم تتخذ مثل هذه الإجراءات معهم.

وتلي تلك الجملة الشنيعة التي قالتها والدة الباحث ريجيني, جملة أخري علي نفس المنوال وفي نفس السياق قالها اللاعب البوركيني "محمد كوفي" لاعب نادي الزمالك السابق والتي حدثت خلافات بينه وبين رئيس نادي الزمالك مرتضي منصور وعلي أثر هذه الخلافات غادر اللاعب البوركيني القلعة البيضاء وقام المستشار مرتضي منصور رئيس الزمالك بسبه وإهانته ورد عليه كوفي قائلا "أهانني كما لو كنت مصريا" وهذا اعتراف ضمني أخر من لاعب بوركيني وطأت قدمه أرض الكنانة مؤكدا أن المصريين أصبحوا معروفين بتلقيهم الإهانات والشتائم والتعذيب وأصبح ذلك حكرا عليهم وأصبح أيضا معروف عنهم, وفي السياق ذاته وأثناء مظاهرات المواطنين الأمريكيين أصحاب البشرة السوداء عقب مقتل مواطن أسود علي يد شرطي أبيض قامت المظاهرات في عديد من الولايات الأمريكية وقال أحد المتظاهرين "ظنوا أننا سنسكت عن حقنا كما لو كنا عرب" هذه العبارة لم تلخص حال المصريين فقط ولكنها لخصت حال العرب جميعا لأنهم يصمتون عن حقهم ولا يطالبون به ولا يتحركون من أجل الحصول علي حقوقهم.

نستعرض الآن عدد من الحالات المصرية التي تعرضت إما للتعذيب أو للاهانة أو للقتل ووقفت الحكومة المصرية عاجزة صامتة أمام هذه الإعتداءات علي مواطنيها ولم  تطالب بحقوقهم مكتفية بإصدار بيانات شجب واستنكار علي استحياء ولكن هذه البيانات لا تسمن ولا تغني من جوع, منذ عدة أشهر تناولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمواطن مصري يدعي خالد يعمل بأحد المطاعم في الأردن وقام أحد نواب البرلمان الأردني بالاعتداء عليه وصفعه علي وجهه عدة ومعه عدد من أقاربه واكتفت الخارجية بإصدار بيان إدانة ولكن الأمر مر مرور الكرام ولو كان يعلم النائب الأردني أن المواطن المصري له كرامة ما تجرأ علي فعلته المشينة هذه ولم يستطع أن ينهال علي خالد بالضرب لأنه وراءه دولة ستستطيع أن تأخذ حقه مثلما فعلت إيطاليا لمواطنها ريجيني, والحديث لم ينقطع بعد عن إهانات المصريين في البلد المجاور لنا الأردن "مصطفي درويش" يعمل بودي جارد في أحد الفنادق في الأردن وقام عدد من المواطنين الأردنيين باعتداء في قمة الوحشية واحدثوا لإصابات جسيمة في أنحاء متفرقة من جسده ولكن مصطفي فضل محامي صاحب العمل علي محامي السفارة المصرية بالأردن لعمله أن الحكومة المصرية لن تأتي له بحقه.

لم نخرج بعد من دول المنطقة العربية وها نحن في دولة الكويت والتي تم قتل مواطن وإصابة ثلاثة آخرين دهسا بسيارة أحد المواطنين الكويتين وذلك علي أثر خلاف وقع بينهم أثناء تواجدهم بأحد المولات التجارية واختلافهم علي سعر لعبة يريد المواطنين الكويتين شرائها واندلعت مشاجرة بينهم وقام علي أثرها المواطن الكويتي بدهسهم ومما أدي إلي مصرع واحد من هؤلاء ألأشخاص, وفس السياق نفسه انتشر منذ بضعة أشهر مقطعا مصورا تداولته مواقع التواصل الإجتماعي يظهر من خلال مواطن كويتي يقوم بتعرية مواطن مصري وهو فيديو هز وجدان الشعب المصري جميعا ولو حدث في دولة أوروبية لربما أعلنت الحرب بسبب قيام ذلك تجاه أحد مواطنيها, وإذا ما نظرنا إلي دولة الإمارات العربية المتحدة تجد معتقلا في سجون الإمارات يدعي مصعب عبد العزيز تهمته الانتماء إلي جماعة الإخوان المسلمين وتتهم منظمة هيومن رايتس وتش الإمارات بأنها تعذب مصعب تعذيبا شديدا من أجل انتزاع اعترافات منه ليس حقيقة وهي الحالة لم تأتي من مواطنين في الدولة ولكنها تأتي من الدولة نفسها.

وإذا أردت أن تلقي نظرة علي أحوال المصريين في البلدان الأوروبية ستجد أن هناك أخبار تم تداوله من مدة قصيرة عن وجود جثة شاب مصري قتل محروقا في إحدي جراجات مدينة لندن البريطانية وعقب هذه الحادثة لم نجد أي اهتمام أو متابعة هذه الجريمة من قبل السلطات المصرية له, ومنذ أيام قليلة تداولت وسائل إعلام أخبارا عن إعتداء غاشم تم من قبل مواطنين إيطاليين علي مجموعة شباب مصريين أثناء عودتهم من عملهم في مدينة كاتانيا الإيطالية وأحدهم تعرض لإصابات خطيرة وأن حالته حرجة.

والأمثلة علي تعرض المصريين للاهانة والتعذيب أكبر من أن تعد أو تحصي وهذا التقرير وربما ألاف التقارير لن تستطيع أن ترصد ما يتعرض له المصريين من إهانة في الخارج ومدي الضحالة التي وصلت إليها الهوية المصرية فإننا الآن بحاجة إلي الزعيم الراحل مصطفي كامل لنشكو له همنا ويدافع عن حقوقنا التي ضاعت بين سائر البشر وأننا نأمل أن نردد عبارة "لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا" مرة أخري بعد أن تبدل حالها وأصبحت "لو لم أكن مصريا ما وددت أن أكون مصريا".               

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل