المحتوى الرئيسى

خريف ساخن على جيوب المصريين

09/02 00:57

ليست المرة الأولى التي تضرب فيها سياسات صندوق النقد الدولي ربوع مصر.

فمطلع تسعينيات القرن الماضي، شهد اتفاق الحكومة المصرية مع صندوق النقد، على خلفية مشاركة مصر في حرب «عاصفة الصحراء».

استمر تطبيق سياسات «الإصلاح الاقتصادي، والتكيف الهيكلي» منذ العام 1991 وحتى العام 2011، ولم يوقف تلك السياسات سوى «ثورة يناير» التي كان بعض أسبابها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها سياسات الليبرالية الجديدة التي أوصى بها صندوق النقد، وكان من أبرز شعاراتها «العدالة الاجتماعية» التي خلت منها بطبيعة الحال سياسات الليبرالية الجديدة.

ومجدداً، عادت السياسات ذاتها لتضرب الشارع المصري. ومع رفع الدولة شعار التقشف، بدأت تتجه لخفض الإنفاق العام وزيادة الإيرادات، ما أدى الى آثار اجتماعية وخيمة.

آخر إجراءات الدولة لزيادة الإيرادات كانت إقرار ضريبة القيمة المضافة، بنسبة 13 في المئة على السلع والخدمات. وهي الضريبة التي سترفع نسبة التضخم، بنسبة ترى الدولة أنها لن تزيد على 1.3 في المئة، بينما تقديرات أخرى لرئيس قسم البحوث في مصلحة الضرائب حسن عبد ترى أنها ستتراوح بين 1.5 و2 في المئة. هذه النسبة ستضاف لمعدل تضخم مرتفع بالفعل، إذ وصل الى 12.5 في المئة للعام الحالي.

ولكن ارتفاع نسبة التضخم لن تقتصر على الضريبة الجديدة فقط. فقبل إقرار الضريبة التي سيبدأ تطبيقها مطلع تشرين الاول المقبل، أعلنت وزارة الكهرباء عن رفع قيمة استهلاك الكهرباء لكل الشرائح بنسبة تتراوح حول 40 في المئة. كما أن ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية فرض أسعاراً مرتفعة على الواردات، ما أدى إلى موجة تضخم أخرى. بينما تتجه الدولة لتحرير سعر الصرف بالكامل استجابة لنصائح صندوق النقد الدولي، وهو ما سيعني المزيد من التضخم، بالإضافة إلى توجه الدولة لرفع اسعار تذاكر المترو، وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال لرفع اسعار المواصلات كافة.

ومع موجات التضخم الموسمية المرتبطة بالأعياد وموسم الدراسة، فإن ما تعانيه الطبقات الفقيرة في مصر يصبح غير محتمل. فرفع أسعار السلع الغذائية والخدمات والمرافق، بنسب تصل في بعض الأحيان للضعف، يصاحبه ثبات في مستويات الأجور. فبحسب الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2016 – 2017 ، لم تزد مخصصات الأجور بالموازنة إلا بنسبة 4.5 في المئة، وهي نسبة تقترب من الثبات الفعلي للأجور، إذا وضعنا في الاعتبار التدرج الوظيفي والترقي للعاملين بالحكومة. وهو ما يعني أن الأجور الحقيقية لأكثر من ستة ملايين موظف انخفضت بالفعل، بفعل معدلات التضخم التي تزيد على ضعف نسبة الزيادة في الأجور.

ولكن الأزمة تصبح أكثر وطأة على العاطلين عن العمل والذين زادت نسبتهم على 12.5 في المئة بحسب الإحصائيات الرسمية. كذلك العاملون في قطاع السياحة والبالغ عددهم ثلاثة ملايين يعملون بشكل مباشر وغير مباشر في السياحة، والذين انهارت دخولهم أو فقدوا وظائفهم نتيجة انهيار السياحة منذ الخريف الماضي.

هكذا تبدو الأزمة أكثر عمقاً واتساعاً في الوقت ذاته. ولكن الجانب الأكثر وضوحاً من الأزمة، هو أن أعباءها لا يتم توزيعها بشكل عادل على الطبقات الاجتماعية المختلفة.

فالدولة في سعيها لحل الأزمة الاقتصادية، تحاول جذب الاستثمارات المباشرة، وخلق البيئة الملائمة للاستثمار، وهذا أيضاً ضمن نصائح صندوق النقد الدولي. وفي سبيل ذلك، تخفف الأعباء على المستثمرين. وفي هذا السياق، جمدت الدولة ضريبة التعاملات على البورصة التي أقرت في موازنة العام 2013 – 2014، وكذلك ألغت الضريبة على الثروة التي كانت مقررة بنسبة 5 في المئة على ما يزيد على المليون جنيه من الدخل السنوي، كما خفضت الحد الأقصى للضريبة على الدخل من 25 في المئة إلى 22.5 في المئة.

هذه الإعفاءات تبلغ حصيلتها السنوية حوالي 20 مليار جنيه، واللافت أن حصيلة ضريبة القيمة المضافة المرتقبة تساوي القيمة ذاتها. غير أن الإجراءات التي ألغيت كانت موجهة للاغنياء، بينما ضريبة القيمة المضافة مثل الضرائب غير المباشرة كافة، تطبق على المستهلكين من دون تمييز بين قدراتهم المالية. فكأن الدولة ستقوم بتحصيل قيمة ما أعفت منه الأغنياء من الفقراء، وهو ما يضيف إلى الأزمة الإحساس بالظلم وانعدام العدالة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل