المحتوى الرئيسى

محمد العريان يكتب: سياسة «حماية التجارة» تتزايد على المدى القصير | المصري اليوم

09/01 23:21

إحدى المفاجآت أن الأزمة المالية العالمية، عام 2008، التى جاء بعدها «الركود الكبير»، أنها لم تشعل النزعة نحو فكرة «حماية التجارة» الدولية، بينما تشير التطورات هذا الأسبوع، فى ظل غياب القيادة السياسية المستنيرة والمنسقة، إلى أن هذا أمر قد يتغير.

بعد انهيار الإنتاج نتيجة «التوقف المفاجئ» للنظام المالى فى خريف 2008، ومع اقتراب حدوث كساد عالمى مدمر، كانت هناك مخاوف من أن الدول ستستسلم لإغراء اتخاذ تدابير «الحماية» التجارية، باعتبارها وسيلة لتعزيز النمو الخاص بها على حساب الآخرين، وتم تجنب هذا لسببين رئيسيين: القناعة بأن سياسات إفقار الجار من المرجح أن تكون غير فعالة، إن لم تكن لها نتائج عكسية، على المدى الطويل، واستعداد وقدرة مجموعة الـ20 لتبنى أجندة سياسية وتنموية شاملة فى قمة إبريل 2009.

لكن ما كان له أثر جيد حينها لم يستمر، وبدلاً من استخدام قمة لندن كأساس للحفاظ على سياسة شاملة داعمة للنمو، تسللت الاقتصاديات المتقدمة واحدة تلو الأخرى إلى الاعتماد المفرط وطويل الأمد على بنوكها المركزية، ولأن أدوات السياسة النقدية، بما فى ذلك تلك السياسات المبتكرة وغير التقليدية، تعانى من عدم التواؤم مع الإصلاحات المستدامة لإخفاقات الدول المتقدمة، وتراجع نتائج الاقتصاد الكلى مراراً وتكراراً بشكل أقل من التوقعات، بجانب فشل تعزيز الرخاء الشامل.

هذه الفترة الطويلة من انخفاض معدلات النمو وارتفاع عدم المساواة تهدد الآن الإجماع على العولمة والتكامل الإقليمى، الذى استند إليه الفكر الاقتصادى على مدى عقود، وعلى أثره، فإن تقدم تحرير التجارة والتكامل عبر الحدود قد وصل إلى طريق مسدود.

هذا الأسبوع، أثارت فرنسا وألمانيا علناً تساؤلات حول الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسى، والتى يتفاوض عليها الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، وحاول مسؤولون أمريكيون وفرنسيون حث مسؤولى بروكسل على وقف هذه المحادثات.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الشراكة «عبر المحيط الهادى»، واتفاقية التجارة التى وقعتها الولايات المتحدة و11 دولة آسيوية، فى فبراير الماضى، من غير المحتمل التصديق عليهما، نظراً لعدم حماس الكونجرس الأمريكى لأى من هذه الصفقات.

إنها ليست مفاوضات فقط على ترتيبات التجارة الحرة الجديدة التى تتم المماطلة فيها، حيث أظهر تصويت المملكة المتحدة، فى يونيو الماضى، لصالح «بريكست»، أنه حتى الاتفاقات القائمة- طويلة المدى- لم يعد من الممكن اعتبارها أمراً مسلماً به، وفى الوقت نفسه، قرار المفوضية الأوروبية، هذا الأسبوع، بفرض ضرائب قدرها 14 مليار دولار على شركة «أبل»، أغضب الحكومة الأيرلندية، التى وصلت إلى اتفاق مبدئى مع الشركة، فضلاً عن إغضاب مسؤولين أمريكيين.

وتتأثر كل هذه الأحداث بشكل كبير وبقوة أوسع، بالاستياء الشعبى من تحمل النمو المنخفض وتزايد اللا مساواة، وكلاهما غذى شعبية الحركات المناهضة للمؤسسات، التى ستروج لسياسات قومية، وفى الواقع يمكن لخطوتهم التالية أن تكون أبعد من مجرد مواجهة المبادرات الإقليمية المستقبلية إلى إضعاف الاتفاقات القائمة، حيث إن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية والاتحاد الأوروبى بالفعل فى مرمى السياسيين المناهضين للنظام العالمى.

واستجابة لهذه الرياح السياسية، فإن عدداً متزايداً من الحكومات قد يميل بعيداً عن التوجه التقليدى للتجارة الحرة، لاتخاذ مواقف أكثر انعزالية، ونسخة مصغرة من هذا الاتجاه هى التأكيد على أن التجارة يجب أن تكون عادلة وليس فقط مجانية، بينما النسخة الأقوى هى تشجيع بدائل الواردات، والنظر فى التدابير الأخرى التى تثبط تدفق السلع والأموال الأجنبية.

يأمل الساسة التقليديون فى تقليل خطر عدم إعادة انتخابهم، الأمر الذى يبرر استخدامهم لهجة تستوعب وتعترف بالقوى التى تدعو إلى «الحماية»، بخطاب مفاده أن ضرب التجارة العالمية والاستثمار العابر للحدود ستكون له آثار أكثر ضرراً، إذا وصلت الحركات المناهضة للمؤسسات إلى السلطة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل