المحتوى الرئيسى

المحن بين الجماعة والنظم القمعية

09/01 22:03

(١) مما يؤثر عن «البنا» قوله للإخوان: فى اليوم الذى تعتقلون فيه، وتشردون، وتفتش بيوتكم وتصادر أموالكم.. إلخ، فاعلموا أنكم تكونون قد بدأتم سلوك طريق أصحاب الدعوات(!) لهذا تشكل قضية المحن جزءاً رئيسياً فى تفكير ووعى ووجدان الإخوان.. وعادة ما يقارنون بينها وبين أحداث واردة فى السيرة النبوية، ليؤكدوا لأنفسهم -ولغيرهم- أنهم ماضون فى الطريق الصحيح، ويعتقدون أن المحن هى المرحلة التمهيدية التى تسبق التمكين فى الأرض، ويستشهدون فى ذلك بما قاله الإمام الشافعى (رحمه الله) عندما سئل: هل المرء يمكّن أولاً ثم يبتلى أم العكس؟ فأجاب: يبتلى المرء أولاً ثم يمكن.. والحقيقة أن المحن بشكل عام عادة ما تكون مرتبطة بعاملين؛ الأول له صلة بالجماعة ذاتها، والثانى له علاقة بنظم الحكم الاستبدادية والقمعية.. عن العامل الأول نقول: إن المحن تتفاوت فى درجات الشدة من محنة إلى أخرى، كما يتفاوت الناس أيضاً فى قدراتهم ومدى تحملهم لها، فمنهم من يخرج منها وهو أكثر شدة وصلابة، وبالتالى إصراراً على المضى فى نفس الطريق، ومنهم من تنفرط حبات عقده، فيترك ما كان عليه بالكلية، ومنهم من يراجع أوراقه ويعيد حساباته، لعله أخطأ فى كذا أو كذا، ومنهم من يصاب بمرض نفسى أو انحراف فكرى، وهكذا.. وقد التقينا فى حياتنا الدعوية كل هذه النوعيات.. لكن الخطورة تظهر آثارها عندما يتولى قيادة الجماعة هذه النوعية الأخيرة، خاصة إذا ما افتقرت إلى الرؤية الاستراتيجية والعقل والحكمة والرشد، علاوة على غياب فقه الواقع والأولويات والتوازنات والمآلات.. فإذا أضفنا إلى ذلك، وجود مفاهيم مغلوطة؛ كاعتماد العنف وسيلة للتغيير، أو اتخاذ الديمقراطية سلماً للوصول إلى السلطة ثم التخلص منه بعد ذلك، أو المزج بين الجماعة والحزب (أو الخلط بين الدعوى والسياسى)، أو عدم الاعتراف بمفهوم الدولة الوطنية الحديثة، أو الحرص على سرية التنظيم، أو عدم تقنين أوضاع الجماعة.. إلخ، أقول تصبح الخطورة مؤكدة.. أحياناً يدفع سوء التقدير أو الحماس الزائد أو الاغترار بالقوة عند الجماعة إلى أن تقدم على خطوة تكلفها أعباء وخسائر قد تفوق قدراتها وطاقاتها بكثير.. لذا، جاء فى الحديث: «لا يذل الرجل منكم نفسه.. قالوا: وكيف يذل الرجل منا نفسه يا رسول الله؟ قال: يعرض نفسه للبلاء ما لا يطيق»، أو كما قال.. ولعل ما حدث فى اعتصامى «رابعة» و«النهضة» يعبر عن ذلك أصدق تعبير.. فقد تصورت الجماعة ومن دار فى فلكها، أنها قادرة -بما معها من سلاح وحشد- على استعادة السلطة (التى فقدتها بسبب فشلها وثورة الشعب عليها)، بل وفرض إرادتها على الدولة، وإيقاع الهزيمة بجيشها وشرطتها(!) كان من الواضح أن هناك وعوداً من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها (الاتحاد الأوروبى، وتركيا، وقطر)، على الدعم والتأييد والمساندة، لكن كان هناك أيضاً نوع من الغيبوبة تمثلت فى التهليل والتكبير الذى أظهرته الحشود عند سماعها للرؤى المنامية التى حاول البعض أن يأسر بها القلوب ويسيطر على العقول، ويلهب بها المشاعر..

(٢) وأما ما له علاقة بنظم الحكم، خاصة الاستبدادية والقمعية منها، فتتمثل فى ممارسة التضييق على الإخوان وملاحقتهم ومطاردتهم وإلقائهم فى السجون، ربما لمجرد أنهم يريدون خوض الانتخابات النيابية والمشاركة فى العملية السياسية، كما كان يحدث خلال فترات من عهد مبارك.. بالطبع، بلغ القمع مداه فى عهد عبدالناصر، وهو ما ترك آثاراً سيئة على الإخوان وغيرهم.. فقد كانت هناك قيادات قضت أو قضى بعضها عشرات السنين فى السجون.. وقيادات وأفراد نالهم من التعذيب الوحشى ما يشيب لهوله الولدان.. وأناس كانوا يأوون إلى مضاجعهم وهم يتوقعون فى أى لحظة أن يقتحم عليهم زوار الفجر مخادعهم وهم نائمون.. وآخرون كانوا يحاربون فى أرزاقهم أو ينقلون من وظائفهم.. إلخ. لذا، كان من نتائج هذا كله مجموعة من الاختلالات، نوجزها فى الآتى: ١) زرع بذور الحقد والغل والكراهية فى قلوب الكثيرين من الإخوان، ٢) تبنى البعض منهم لفكر التكفير، ٣) ظهور قيادات تميل إلى التماهى مع الاستبداد، ٤) تبنى ثقافة «التقية» كما عند الشيعة، من حيث الكذب والخداع والمراوغة.. إلخ، ٥) الانكفاء على التنظيم وضعف -إن لم يكن غياب- الانفتاح على الآخر، وبدلاً من أن يكون التنظيم وسيلة أصبح غاية لها الأولوية الكبرى عن كل ما عداها.. وقد شاع فى فترة ما سمى «علانية الدعوة وسرية التنظيم»، وبرغم محاولات البعض تحويل «سرية التنظيم» إلى «دقة التنظيم»، فإن السرية ظلت موجودة فى قطاع كبير منه، ٦) إنشاء نظم ولوائح للجماعة تعكس مناخ التضييق والمطاردة والملاحقة، ٧) إيجاد فجوة معلوماتية كبيرة بين القيادات وأفراد الصف، وعدم وجود حراك داخلى، الأمر الذى نشأ عنه تحول جسم الجماعة إلى كتلة شبه صماء، ٨) غياب الشورى الحقيقية، سواء فيما يتعلق بالرقابة والمحاسبة والمساءلة لمكتب الإرشاد، أو تغيير أو تعديل اللوائح، وهو ما أدى إلى بروز فراعين داخل الجماعة، ٩) عدم وجود فرص للمراجعة والتقويم، وترحيل معظم المشكلات والسلبيات، ومن ثم تراكمها إلى الحد الذى يصعب عنده معالجتها، ١٠) إجراء انتخابات وسط ظروف صعبة وضاغطة، مع عدم تحديد معايير للاختيار، أدى إلى ظهور قيادات غير مؤهلة ولا تناسب المواقع التى تشغلها، و١١) الاهتمام باللقاءات الإدارية على حساب البرامج التربوية والدعوية، مع ضعف المتابعة، مما تسبب عنه خلل فى المنظومة القيمية؛ أخلاقياً وإيمانياً وإنسانياً.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل