المحتوى الرئيسى

شاهد خان: كسر القالب

09/01 14:39

عادة ما تُتهم الشركات العائلية الخليجية بأنها تضع قيودًا تحد من نجاحها وذلك من خلال رفض تلك العائلات السماح لذوي الخبرة من الخارج بالمساهمة في تولي دفة القيادة فيها. ولكن بعد أن نجح المدير التنفيذي المحنك شاهد خان بتحويل اثنتين من كبريات الشركات في المنطقة إلى نموذج التوسع الذي يقوده أفراد من خارج منظومة العائلة، بدأ بتمهيد الطريق لتجربته الثالثة؛ وهي مع مجموعة الياقوت الكويتية.

لم يتخيل شاهد خان قط عندما التقى بالراحل عمر الياقوت، حين كان مديرًا لإحدى شركات الإلكترونيات الرائدة في دول مجلس التعاون الخليجي، أن يتم استدعاؤه لإحداث تحول في الشركة العائلية التي تبلغ من العمر 50 عامًا.

وفي معرض وصف خان للراحل الياقوت، قال «لقد كان شخصًا رائعًا، وقام بالكثير من الأشياء السابقة لأوانها؛ إذ كان أول من أدخل الأجهزة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط عام 1954. كان إنسانًا مذهلًا جدًا، وكنت أنظر إليه كوالد لي». ولكن عندما تولى خان إدارة مجموعة الياقوت العام الماضي، أدرك ما الذي ينقص العديد من الشركات العائلية.

قال خان «لقد أبلى عمر الياقوت بلاءً حسنًا في العديد من الأمور؛ فقد وضع الاستراتيجية المناسبة لقطاع الإلكترونيات، ولكن أعتقد أن ما غَفِل عنه هو تأسيس هيكل تنظيمي قوي؛ فقد لجأ لوضع إطار تنظيمي تقليدي لممارسة الأعمال التجارية، حيث يوجد مالك واحد ومسؤول عن الشؤون المالية وبعض موظفي المبيعات، وجميعهم يتبعون لصاحب العمل. ولكن لا يمكن لأي شخص إنشاء شركة كبيرة بهيكل كهذا».

ويعد خان من أبرز الأشخاص الذين نجحوا في تحويل الشركات العائلية في المنطقة إلى شركات دولية ذات علامات تجارية كبرى وحصصٍ سوقية مهيمنة. ويعمل خان، الذي طور سلسلة متاجر «لندن دايري» وإكس-سايت» للإلكترونيات، حاليًا على إنشاء أول صالة عرض لأسلوب الحياة في الخليج، والتي يُتوقع بأن ترفع إيرادات مجموعة الياقوت بما لا يقل عن 300 بالمائة سنويًا.

ويتولى خان حالياً قيادة التغيير الجذري في مجموعة الياقوت؛ إحدى أقدم الشركات العائلية في المنطقة. وقد حافظت الشركة على حضورها القوي في قطاع الأعمال بين الشركات في الكويت، من خلال بيع مواد مثل الأثاث المكتبي والمشروبات الغازية والبلاستيك. يشار إلى أن خان ترعرع في دبي حين كان والده عضوًا مؤسسًا في القوات البحرية في دولة الإمارات العربية المتحدة في سبعينيات القرن المنصرم.

وقد أدرك نجلا عبدالله الياقوت : عمر وعبد العزيز بعد وفاته عام 2014، وجود إمكانات أكبر للعمل الشاق الذي قام به والدهما. يتمتع عمر وعبدالله بمسيرة مهنية راسخة؛ إذ يعمل عمر مصممًا داخليًا رائدًا، بينما بات عبد العزيز، الذي كان شريكًا سابقًا في شركة «دي ال إيه بايبر» للمحاماة لمنطقة الشرق الأوسط، أحد مالكي شركة «ميسان بارتنرز» للمحاماة. وإيمانًا من الأخوين الياقوت بمحدودية قدرتهم على استغلال إمكانات الشركة لأقصى حدودها، فقد اتخذا قرارًا تواجه الآلاف من الشركات العائلية الخليجية مشكلة في اتخاذه؛ ألا وهو تعيين رئيسٍ تنفيذي من خارج العائلة.

ويفسر عبدالعزيز قرار العائلة قائلًا: «يكمن أهم سبب في اتخاذ هذا القرار في إيماننا بأن علينا أن نبتعد عن الشركات قدر المستطاع، وذلك بغية الوصول إلى نموذج مستدام لشركة عائلية قادرة على البقاء لأكثر من جيلين أو ثلاثة، وذلك لأننا عاطفيون تجاهها».

«يجب أن يتولى شخص من خارج العائلة، ممن يمتلك الخبر والمعرفة، إدارة الشؤون اليومية، وكان ذلك أول قرار عائلي واعِ اتخذناه (بعد وفاة عبدالله)».

وكان خان خيارًا مثاليًا؛ فقد نجح سابقًا بتحويل اثنتين من الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي، إحداهما في قطاع السلع الاستهلاكية سريعة التداول والأخرى في قطاع الإلكترونيات. ويعد هذان القطاعان من القطاعات الرئيسة التي تعمل فيها مجموعة الياقوت. وقام خان بعملية التحول هذه عام 2000، بعد أن عمل لمدة 18 عامًا، تدرج خلالها إلى منصب نائب الرئيس في شركة السلع الاستهلاكية الدولية العملاقة «يونيليفر» بعدما كان متدربًا لا أكثر. وقال خان، الذي تدرب سابقًا في الجيش الباكستاني، أنه نجح بنقل شركة إيفكو، التي تتخذ من الإمارات المتحدة مقرًا لها، من المرتبة السادسة إلى المرتبة الأولى في السوق بين عامي 2000-2003. وأضاف «لقد راوحوا مكانهم ذاك لمدة 20 عامًا وأرادوا أن يكونوا في المرتبة الأولى، وهو ما شكل تحديًا بالنسبة لي».

وخلال تلك الفترة، أسس خان شركة «لندن دايري» والتي باتت الآن أكبر علامة تجارية للمثلجات في الشرق الأوسط، كما نجح في توسيع نطاق المجموعة من 25 إلى 75 دولة.

ولفت نجاحه انتباه عمر الغانم، الرجل الذي يتولى دفة قيادة واحدة من كبريات الشركات العائلية في الكويت. وبعد بعض المحاولات لإقناعه بالانتقال إلى الكويت، عمل خان في وحدة السلع الاستهلاكية في شركة الغانم، مشرفًا على توزيع علامات تجارية كبيرة في الكويت، مثل «كرافت» و«اوفالتين» و«فيليبس» و«مارس». وفي هذا الصدد، قال إنه واجه في غضون فترة قصيرة ما يشكو منه العديد من الرؤساء التنفيذيين الخارجيين في الشركات العائلية؛ ألا وهو التردد تجاه تحقيق النمو.

ويضيف خان «بعد عام واحد تقريبًا، أدركت أنهم ليسوا على استعداد للتوسع حقًا، إذ كانوا يوجهون تركيزهم على الكويت بشكل كبير. فأخبرتهم بأن ذلك غير كاف بالنسبة لي، فقد ساعدت شركتي السابقة على التوسع والوصول إلى 75 دولة، أما هم فلا يرغبون بالخروج من الكويت. وأنا أرغب حقًا بأن تكون في كل مكان، فالكويت بلد صغير جدًا. فرفضوا ذلك ... وقلت لهم أنني لا يمكن أن أعمل في هذا النطاق الضيق، وأن عليّ أن أغادرهم للأسف».

وبدلًا من خسارة هذه الموهبة، عرض الغانم على خان فرصة إدارة شركة الإلكترونيات خاصته من دبي، حيث يمكن لخان أن يجتمع بعائلته مرة أخرى.

وقال «لم أكن قد عملت بتجارة التجزئة من قبل؛ فقد كنت مسؤولًا عن السلع الاستهلاكية في شركة «يونيليفر» ولذلك كانت قطاع الإلكترونيات جديدًا بالنسبة لي. ولكنني أدركت حجم هذه الشركة الكبير، ورغم ذلك، كانت تحقق خسائرًا، وقد كنت مفوضًا كمدير إداري بإعادة إطلاق الشركة وزيادة ربحيتها، وهو ما فعلته بالضبط. ففي غضون 3 سنوات ونصف، أصبحنا أكبر وزادت أرباحنا بمعدل أربعة أضعاف. ونتيجة لذلك، أضحت متاجر «إكس سايت» للإلكترونيات تحتل المرتبة الأولى بعد أن كانت في المرتبة السادسة من بين 30 علامة تجارية في مجموعة الغانم.

وقال خان أن تلك التجربة أثبتت له أن نجاح الشركة يعتمد على القيادة الصحيحة، وليس في معرفة المنتج. وأضاف: «قد أعمل مستقبلًا في مجال بيع السيارات، وأنا متأكد بأنني سأحصل على ذات النتائج لأنني لست بحاجة لأكون على معرفة بالسيارات، ولكن يجب أن أعرف الموظفين الذين يعملون لدي جيدًا، وأعرف كيف أدفعهم وأحفزهم، كيف أساعدهم على الإنجاز، وكيف أرشدهم وأدربهم. أعتقد أن هذه هي الإدارة الجيدة. لذلك أصبحت أشعر بالارتياح الشديد في العمل بغض النظر عن القطاع».

طور خان معظم مهاراته القيادية خلال تدريبه العسكري في الأكاديمية العسكرية الباكستانية، حيث درس هناك مساقات قيادة وإدارة الأفراد، بالإضافة إلى مواد الاقتصاد التقليدية.

وعلق على ذلك بقوله «يدور الأمر برمته حول جمع القوات وإرشادهم وتدريبهم، ليحققوا الأهداف التي تكاد تكون جبّارة ... هذا ما تتعلمه من الخدمة العسكرية». وأضاف: «إذا ما رجعنا إلى بدايات العمل التجاري في أميركا ... فسنجد أنه لم يكن هنالك ماجستير في إدارة الأعمال، ولهذا فقد دخلت الكثير من الكلمات التي تستخدم في قطاع الأعمال، مثل «خدمات لوجستية» و«استراتيجية» من المجال العسكري. لذلك فكرت في اتباع التقليد العائلي بدخول الجيش، مع حرصي على الانتقال إلى مجال الأعمال في وقت لاحق».

ولكن الانتقال من شركة عالمية مرموقة إلى شركة عائلية محلية كان تغييرًا مذهلًا لم يكن خان مستعدًا له بما فيه الكفاية. وقال «كان الأمر صعبًا؛ فقد شهدت فشل العديد من الأشخاص العاملين في الشركات المرموقة متعددة الجنسيات بعد انضمامهم لشركات محلية، ويعود ذلك إلى عدم امتلاكهم القدرة على التكيف. إذ يجب إدراك تعذر الدمج الإجباري وتطبيق هيكلية الشركات المرموقة أو سياساتها أو إجراءاتها في شركة محلية بالقوة. بل ينبغي تطويرها لتصل إلى مستواها، لأن الشركات المرموقة ليست دائمًا على صواب، فقد تكون جامدة جدًا أحيانًا».

وأضاف «كان إطلاق منتج جديد يستغرق عامين ونصف إلى ثلاثة أعوام في «يونيليفر»؛ في حين استغرقني الأمر ستة أسابيع فقط )في الشركات العائلية(. ولا يزال العديد )من المديرين الذين ينتقلون إلى الشركات المحلية( غير قادرين على التكيف مع البيئة الجديدة، فهم يستمرون في العمل ضمن أفق العامين ونصف، إلا أن أصحاب الأعمال المحليين لا يتمتعون بذلك القدر من الصبر ولا يحتاجون إليه».

«أما المجال الآخر فهو الهيكلية التنظيمية للشركات، فلم تستثمر معظم الشركات العائلية في تطوير هيكل تنظيمي مناسب؛ فهم في كثير من الأحيان تجار منذ وقت طويل (يتجاوز 100 عام)، ما يجعلهم تجارًا مدفوعين ومحفزين ذاتيًا. كما أنهم واسعي الحيلة وبارعين في الأمور التجارية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتنظيم فهم ليسوا منظمين جيدًا».

وأضاف خان «أنه ورغم ذلك، فقد قام بعضهم ببناء هيكل تنظيمي عظيم بالفعل، وهو السبب وراء قوة شركات مثل «الغانم» و«إيفكو» و«الغرير» وغيرها من الأسماء الكبيرة؛ فهي كالشركات متعددة الجنسيات ولهذا أصبحت متعددة الجنسيات. وإذا أردنا الوصول إلى ما هو أكبر من السوق المحلي، فيجب علينا معرفة أن طموحنا يجب أن يكون مماثلًا لطموح الشركات متعددة الجنسيات».

ولكن يرى خان تغيرات واعدة في مجموعة الياقوت، وقال «من الرائع أن أبناء السيد عبدالله أدركوا أن الطريقة القديمة، أي الخمسون عامًا التي انقضت من العمل، لن تساعدهم على الصمود للخمسين عامًا المقبلة. وفي سبيل التوسع، فإنهم بحاجة إلى إضفاء الاحترافية على تنظيمهم؛ وهذه هي نقطة البداية والفرصة وهو ما لم تدركه الكثير من الشركات )العائلية( بسهولة».

وبعد رحلة دامت 6 أشهر لتحديد الأهداف والهياكل الجديدة في الشركة التي تتخذ من الكويت مقرًا لها، يعمل خان الآن على تطوير صالة عرض متعددة الفئات، وهي الأولى من نوعها في المنطقة. وتعد الصالة مكانًا واحدًا يضم كل شيء من المطاعم الجديدة والسينما المنزلية إلى أحدث التقنيات أو لشراء باقة من الورود. ويقول خان أن الفكرة تتلخص بعرض جميع منتجات مجموعة الياقوت، بما في ذلك العلامات التجارية الجديدة، تحت سقف واحد بمساحة 3,500 متر مربع، والتي صُممت لتزيد من «تعامل الشركة المباشر مع العملاء».

ومضى قائلًا «ثمة 300 عميل من الشركات، في حين يصل عدد المستهلكين الأفراد إلى 3.2 مليون )في الكويت( وما نريده هو مزيج من كليهما، ولكن ما الذي يحدد إن كان الفرد المستهلك لا يمثل عمليًا إحدى الشركات أيضًا؟ إذ يمكنني أن أكون رئيسًا تنفيذيًا لأحد البنوك، وأن أذهب في جولة تسوق برفقة زوجتي في المساء، وقد أبدي إعجابي ببعض قطع الأثاث وأعرض على أصحاب المعرض القدوم إلى مكتبي لمناقشة أوجه التعاون الممكنة. ولذلك يتوقف الأمر على التعامل المباشر مع العملاء».

كما سيتيح الحجم الهائل للمتجر للمجموعة أن تعرض منتجات وعلامات تجارية جديدة، بما في ذلك «علامة تجارية مشهورة» تكون بمثابة الركيزة الأساسية، بالإضافة إلى العمل مع شركاء جدد يوفرون بعض الخدمات، مثل الصيانة أو أعمال النجارة اللازمة في المطاعم الجديدة.

وقد يُصار إلى التعاقد الخارجي مع محل للأزهار، وخدمات تغليف الهدايا، ومتجر للكتب، وسيفتتح المقهى التركي الفاخر والمعروف «Kahve Dünyası» فرعه الثاني في الخليج في صالة العرض، مما سيشكل ضربة ناجحة للشركة الكويتية. كما تمثل الشركة ثاني أكبر شركة لتصنيع الشوكولاتة في العالم وستقدم علب الهدايا من الشوكولاتة بالإضافة إلى تقديم منتجات الشوكولاتة على الطاولات.

وقال خان: «لقد أصبحت المنطقة غنية بالأفكار الأوروبية والأمريكية، ولكنها لا تملك ما يكفي من الأفكار الإقليمية. وغالبًا ما يُنظر إلى تركيا بكثير من الإيجابية، لذلك يذهب الكثير من الإماراتيين وسكان منطقة الشرق الأوسط لزيارة تركيا، ويرغبون برؤية العلامات التجارية والمحلات التي يرونها في تركيا هنا، ولذلك قررنا أن نأخذ بزمام هذه المبادرة».

ستكون صالة العرض بمثابة حاضنة أيضًا، لتتيح لمجموعة الياقوت اختبار العلامات التجارية الجديدة قبل إطلاق متاجر منفصلة لها. كما ستستخدم أحدث الوسائل التكنولوجية في التسوق، بما في ذلك بطاقات السعر الإلكترونية والبرامج التي تتيح للشركة تحليل عادات المستهلكين، بما في ذلك الأماكن التي يتنقلون بينها في المتجر، والوقت الذي يقضونه فيها، وما يشترونه في النهاية – وهي معلومات تقتصر على مواقع التسوق الإلكترونية حاليًا.

وأضاف خان بأن وجود مقر الشركة فوق صالة العرض سيمكّن العاملين من رؤية المستهلكين، مما قد يساهم في تقديم أفكار قيمة. يجري حاليًا تجهيز صالة العرض، ويُتوقع أن تفتتح أبوابها في الربع الأول من عام 2017، حيث أكد خان بأن زخم العمل في تزايد مستمر.

وقال: «بما أن الأشخاص على معرفة بأننا سنقوم بإعادة إطلاق الشركة وبأننا نعمل على وضع استراتيجية جديدة، يحاول العديد منهم التواصل معنا. يجب أن نكون انتقائيين لأنه علينا أن نعزز ما لدينا ونعيد بناءه، ومن ثم نبني عليه بحذر. ولكنني أعتقد أننا سنكون أكثر استعدادًا لاستقطاب علامات تجارية جديدة في غضون عدة سنوات».

ولا يبخل خان في توقعاته، إذ يتوقع أن ترتفع العوائد المالية للشركة بحلول ذلك الوقت؛ إذ أشار إلى أنه يستهدف زيادة العوائد السنوية «بمعدل 3 أضعاف».

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل