المحتوى الرئيسى

عماد الدين حسين: الحكومة والإخوان.. استهداف للتنظيم وتساهل مع الأفراد

09/01 10:50

بعض الحكومات والهيئات والمؤسسات الغربية تطالب الحكومة المصرية بين حين وآخر باستيعاب جماعة الإخوان المسلمين في الحكم، أو حتى في المشهد والعملية السياسية. هؤلاء يعتقدون أن هذا الأمر يمكن أن يحدث بصورة ميكانيكية لمجرد أن الغرب يريد ذلك، وأنه - إذا حدث - سيحل كل مشاكل مصر، والمنطقة بصورة آلية.

هذه القوى الغربية لا تدرك بالضبط حقيقة ما حدث من تحولات في التربة السياسية المصرية منذ 30 يونيو/ حزيران 2013 وحتى الآن. لنفترض أن هذا الطرح الغربي صحيح ومنطقي أو حتى مطلوب، فإن السؤال الذي ينبغي أن يخضع لنقاش جاد وجدي هو: هل هناك إمكانية فعلية على أرض الواقع لمصالحة مع جماعة الإخوان كما كان يحدث في عهود سابقة، خصوصاً أيام أنور السادات وحسنى مبارك؟

أغلب الظن ــ وأتمنى أن أكون مخطئاً ــ أن الإجابة ستكون بالنفي في اللحظة الراهنة لأسباب متعددة.

السبب الجوهري أن هناك تغيراً موضوعياً في طبيعة العلاقة على أرض الواقع بين الدولة وسائر أجهزتها وبين الجماعة. والجديد أيضاً هو أن المواطنين أو غالبيتهم قد صاروا جزءا من هذه القضية.

المتابع لطبيعة العلاقة بين السلطة والإخوان- منذ نشأة الجماعة عام 1928 على يد المدرس حسن البنا في محافظة الإسماعيلية - يدرك أنها تعرضت لضربة قاصمة حينما حدث الصدام بين الطرفين لأن الجماعة لجأت إلى العنف والإرهاب وحاولت اغتيال جمال عبد الناصر عام 1954، ثم مرة أخرى حينما تم إحباط مخطط واسع النطاق للعنف كان يقوده مفكر الجماعة ومنظرها الدموي الشيخ سيد قطب عام 1975، الذي تم إعدامه في العام التالي.

بعد صفقة زواج المصلحة بين السادات والجماعة أوائل السبعينات، لم تلجأ الجماعة إلى العنف وبدأت تنغمس في المشهد السياسي، وتصبح جزءا مهماً منه، رغم أنها كانت محظورة رسمياً.

الجديد الذي حدث بعد إخراج الجماعة من الحكم على يد ثورة 30 يونيو 2013 التي انحازت لها القوات المسلحة، هو أن الجماعة ــ أو جزء منها على الأقل ــ قرر أن يتجه إلى العمل العنيف أو الإرهاب.

ومنذ خلع الرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم في الثالث من يوليو/ تموز 2013، ثم فض اعتصام جماعة الإخوان في 14 أغسطس/ آب من العام نفسه، ارتكب الكثير من أعضاء الجماعة أعمالاً عنيفة. ورغم ذلك فإن الجماعة كانت تنفي ذلك بصورة دائمة رافعة شعار مرشدها محمد بديع "ثورتنا سلمية وستبقي سلمية" ثم شعار "سلميتنا أقوى من الرصاص".

فجأة وقبل أكثر من عام ونصف تبين أن جزءا فاعلاً من الجماعة كان متورطاً في أعمال عنف وإرهاب، هذا الفريق الذي يطلق على نفسه اسم "التيار الشبابي" كون فرقاً مسلحة، اعترفت بأنها هي التي اغتالت ضباط شرطة وجيش. والأهم أنها ارتكبت عمليات تدمير وتخريب العديد من محطات ومحولات وأبراج الكهرباء، الأمر الذي أدى إلى إظلام الكثير من القرى والمدن وتكبيد ميزانية الدولة خسائر ضخمة فوق ما تنوء به من مشاكل طبيعية، خصوصاً أن ذلك تزامن مع أزمة طاحنة كانت تنقطع فيها الكهرباء طوال الوقت عن المنازل والمصانع لنقص الطاقة وتهالك الشبكة القومية.

الذين ارتكبوا هذه الأعمال أطلقوا على أنفسهم "اللجان النوعية"، وبعضهم مقبوض عليهم الآن ويتم محاكمتهم بتهم كثيرة، منها اغتيال اللواء وائل طاحون والنائب العام السابق هشام بركات، وهم أيضاً المتهمون بمحاولة اغتيال الشيخ علي جمعة مفتي مصر الأسبق، قبل أسابيع قليلة .

في تقدير بعض المراقبين أنه عندما شعرت الجماعة أن الاندفاع في العنف، سيعزز من اتجاه أجهزة الأمن لتوجيه ضربة قاصمة لهم، ظهر فجأة ما يطلق عليه "الاتجاه السلمي" الذي يقوده ــ للغرابةــ التيار القطبي المتشدد تاريخياً داخل الجماعة بزعامة نائب المرشد محمود عزت. ويعتقد البعض أن هذا الانقسام كان مفيداً للجماعة إلى حد كبير، فهو يعطي رسالة للعالم الخارجي خصوصاً الغرب، بأن هناك تياراً مسالماً، وفي الوقت نفسه لا يتحمل تبعات لجوء قطاع كبير من الجماعة إلى العمل العنيف.

نتيجة لكل ما سبق فإن معظم من يتابع ملف الإخوان يؤكد جازماً بأن الدولة وأجهزة أمنها لا يمكنها إطلاقاً مجرد التفكير في المصالحة التقليدية مع الإخوان، طالما أنها ترفع السلاح، وطالما أنها تمارس التحريض العلني والسافر انطلاقاً من الداخل والخارج.

"منذ خلع الرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم في الثالث من يوليو/ تموز 2013، ثم فض اعتصام جماعة الإخوان في 14 أغسطس/ آب من العام نفسه، ارتكب الكثير من أعضاء الجماعة أعمالاً عنيفة".

من وجهة نظر الحكومة أيضاً، فإن حكاية التصالح التقليدية التي تمت بين الجماعة وكل من السادات ومبارك غير قابلة للتكرار، ليس فقط بسبب عنف الجماعة، بل وهذا هو الأهم أن غالبية المصريين ــ كما تقول الحكومة ــ لن يوافقون على هذه المصالحة بعد أن تورطت الجماعة في العنف والإرهاب، خصوصاً فيما يتعلق بتعطيل حياة الناس الطبيعية باستهداف شبكات الماء والكهرباء والمواصلات.

وبالتالي فإن المطروح الآن على أقصى تقدير هو أن تبدأ الحكومة وأجهزة الأمن في التفريق بين الجماعة كتنظيم وأعضاء الجماعة كأفراد.

في ظل هذه الصيغة فإن الحكومة ــ أغلب الظن ــ ستواصل ضرب واستهداف الجماعة كتنظيم خصوصاً في الشق الاقتصادي، لكنها قد تتسامح أو تترك الأعضاء العاديين بالجماعة يمارسون أعمالهم العادية من دون مطاردة أو اعتقال، طالما أنهم لن يعودوا لممارسة دورهم التنظيمي السابق، وشرط أن يتوقفوا بالطبع عن ممارسة العنف.

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل