المحتوى الرئيسى

الملحمة السوداء فى صلاح سالم | المصري اليوم

08/30 23:58

بالمصادفة ومنذ عدة سنوات عرفت من أحد مسؤولى محافظة القاهرة أن مسجد الرحمن الرحيم القائم فى طريق صلاح سالم لم يرخص له بدور مناسبات، إذ كنت قد تأخرت عن لقاء يفترض فيه أن أكون أول الواصلين باعتبارى صاحب الدعوة، وقدمت اعتذارى وشرحت كيف اضطرت السيارات أن تحول مسارها وترتد فى الاتجاه المعاكس، لتجد «تخريمة» تتفادى بها الانسداد الذى ترتب على تراكم السيارات لعدة صفوف بجوار المسجد حتى أغلق الطريق تماما.. وكان أحد المدعوين هو ذلك المسؤول فى المحافظة آنذاك.. ويبدو أن الأمر استفحل حتى تم إنشاء سور حديدى هائل يفصل بين الشارع الفرعى المحاذى للجامع، ووضعت الفواصل الحديدية المكتوب عليها مرور القاهرة خارج السور، ثم تم وضع «ونش» وعدة رجال شرطة لمنع اصطفاف السيارات، ومع ذلك لا فائدة!

وبعد مسافة من ذلك المسجد يقع مسجد الشرطة، حيث القبة المصممة على شكل قنبلة يدوية ونهاية المآذن على شكل طلقة رصاص، وفى الشارع الجانبى المجاور لمسجد الشرطة تقع إدارة المرور، وقبله بمسافة بسيطة يقع منزل كوبرى البعوث الإسلامية، حيث تنزل السيارات مندفعة أحيانا وبطيئة غالبا لأن صفوف السيارات وأعداد المشاة العابرين بدون أى إشارة وبدون خطوط مرور المشاة وبدون أى تنظيم من الجهات المسؤولة أعداد كثيفة، وكم حدثت حوادث دهس بالسيارات واصطدام وكم وقعت مشاحنات ومشاجرات بسبب خلل نظام سير السيارات وعبور المشاة وتنظيم الجنازات وتوافد المعزين للقاعات المخصصة للعزاء!

وعلى الجهة المقابلة يقع مسجد أبوالمكارم الزغل البعيد نسبيا عن الطريق الرئيسى، ولكن نشاط العزاء فيه وحركة سيارات المعزين يؤثران على المسار فى صلاح سالم، الذى يمر بعد ذلك على عدة دور تحمل أسماء بعض أسلحة وإدارات القوات المسلحة، وفيها أيضا تقام المناسبات المفرحة من أفراح وأعراس وعزومات!

هذا هو حال أحد الشرايين شديدة الأهمية فى حركة المرور بالقاهرة، التى يزداد طينها بللا فى الشارع نفسه عندما يتوزع بعد مسجد الشرطة بمسافة يسيرة إلى ثلاثة مخارج الأيمن يؤدى إلى شارع الجعفرى ومشيخة الأزهر ودار الإفتاء، والأوسط تدخل منه إلى نفق الأزهر، والأيسر يستمر بك إلى أن تصل لحديقة الأزهر ذات الصيت الذائع، ويبقى نهارك بلا نهار إذا تصادف وكنت فى تلك المسافة فى الفترة من بعد الظهر إلى المساء، حيث تتكدس السيارات وتبدأ الفهلوة والحرفنة فى فرض أنفسهما، إذ تأتى السيارات وخاصة نصف النقل والميكروباصات من أقصى اليمين لتقطع طريق الملتزمين بخط سيرهم متجهة إلى أقصى اليسار باتجاه القلعة، فتسد مدخل النفق ويعلو صوت آلات التنبيه وتتدفق وصلات الردح، خاصة من المعتدين الذين تكون أول صيحاتهم.. «إيه.. فى إيه.. عايز إيه.. يعنى اخبطك.. أنا عربيتى شوية صاج بشلن.. وممكن أعورك»!

نحن أمام لوحة شديدة الدلالات.. فالمساجد لله فى الأساس وجعلت لإقامة الصلاة.. والأصل فيها البساطة واليسر.. إلا أنك تكتشف حجم الفخامة وغزارة الإنفاق الذى لو خصص لحل مشاكل التعليم والصحة والإنتاج لساهم فى تحقيق أصل الأصول، وهو مساعدة خلق الله على أن يجيدوا مهمة الاستخلاف فى الأرض.. وطبعا فإن الشكر والتقدير والدعاء موصول لكل من أنفق من ماله فى هذا الشأن، لكنى أسأل أهل الذكر لأننى لا أعلم: هل يجوز أن تخالف المساجد القانون وتمارس أنشطة لم يرخص لها بها؟! وهل من الدين أن تتحول المساجد إلى سبب من أسباب استحالة الحياة السليمة للبشر؟!، وهل يجوز أن يستمر الوضع على هذا النحو دون أى حل؟!

إننا نتكلم عن قانون موحد لدور العبادة تتساوى فيه الأماكن التى يذكر فيها اسم الله، ولتكون كلها مصدرا للمحبة والسلام واحترام القانون وترشيد سلوك البشر، ولابد أن نتطرق وأن نناقش وأن تحسم الدولة هذا الوضع، كى لا تصبح كلها «مساجد ضرار» بصرف النظر عن نية ومقصد من تطوع خيرا ببنائها والإنفاق عليها.. إذ ما الضرار إلا أن يكون تحويل هذا الخير إلى مصدر يهدد حياة الناس وينسف احترام القانون؟!

ثم إن مشكلة الانفجار الصوتى عبر مكبرات الصوت مازالت تتفاقم، وأذكر هنا أن بعض الذين وضعوا مدخرات حياتهم فى شراء مسكن بمكان ظنوا أن فيه بعض الهدوء المفتقد فى القاهرة، يقفون عاجزين أمام الإصرار على وضع ثمانية أو عشرة مكبرات صوت فى مئذنة واحدة.. ثم ينطلق الصوت الخالى من أى نداوة أو حلاوة لينزل الرعب فى قلوب المسلمين، لدرجة أننى مثلا ذهبت إلى المسجد لأصلى العشاء وسألت عمن رفع الأذان وسألته عما إذا كان قد سمع الآية التى تقول «ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا» (الإسراء 110)، وعما إذا كان قد عرف أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمر بأن يكون بلال هو المؤذن، لأنه أندى صوتا.. وعما إذا كان من الضرورى الزعيق بأعلى درجة من صوت أجش خشن متحشرج عبر أعلى درجات للميكروفونات الثمانية خاصة أن هناك عدة مساجد مجاورة وأن عدد القاطنين قليل جدا؟!

وجاءتنى الإجابة التى ظن صاحبها أنها مفحمة: «طيب إحنا مابنشوفكش فى الجامع ليه»؟! وقد ظن أن من يتردد على المسجد الذى يؤذن حضرته فيه هو وحده الذى من حقه أن يتساءل أو أن يتكلم!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل