المحتوى الرئيسى

عبد الرحمن الخطيب يكتب: مشروع الجينوم الأمريكي للطب الشخصي والمشاريع النهضوية الإسلامية | ساسة بوست

08/30 20:11

منذ 11 دقيقة، 30 أغسطس,2016

بعد أن تم اكتشاف تركيبة الحمض النووي الـ «دي إن ايه» (DNA) في جسم الإنسان عام 1953 من قبل العالمان واطسون وكريك، تم الكشف عن أصل الحياة في الكائنات الحية ومنها تأسس علم الجينات (أو الوراثة) الجزيئية (Molecular genetics).

يعتبر الـ «دي إن ايه» خارطة الطريق (Roadmap) أو قاعدة البيانات (Database) لتشكيل مختلف الكائنات الحية حيث أنها لديها المخطط المحكم المتكامل لإرشاد الأحماض الأمينية لتتشكل وتتجمع بطرق معينة منظمة بدرجة في غاية الدقة لتكون البروتينات التي بدورها تعتبر مسؤولة عن تكوين الخلايا الحية فالأنسجة فالأعضاء فجسم الكائن الحي، حيث اختزل العلماء الكائن الحي في عمل الجينات.

يختلف الـ «دي إن إيه» من كائن لآخر وتختلف طبقا لها صفات وأشكال هذه الكائنات. هناك عدة عوامل تؤدي إلى اختلاف هذه الخارطة أو المخطط بين الكائنات الحية وبين البشر بصورة خاصة:

الخلايا في الكائنات الحية تنقسم بشكل مستمر ومتتابع وفيها يتم انقسام الـ«دي إن إيه» ومضاعفته، وفي حال الإنقسام والتضاعف فإن احتمال تكون خلل أو اختلاف في هذا الحمض النووي واردة ومثبتة علميا وهي ما تسمى بالطفرة الجينية ولها عدة طرق معقدة. في حال التكاثر عندما يعطي الذكر الحيوان المنوي إلى بويضة الأنثى، فإن الجنين الناتج عن عملية اللقاح يأخذ نصف الـ «دي إن إيه» عن طريق الكروموسومات من الأب والنصف الآخر من الأنثى وهذا يؤدي إلى الاختلاف بين الأب والأم والجنين وهو مثبت علميا أيضا. أشارت الأبحاث مؤخرا إلى أن العوامل البيئية والثقافية والسلوكية للكائن الحي تساهم في التغير الجيني، حيث وجدوا أن الجينات المسببة للسمنة لدى الأمريكان تختلف من مواليد ما قبل الحرب العالمية الثانية عن ما بعدها وذلك بسبب اختلاف نظام الحياة وانتشار الوجبات السريعة.

الجدير بالذكر أن بعض هذه التغيرات في الجينات هي سبب الأمراض الوراثية أو أنها تجعل الشخص قابل للإصابة بمرض معين إذا وجد مؤثر خارجي، وأحيانا بدون خلل في الجينات، فقط بمؤثر خارجي داخل الخلية تتغير البيانات الجينية المترجمة.

إذن ماهو الجين (gene)؟ لا يوجد جواب واضح وصريح لهذا السؤال إلى الآن ولكن هو عبارة عن «شفرة» أو «رمز» تم تخزين المعلومات التخطيطية فيه ويتكون من جزء من حمض الـ «دي إن إيه» حيث تتم فك شفرته لاحقا في خلايا الجسم ليتكون منها البروتينات. باختصار، يمثل العلماء للـ«دي إن إيه» كالمخطوطة والجين كالكلمات في هذه المخطوطة.

بعد اكتشاف الـ«دي إن إيه» عكف العلماء على دراسة هذه الجينات وتحليلها ودراسة شفراتها وطفراتها وكيفية استخدامها ونشأت عن ذلك عدة علوم منها علم الجينات السلوكي والبيئي والتطوري والبشري والطبي والهندسة الوراثية.

مشروع الجينوم الأمريكي للطب الشخصي

بعد اكتشاف نظرية التطور وعدة اكتشافات بعدها تم وضع نظرية التطور الجديدة التي تقول بمركزية الجين (Central dogma) ومسؤوليته في جميع التغيرات والتطورات البشرية. بناء على هذه الفلسفة والعقيدة المركزية واختزالية المرض وعمل الكائن الحي تحت ما يسمى الجين، أطلق المعهد الوطني للصحة بأمريكا «مشروع الجينوم البشري» وكان من أهدافه بعد معرفة التركيب العام لكل الجينات في الإنسان، محاربة أي تغير جيني يسبب مرض ما لأي فرد يحصل في المستقبل. من هذا المنطلق وأيضا بما يتوافق مع أيديولوجيا «الليبرالية الجديدة» القائمة على تقديس الفردية، تم استحداث «الطب الشخصي» أو «الطب الدقيق» والذي تقوم فلسفته ببساطة على ثلاث مراحل متتابعة للتعامل مع المرض:

أوجد الجين المختل الذي طرأت عليه الطفرة (سبب المرض) أصلح هذا الجين (العلاج) يتعالج المريض

الجدير بالذكر أن مشروع الجينوم تم التخطيط له بصورة فائقة التنظيم حيث تم وضع خارطة طريق شاملة «Blueprint» له سنة 1988 متبوعا بخطط خمسية على أن يتم إنجاز المشروع في خمسة عشر سنة. وفعلا تم انجاز المشروع «قبل» الموعد المخطط له.

بعد انتهاء المشروع، تم صرف مئات مليارات الدولارات على الطب الشخصي لمعرفة الطفرات الجينية المتلازمة مع أي مرض، محاولة لايجاد علاجات لهذه الطفرات. وقد أطلق الرئيس أوباما السنة الماضية مبادرته لعلاج السرطان حيث سماها (Cancer Moonshot) وهي عبارة عن استعارة لفكرة إطلاق مركبة فضائية إلى القمر التي كانت في عهد الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي.

الانتقادات والدعوة للمراجعة وإعادة النظر

بعد مرور عدة سنوات من استحداث الطب الشخصي أو الدقيق، تشكلت نسبة كبيرة من المعارضين وهي في تزايد مستمر لهذا التوجه الجديد في الأبحاث الطبية. وكان أهم أسباب اعتراضهم ودعوتهم لإعادة النظر هي الآتي:

الكثير من الأمراض «كمرض فقر الدم المنجلي» مضى على اكتشاف الخلل الجيني المسبب له أكثر من خمسين سنة وجهود بحثية هائلة تبذل بدون أي نتائج مفيدة لعلاج هذا المرض على المستوى الجيني. الطفرات والتحولات الجينية لكل مرض تصل إلى المئات بل إلى الآلاف، وعليه فإن تحليلها وإيجاد علاج لكل واحد منها يعتبر مهمة شاقة جدا وستكلف مبالغ هائلة بدون نتائج مفيدة (هذه النتيجة بناء على المخرجات الحالية). النظرة «الإختزالية» للكائن الحي والعقيدة المركزية التي تؤمن بمركزية الجينات وأنها أساس تكوين الخلايا وأساس التغيرات خاطئة، وقد تم اكتشاف عدة عوامل أخرى تسمى بما فوق الجينات (Epigenetics) تساهم في اختلاف الكائنات. وهؤلاء ينادون بالنظرة المتكاملة للإنسان بدل إختزالة في سبب معين. التعقيد والتكيف الطبيعي لمعظم الأورام يحبط النظرة التفاؤلية بإمكانية ايجاد علاجات جزيئية تهاجم الجينات المسؤولة عن الورم. خفض نسبة الدعم للأبحاث العامة في المجالات الطبية والتركيز على الأبحاث الجينية بالرغم من معظم نقاط التحول في رفع متوسط الأعمار وخفض معدل الوفيات والإصابات كانت بسبب الأبحاث العامة التي تنظر للناس بمجموعهم مع مراعاة الإختلافات البيولوجية العامة كالعمر والجنس والعرق وليس النظر لكل فرد على حدة. فمثلا اكتشاف المضادات الحيوية والانسولين والتطور في الجراحة أحدثت ثورات طبية هائلة لصحة الإنسان. مئات المليارات من الدولارات تم صرفها إلى الآن لخدمة هذه الأبحاث بدون نتائج فعالة من حيث خفض معدل الوفيات والإصابات ورفع متوسط العمر لدى الشعب.

الدروس المستفادة و المشاريع النهضوية الإسلامية

قال تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وقال سبحانه «إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم»، وقال جل شأنه «قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا»، وقال تبارك وتعالى «تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا»، وقال عز وجل «وما أرسلناك إلا كآفة للناس بشيرا ونذيرا».

وبناء على كل ما سبق، فإني أولا أعتقد اعتقادا جازما بأن الإسلام هو الحل لتخليص البشرية من المأزق الذي تعيشه وتحويلها من الحيوانية إلى الآدمية المكرمة، ثانيا نحن مسؤولون بأن نحدث التغيير المطلوب في هذا الكون حتى يمشي على منهج الله، ثالثا قيم الإسلام حتى تنشر لابد من وعمل جهاد وعزم ومصابره، رابعا من يرفع اسم النهضة والتطور لابد أن يكون على درجة من الوعي والمسؤولية بما ينادي به، وأخيرا فإن الإسلام هو عبادرة عن قيم ورؤى وارشادات سامية تدعو للنهضة والتطور بالبشرية جمعاء وليس لطائفة أو فرد أو حزب أو جماعة أو عرق معين.

انطلاقا من عالمية الدين الإسلامي ومن قوله تعالى «وفي أنفسكم أفلا تبصرون»، وقول الشاعر العبقري:

وتزعم أنك جرم صغير ** وفيك انطوى العالم الأكبر

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل