المحتوى الرئيسى

«فيفا ماريا».. فيفا الحسن والشباب! | المصري اليوم

08/29 21:26

ضرب عنوان الفيلم ناقوسا فى ذاكرتى. لذلك بادرت بسؤال صديقى، الذى يكبرنى ببضعة أعوام، فضحك مقهقها أنه شاهد الفيلم فعلا، وقت أن كان تلميذا فى المدرسة الإعدادية، ذلك أنه صادف أن لاقى أحد زملائه وهو متجه إلى سينما الجمهورية، فقال له الزميل: «اذهب لسينما ريفولى وشاهد فيلم (فيفا ماريا)، فبريجيت باردو أظهرت صدرها».

نطقها- بالطبع- بالكلمة العامية الدارجة التى لا أجرؤ على كتابتها فى هذا المكان المحترم. وبالفعل- يواصل صديقى- ذهب إلى سينما ريفولى، حيث كان الجميع بانتظار اللقطة الموعودة، التى جاءت بالفعل ف(هيصت) السينما بكاملها. ثم مرت السنون ونسى الموقف بأكمله، حتى ذكرته به فى هذه اللحظة!

بدأت أشاهد الفيلم وأنا أبتسم. اسم «بريجيت باردو» يحمل لى انطباعا سيئا. الدعوة للانحلال والفوضى الجنسية، وسب المسلمين واتهامهم بالوحشية كل عيد أضحى. وفى الجملة انطباعى عنها أنها امرأة تعيسة. ولشد ما بدا لى سلوكها مستغربا حين كانت تطالب بالحرية الجنسية الكاملة، فالأنثى بضاعتها الغواية، وليست بحاجة مطلقا أن تكون الداعية! فهى فى فتنتها الفطرية مطلوبة لا طالبة، مرغوبة قبل أن تكون راغبة. لا تحتاج إلى أكثر من لفتة ونظرة. فيسعى الذكر المتحمس خلفها. هكذا رتبت الطبيعة للإناث فى كل الخلائق. لكننى فهمت كل أحوالها حين رأيتها فى أول لقطة.

البنت كانت فى ربيع الربيع. لاحظ أن الفيلم تم إنتاجه عام ١٩٦٥. شفتاها فراولتان دسمتان ممتلئتان بالرحيق. وعيناها الشبيهتان بعينى القطة، المؤطرتان بكحل عميق، الواسعتان توشكان أن تحتلا نصف وجهها، تلمعان ببريق خفى. وشعرها جمة ذهب يتلألأ فى أشعة الشمس. وجسدها الباريسى الممشوق، فى فستانها الأنيق الذى يبرز محاسن أنوثتها، يذهب بحزم اللبيب. وحتى حين ترتدى زيا رجوليا فإنها تبدو أكثر فتنة. وفى الجملة يصعب أن تصدق أن هذا الجمال الباهر مجرد حيلة الطبيعة لإنجاب ذرية واستمرار الحياة، بل هو لمحة تمرر لنا ما يكمن فى هذا العالم من جمال.

وعادت إلى ذاكرتى صورة بريجيت باردو الحالية وفهمت لماذا هى امرأة تعيسة، ولماذا صارت، بعد أن فقدت شبابها، تتخبط فى دروب الضياع. هى لم تصدق أن تسلبها الأيام فى مرورها تلك الهبة الاستثنائية، وأن صباها ما هو إلا وديعة، تستردها الأيام لتمنحها لصبية أخرى، تاركة إياها للحسرة والضياع.

قصة الفيلم أعتقد أن أحدا لم يهتم بها. المناضلة الأيرلندية ضد الاحتلال البريطانى، التى تنسف الجسور وتقتل الجنود، انضمت فجأة لفرقة استعراضية تجوب البلاد. وأثناء رقصة الحب تتلو أشعارا تتغنى بروعة باريس.

الأشعار على سذاجتها ساحرة، تليق بغادة باريسية لا هم لها سوى الحب. والبنت وهى تغنيها شهية كثمرة فاكهة فى تمام نضجها. آه ما أعظم عطية الشباب وأروع الحسن والجمال! من المؤسف أن شباب اليوم لا يدركون أنها كأس دوارة سرعان ما تنصرف عنهم، وتجدهم بدلا من أن يستمتعوا برشف الكأس حتى يُنزع منهم، فإنهم يضيعون لحظاتهم النادرة فى الشكوى والملل. ذلك أنهم يتوهمون أن الشباب سوف يدوم إلى الأبد. ولا يصدقون أبدا أنهم فى طريقهم إلى وجه مجعد وقوام بدين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل