المحتوى الرئيسى

إصلاحات وطنية.. للحكومة المستقوية! | المصري اليوم

08/28 22:26

التاريخ هو معمل التفريغ للحاضر والمستقبل.. دروسه مهمة رغم اختلاف الزمن والشعوب والقادة.. الماضى هو ذخيرة الواقع ومصابيح الطريق.. ليس ضروريا أن نستلهم منه حلولا للأزمات، لكنه الدرب الوحيد الذى ينبغى أن نتعلم منه.. فهو إضاءة ضرورية للمشكلات.. عام 1789 اندلعت الثورة الفرنسية.. تصور المؤرخون أن السبب كان الضرائب التى فرضها الملك والنبلاء والإقطاعيون على الطبقة الكادحة وتم إعفاء كريمة المجتمع منها.. كان العمال والفلاحون والأطباء والمهنيون عموما يسددون ضريبة ما يسمى بـ«العشور» بالخزانة العامة.. الرسوم فرضوها على الصيد وعصر العنب والزيوت بالإضافة إلى حق الحصول على جزء من المحصول..

ما كتبه فولتير ومونتسكيو وجان جاك روسو حملة التنوير فى تلك الفترة يختلف عما تركه لنا مؤرخون لاحقون قالوا إن فساد لويس الرابع عشر وبذخه واستهتار زوجته وجملتها الخالدة «إذا لم يجدوا خبزا فليأكلوا جاتوه» فجر الثورة.. النخبة الفرنسية كانت لا ترفض فرض ضرائب على الشعب ولكن الاعتراض كان على التمييز.. أن تتفوق طبقة على أخرى.. أن تتمتع أقلية بخيرات الأغلبية.. من ثم دعا الملك لويس الرابع عشر مجلس طبقات الأمة للانعقاد بحثا عن حل- ولم يكن المجلس قد اجتمع منذ مائة عام- لكن الشعب رفض العرف الذى ظل سائدا بأن يجتمع ممثلو الطبقات فى ثلاث قاعات منفصلة.. النبلاء فى واحدة ورجال الكنيسة فى الأخرى وعامة الشعب فى الثالثة.. هنا أعلن ممثلو الشعب (العمال والمزارعون والمهنيون) أنهم أسسوا الجمعية الوطنية «البرلمان فيما بعد» وطلبوا من الملك والنبلاء ورجال الكنيسة الحضور لهم.. كانت هذه هى الشرارة.. أمر الملك بفض الاجتماع بالقوة.. فاندلعت الثورة..

من ثم لم تكن الثورة لتندلع إذا استجابت الطبقة العليا لدفع ضرائبها وتخلت عن سياسة البذخ.. فإذا كانت «لو» تفتح عمل الشيطان فهى تغلقه أيضا.. لو أخذ الملك بنصيحة العقلاء لظلت فرنسا ملكية مثل إنجلترا على الشاطئ الآخر للمانش يملك ولا يحكم.. لكنه التاريخ..

هذه المقدمة ضرورية لألفت انتباه القيادة السياسية إلى أن هناك مقترحات مصرية صميمة للخروج من الأزمات الاقتصادية.. لكن المشكلة أن البعض يرى النقد مؤامرة.. والنصح أجندة خارجية.. والرأى المخالف خيانة!

مثلا أسوق لكم حلا توصل إليه المنتدى الوطنى الذى عقد فى نقابة التجاريين بمارس الماضى، ولم يذكر الإعلام شيئا عنه حيث لم يفتتحه رئيس الوزراء أو حتى وزير.. قرارات المؤتمر توفر 110 مليارات جنيه لمصر فى شهرين وبدون قروض أو ضرائب.. كيف؟

توصيات المؤتمر كانت الحصول على 50 مليار جنيه فروق أسعار الأراضى المخصصة بأقل من أسعارها و20 مليار جنيه من أموال الصناديق الخاصة و15 مليار جنيه من دعم الطاقة والصادرات و15 مليار جنيه من الاحتياطيات العامة ومصروفات المستشارين فى الدولة و10 مليارات جنيه من الضرائب التصاعدية.. وقد أشار اقتصاديون يساريون إلى مقترحات أخرى مثل ضريبة الثروة لمدة عشرة أعوام لكل من تزيد ثرواتهم عن 150 مليون جنيه وفرض رقابة برلمانية وشعبية على كل جنيه يدخل ويخرج، لكن هذه آراء راديكالية إلى حد ما وربما تؤدى إلى هروب رؤوس الأموال.. من ثم فإن ما عرضته يقتصر على توصيات مؤتمر مصرى وطنى لكنه لا يعجب الحكومة.. لابد أن تكون الحلول منها فقط وماعدا ذلك يذهب جفاء!..

خذ مثلا قانون الرسوم القضائية انتقدناه لكنه نقد لا يعجب المسؤولين.. بل إن أحد القضاة وهو المستشار إيهاب وهبى الأمين العام لتحالف شباب الاستقرار والتنمية اعترف بأن هذا التشريع يزيد الأعباء على كاهل المواطن الغلبان ويمثل إهدارا لحق اللجوء للتقاضى لأخذ حقه.. هذا ما يقوله أحد رجال السلك القضائى الشرفاء الذى يؤكد أن دفع رسوم للمطالبة بالحق هو ظلم مقنن وإهدار لحق دستورى أصيل.. ويضيف المستشار أن الخوف مع زيادة الرسوم للقضاة والمحامين والشرطة وغيرها أن يلجأ المواطن لأخذ حقه بيده ونصبح غابة..

أما بالنسبة لارتفاع فواتير الكهرباء التى شكا منها الفقراء خصوصا بعد تصريحات وزير الكهرباء بأن من يملك ثلاجة لن يدفع أكثر من 50 جنيها وأنه هو شخصيا لا يدفع أكثر من 250 جنيها رغم وجود تكييف فى منزله.. يقول الإخوة الذين يدافعون عن ارتفاع شرائح الكهرباء قدموا حلولا بديلة بدلا من الانتقاد وتضليل الرأى العام..

أيام د. حسن يونس وزير الكهرباء المحترم تم عمل دراسة عن مبنى التليفزيون (40 ألف موظف) ومجمع التحرير بصفتهما أضخم المبانى الحكومية وأكثرها موظفين لمعرفة الفرق فى استهلاك الكهرباء والمياه بين أيام العمل وبين العطلات الأسبوعية والرسمية فكانت النتيجة صادمة حيث تراوح الفرق بين 10 و15 % وبعدين الوزير يقول لك حنجيب منين.. حاسب سيادتك الإعلانات المضيئة فى الشوارع والطرق والكبارى بألف جنيه للكيلووات (إيجار الإعلان المضىء على كوبرى أكتوبر 6 * 10 متر يساوى 6 ملايين جنيه فقط سنويا) اجعلها 60 مليون جنيه فى الأماكن المميزة و30 مليونا فى الأماكن الأقل مشاهدة.. ممكن سعادتك تلم ملايين من تخفيض الـ 3 دولار من سعر الغاز.. ممكن تلم فلوس من أصحاب الشون والصوامع الذين ينهبون الدعم بالمليارات ويقدر ما أهدروه هذا العام فقط 5 مليارات جنيه.. هناك آلاف الحلول بدلا من إلقاء كل شىء على الغلابة..

ثم نجىء لقضية الفساد.. الرئيس تحدث للصحافة القومية عن معجزات تفوق الخيال فى العامين الماضيين وأخرى جبارة فى العامين القادمين.. وإذا كنت سأصدقه فلا أستطيع إغفال الفاسدين الذين يمصون دماءنا ويشفطون هواءنا ويتركوننا عظاما مكسوة لحما!!

الفساد يجعلنا ذئابا وحملانا نعيش فى حظيرة واحدة.. والنتيجة معروفة.. فى حديث المستشار جنينة لـ«المصرى اليوم» إصرار على الرقم الذى ذكره سابقا وهو 600 مليار جنيه فى عام واحد، أى 50 مليار دولار وهو 4 أضعاف قرض الصندوق.. قد يكون جنينة إخوانيا لكن إصراره على أرقامه يزيد الشكوك.. أن الفساد هو أقوى مؤسسة فى مصر.. وكأنه يقول ما قاله حسن البارودى فى فيلم الزوجة الثانية «البلد بلدنا والفساد فسادنا وانظروا ماحدث لجنينه».. ثم تبرز قضية استقالة وزير التموين.. وهنا لابد من التساؤل لماذا تأخرتم عامين عن كشفه؟ هل دوره انتهى؟ هل غضبوا عليه؟ هل تفوه بكلام لا يليق.. لكن أن يتم «تسليط» الإعلام عليه فجأة.. فلا مؤخذة هذا الأسلوب انتهى..

ثم تقرأ على موقع شهير «التحرير» أن وزارة الأوقاف كلفت إحدى شركاتها بتشطيب شقة د. مختار جمعة وزير الأوقاف بالمنيل بـ 722 ألف جنيه وأرفقوا الفواتير على موقعهم.. التصرف العادى أن يسأله البرلمان أو يصدر هو تكذيبا للخبر.. هذا التمييز هو الذى يخلق فجوة بين المواطن والدولة والحكومة.. عندما يؤكد عبد المنعم مطر رئيس مصلحة الضرائب لصحيفة الوطن أن الجميع يدفعون الضرائب بما فيهم مؤسسة الرئاسة ورئيس الجمهورية ما عدا نواب البرلمان الذين استثنتهم اللائحة الجديدة من ضريبة كسب العمل، وهى سابقة تحدث لأول مرة، فهذا التمييز يعمق الفجوة بين الشعب الفقير وممثليه ومنهم من لا يحتاج المكافأة أساسا، ولم يكن هذا القانون معمولا به من قبل..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل