الباشا | المصري اليوم

وصلتنى من الدكتور وئام فريد هذه القصة الكاشفة لنظامنا الطبى. والتى تلخص عيوبه بسوء الإدارة وضعف الامكانيات.

«عملت تحت إدارته فى مقتبل عملى. كنت طبيبا مقيما فى قسم الجراحة، تركت للتو كتبى وبدأت أتعرف على المجتمع من حولى.

أما هو فكان مدير المستشفى. جراح واستشارى قديم، جبار وسليط اللسان، يخشاه الأطباء والموظفون لفحش لسانه. كنت أعمل تحت رئاسته فى قسم الجراحة وتحت رئاسته كمدير، فكنت أراه يوميا. وعندما تدق الساعة الثانية ظهرا أتلو الشهادتين أن اليوم مر على خير بدون أن يمسح بكرامتى الأرض.

كان يرانى مجتهدا وكنت أنظر إليه كفرعون. يأتى إلى مكتبه كل يوم فى التاسعة بتكشيرة هائلة ومشيته المتعالية المميزة يحمل تحت إبطه حقيبته الجلدية. يطلب القهوة ويطلب من سكرتيرته استدعائى. عندما أصل للمكتب يكون قد أنهى فنجان القهوة الثانى وسيجارته الثانية ويقول: (أخبار العيانين بتوعى إيه؟)، فأقوم بسرد أخبار مرضاه فى مختلف أدوار المستشفى.

نسيت أن أقول إن مكتبه هو أضخم غرفة مكتب رأيتها فى حياتى. كنت أمشى طويلا داخل الغرفة حتى أصل إلى المكتب. وبعد أن يطمئن على مرضاه يطلب رئيسة التمريض لتحضر له تذاكر دخول المرضى الاقتصادى فى المستشفى ليقوم بالتوقيع فيها ليسجل له محاسب المستشفى مرورا.

بعد انتهاء هذا الروتين الصباحى يبدأ زواره فى التوافد: صديقه فى الحزب، أصدقاؤه فى الشرطة، و(الحاج منجى) الذى يسهر معه فى النادى كل ليلة، والذى سيكون له شأن مهم فى هذه القصة.

ثم جاء يوم أخبرنى فيه أنى سوف أساعده فى عملية كذا غداً. كنت قد ساعدته قبلا فى عدة حالات كمساعد ثان. كان يبدأ هو الجراحة ليكملها وينهيها المساعد الأول. فقد كانت مهارة الباشا الجراحية (بعافية شوية)! فى ليلة العملية قرأت خطوات الجراحة على سبيل الاحتياط. فى اليوم التالى أسقط فى يدى لما رأيت الباشا يدخل إلى العمليات وحيدا، ووجدت نفسى المساعد الوحيد. أمسك الباشا بالمشرط وفوجئت بأنه يعطيه لى فقلت له: (سيادتك؟)، فقال: (افتح. أنا باديك الفرصة).

تصببت عرقا وتوكلت على الله وانزلقت فى خطوات الجراحة. مرت العملية على خير بفضل من الله وحده، بعد توقف قلبى عدة مرات من الرعب وشخط الباشا!

كان وجه الباشا يتميز بسمرة غريبة تشبه سمرة تراب أرضنا الطيب. عرفت حينما جاء اليوم الموعود أنها بسبب تليف الكبد. حينما جاءنى فى الساعة الثانية صباحا عامل الطوارئ صارخا: (الحق الباشا بيرجع دم).