المحتوى الرئيسى

ذراع وحيدة وبيت

08/28 14:44

أستلم الشهادة كل شهر، قلبي كان يخفق بشدة لرؤية درجاتي دون المستوى كأن هذه الشهادة ليست لي، عقوبة ما تختبئ في البيت منتظرة.

لحظة وصول هذه الشهادة لتظهر، ألعب مع زملائي في الصف٬ تنتابني نوبة شقاوة وأحيانًا نوبة عنف٬ أصيب أحدهم بجرح في أذنه، عقوبة أخرى تنتظر.

لم يكن لي مخرج من هذا اليوم٬ تجاهلت تحذيرات أمي للسير وحدي بعد المدرسة "حد هيخطفك ويسرق الحلق والسلسلة"، بعد أن خلعتهم.

هذه المرة استجمعت شجاعتي ومشيت في الطريق المؤدي إلى بيت مخلصتي وجدتي، أقنعها بالقدوم معي للمنزل وندّعي معًا أننا التقينا صدفة٬ تمر المصائب كلها دون خدش بسبب حضورها اللين٬ تسامحني أمي، وتختبئ العقوبة مرة أخرى لتؤجل ظهورها لكارثة جديدة سوف تأتي بالطبع.

عرفت اليوم أنها ستخلصني هذه المرة أيضًا مثلما فعلتْ دائمًا٬ استأذنت للخروج من عملي ساعتين قبل موعدي وتوجهت٬ مررت بالمدرسة والشارع الصاخب مرورًا بالسوبر ماركت الذي طالما اشترت لي منه "كوكو واوا" ولبن رائب. اكتفيت بشراء الرائب بعد أن أوقفوا إنتاج "كوكو واوا" ليحرموني من استخدام كُرَته الحمراء لصبغ شفاهي، واضطررت بعدها للاعتماد على زبدة الكاكاو ثم أحمر الشفاه.

السلم المؤدي للطابق الأول لم يتغير، ما زال مظلمًا رغم نور الشمس الخارجي٬ يزيده رعبًا المخزن الدائري المكوم في بئر السلم كشبح بدين، السلم أصبح أصغر وباب شقتها الآن أقصر، وشرّاعة بيضاء كنت أقف على أطراف أصابعي لأرى العالم من ورائها، واليوم لم أنتبه لها.

فتحت لي الباب إحدى الغريبات اللاتي يجلسن معها أحيانًا، ربما لإعطائها ونسًا مزيفًا أو مساعدة مؤقتة، كانت تجلس على كرسيها الأسود٬ وددت أن تحتضنني ولم أستطع٬ ولم تستطع أيضًا، ذراعاها لم تعودا تستطيعان أن تعتصراني اليوم بعد أن كانت تحملني كلي، جلسات العلاج الطبيعي لها تأثير كالسلحفاة. جلست بجانبها واكتفيت بوضع رأسي على حجرها لأتنفس رائحة اللافندر وأخرج دموعي، لم تسألني ما بي ولم تفزع٬ فقط وضعت يدها السليمة على رأسي وباتت تمسحه وتدندن بشيء لا أعرفه، لم أسأل أيضًا.

ثم قالت "شعرك زعلان وخشن.. ضفريه هيرجع حلو"، ثم سكتت برهة أخرى واستأنفت.

"مفيش حاجة بتستنى، فمتستنيش حد ولا حاجة، أنا وأنا قدك كنت اتجوزت واترملت، ومدمعتش بجد إلا أما بنتي ماتت٬ أول حتة ف ضهري اتكسرت يومها"، ثم سكتت حتى عن هدهدة شعري.

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل