المحتوى الرئيسى

سأنجب بنتا... أيها الدواعش!

08/28 00:25

مشاركة من صديقة (إرفع صوتك) حسناء جهاد بو حرفوش:

في القرن الواحد والعشرين وفي مناطق من لبنان (نعم، لسنا في الهند والصين حيث ما زال عرف العار الذي يسمح بالإبقاء أو إنهاء الحمل بحسب جنس الجنين، قائما في بعض المجتمعات)، ما زال الرجال يتحدثون كما النسوة عن جنس المولود المنتظر ويتفكرون في مصيره والقيمة المضافة (أو لا) التي سيحضرها إلى العائلة. تدق ساعة الحقيقة اعتبارا من الأسبوع الـ16 (وأحيانا الـ 12) حيث يمكن للأهل اكتشاف جنس الجنين بفضل التطور في تكنولوجيا المعدات الطبية، لتبدأ من بعدها رحلة تحديد المصير: تنتظرون ولدا، لعله يتبع خطى أبيه ويحمل عنه عبء العمل.

تنتظرون “بنوتة”. فصمت مطبق.. ما الداعي منذ البداية للتخفيف من وطأة كلمة “بنت”، هل تصبح “نوتة” موسيقية أقل إزعاجا؟ “بنوتة” يقولون..

وللأم قد يضيف البعض: لا ما رديتي حقك! (لم تسددي الثمن الذي دفعناه لقاءك). عبارة محجِّمة للأنثى والأم ودورها ولو خُففت بأسلوب الدعابة. وماذا عن إزعاج المتطفلين؟ “لا بأس، لعلك –تزينيها- بولد لاحقا”، ومنذ متى البنين “زينة”؟ لقد ورد في القرآن الكريم أن البنين والبنات على حد سواء هم “زينة الحياة الدنيا”.

العنصرية تكمن في التقسيم الخاطئ للأدوار بين الذكورة والأنوثة منذ البداية، وهو أمر بغير حق ولا يمتّ للمنطق بصلة ولا يختلف كثيرا عن عمليات الإجهاض الإرادية. فحين يحجّم دور البنت، تُقتل للمرّة الأولى في رحم أمها. وكيف ننتظر من الفتاة أن تشرق في مجتمعها الشرقي بينما صنفت في خانة “العالة” و”الهمّ الذي يرافق أهلها إلى الممات”، وهي ما زالت في ظلمة الرحم؟

“سأعلّمها”، أقول ويجيبون: ليس هناك أكثر من المتعلمين، وشهادتها ستعلق في المطبخ. إلى هؤلاء أقول: لن أدعو ابنتي إلى التحرر الأعمى من الذكور لمجرد أن المجتمع غبي وجاهل، فإنما هي إذا أُعدّت جيدا، أعدت أمة تقرأ، أما إذا أهملتها أعدّت من هي مثلكم. لا تنادوا إلى التحرر الأعمى بين شطري الفجور والاستعباد، فلا الفجور كان يوما حرية حقة ولا الاستعباد حلّ حرية في الخفاء.

إنما الحرية الحقة هي الحقّ في الحياة والفرح وهي تحقيق الذات. وهو نقيض كل التصنيفات المتطرفة ومنها الداعشية. فبالنسبة لداعش، كل ما في الفتاة عورة، بئس الفتنة التي يولدها شعرها ولو أمسى أشعثا وباهتا من غبار الدمار. صوتها فتنة، لا إن غنت بل إن حكت، ولا لوم للجانب اللغوي بحروفه الرنانة: صباح الخير، عبارة طويلة وتضج بتنهيدة رفع الألف. فما بك بـ”هاي” تنطق بها الأجنبيات الهاربات إلى جحيم “الجهاد”. وما بك بطفلة تبكي.. لعل صوتها يؤرق المحاربين ويحرك فيهم غريزة النكاح معاذ الله.

بالأمس ضجت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بصورة ليست بحديثة، تقول إن فرنسا هي “المرأة العارية” وليست “بكيس قمامة” في كاريكاتير يسخر من لباس المنقبات من المقيمين على الأراضي الفرنسية. فماذا عن هذا التشبيه؟ أهو أقلّ داعشية من إغراق المرأة بالدونية؟ لأن لا محور للصورة سوى المرأة وبوجهين: العارية والمشبهة بكيس القمامة.

يطالعنا في هذا السياق إعلان سابق اشتهر في مصر، يقارن المرأة بحلوى الـ “مصاصة” (اللذيذة والدبقة! أهي رسالة ذكورية تدحض “تطفل” المرأة على المجتمع الشرقي؟)، التي تجتذب الذباب إذا كانت مكشوفة وتبقى “عذراء” لدى تغطيتها.. لا يغِب عنكم أن الصورة الأكبر تبقى أن المرأة ما زالت تُستخدم كسلعة للتسويق، وهذه المرة ها هي تسوّق للتمييز الطائفي وبحجج مختلفة. فأين الحرية في تحديد اللباس طالما أنه لا يخدش الحياء المجتمعي (يبدو أن المجتمعات باتت خجولة جدا في أيامنا هذه!) بمعنى التجمعات الحضارية وليست الداعشية!

أما أنا وفي غمرة القلق العاصف من فتنة النساء، فأنتظر طفلة.. وسأنجبها وأحبها كما أدين لها وسأعلّمها كيف تزرع العلم في نفوس الآخرين. سأعلمها مبادئ التسامح والمحبة واحترام الآخرين على اختلاف معتقداتهم وأجناسهم وميولهم لأن ما حشرنا في الزاوية الداعشية منذ الأساس هو أن معظمنا لم يحفظ من الدين سوى أن للذكر الحق في أربعة إناث!

عن الكاتبة: حسناء جهاد بو حرفوش، دكتوراه في الآداب الحديثة، متخصصة في المدونات اللبنانيّة (1914-2014) في جامعة السوربون الفرنسية وجامعة بيروت العربية. حائزة على ماجستير في الأدب الفرنكوفوني. حائزة على منحة “ميد أكوي” للتفوّق العلمي. صحافية ولها عدة ترجمات. أستاذة محاضرة في عدة جامعات لبنانية في اللغات الأجنبية والكتابة الإبداعية في الإعلام الحديث والمسرح، ولها مشاركات ومنشورات في مؤتمرات ثقافية.

لمتابعة حسناء على فيسبوك إضغط هنا. 

 الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

أطلقت حملة “إرفع صوتك” بهدف تشجيع الشباب في الشرق الأوسط على أن يكونوا جزءاً من النقاش الدائر حول مواضيع التطرف والأسباب التي أدت الى ظهور الإرهاب. ففي وقتٍ تستمر وسائلُ إعلامٍ مختلفة بعكس اهتمامات ومصالح سياسية وإثنية معينة، أوجدت فروع شبكة الشرق الأوسط للإرسال (قناة “الحرة” وراديو “سوا” والقسم الرقمي للشبكة) لنفسها مصداقية مهنية مهمة وسط أجواء الانحياز التي تعمل فيها وسائل إعلام مختلفة، وذلك بتقديم الأخبار والمعلومات الدقيقة والموزونة.

متابعة خالد الغالي: تُحقق السلطات البريطانية فيما إذا كان الطفل ذو الملامح الغربية الذي ظهر في...المزيد

متابعة حسن عبّاس: خلال 48 ساعة سيحسم القضاء الفرنسي قضية حظر لباس البحر الإسلامي (البوركيني)...المزيد

متابعة حسن عبّاس: باشر الجيش التركي، مدعوماً من طائرات التحالف الدولي ضد داعش، فجر الأربعاء،...المزيد

متابعة خالد الغالي: أظهرت صور نشرتها صحيفة “الديلي ميل” البريطانية قيام أربعة من رجال الشرطة الفرنسية بإجبار سيدة...المزيد

متابعة خالد الغالي: في أقل من يومين، أعلنت الحكومة التركية أن منفذ الهجوم الانتحاري في مدينة...المزيد

أربيل – بقلم متين أمين: لم يسلم الأطفال وتعليمهم من المعارك التي يشهدها العراق منذ...المزيد

بقلم محمد الدليمي: “أخطر شيء الآن هو أنّ الجيل الحالي يفضل أن يموت غرقاً”، هكذا يصف الكاتب...تابع القراءة

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل