"درايا".. إرادة لا يكسرها حصار.. المدينة السورية فقدت 4 آلاف شهيد خلال 5 أعوام.. وشاهدة على أكبر ثلاث مجازر الأسد.. وترحيل الأهالي يكتب سطرًا جديدًا من الأوجاع
حصار لا تنفك طلاسمه، وقصف لا يهدأ، يحيط تلك المدينة المنكوبة منذ خمسة أعوام مضت، بعدما وقعت ضحية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وبات حالها حال كثيرًا من المدن السورية، التي ظلت رغم التضييق رمزًا للمعارضة السورية، ومثالًا يُضرب في الكفاح والنضال ضد قوات النظام.
"ما بين داريا دمشق إلى نَوى.. ولقد شهدت الخيل يكثر وقعها"، بتلك الأبيات تغنى الكثير من شعراء سوريا المنكوبة، في حب تلك المدينة السورية الواقعة بالقرب من العاصمة دمشق، وأطلق عليها لفظ "درايا" دليلًا على المساكن، ألا أنها خلال الثورة السورية أضحت بلا سكان أو مساكن.
كُتب على المدينة السورية "درايا" فصلًا جديدًا في مشوار كفاحها بالأمس، بعدما حزم الأهالي حقائبهم وأمتعتهم منها، وأغلقوا ديارهم، سائرين على طريق الترحال والغربة القاسية إلى أدلب السورية، بعدما اتفقت المعارضة والنظام على إخراج سكان المدينة حفاظًا على الخسائر البشرية التي لم تتوقف منذ لحظة حصارها.
شملت الدفعة الأولى من ترحيل المقاتلون وأهاليهم نحو 300 فردًا، ضمن الإتفاق الذي تحدث عن خروج 700 فردًا من المدينة خلال أيام، وستتوجه الأسر المدنية إلى مدينة حرجلة لتنتهي بذلك واحدة من أطول المواجهات في الصراع المستمر منذ خمسة أعوام.
عَبر أهالي المدينة السورية عن لوعتهم في فراق "درايا"، باطلاق هاشتاج "درايا ترحب بكم" و"إرداة لا يكسرها حصار"، لرفع معنويات الأهالي والمقاتلون الذين تم ترحيلهم من المدينة عشية أمس، بعد صمودهم الأسطوري في وجه قوات النظام رغم القصف اليومي والحصار المتواصل.
ظلت تلك المدينة تحمل رمزًا خاصًا للمعارضة السورية، فقد كانت في طليعة حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس بشار الأسد في 2011، واستطاعت المعارضة السورية السيطرة عليها، واخراجها من سلطة النظام منذ اربع سنوات بعدما تحولت الاحتجاجات إلى نزاع مسلح، وهي من أولى البلدات التي فرض عليها حصار.
وكانت قبل الحرب بها حوالي 80 ألف نسمة، لكن هذا العدد انخفض 90% حيث واجه السكان طوال سنوات الحصار نقصًا حادًا في الموارد، ودخلت في شهر يونيو الماضي أول قافلة مساعدات إلى المدينة منذ حصارها، فضلًا عن القصف المستمر عليها.
بداية من عام 2011، شاركت المدينة السورية في الثورة بقوة، وتصدر شبابها مشهد المعارضة ضد الأسد، بعدما تمددت تظاهراتهم فيها وأصبحت تخرج بشكل مُنتظم، وصدرت المدينة أول شهدائها في يوم
"الجمعة العظيمة" بعدما فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين، واسقطت 7 منهم.
وبعدها دخلت المدينة في حصار الخمس سنوات، عقب قطع قوات الأمن الاتصال عنها، وكان يوم الحصار شاهدًا على رحيل الشاب "المعتز بالله الشعار" برصاص قوات الأمن على أحد الحواجز، وأثار نشر فيديو مقتله على مواقع التواصل الاجتماعي، بصوت والده يحكي قصته، ضجَة إعلامية كبرى.
ومن مجازر المدينة العنيفة، ما حدث يوم جمعة "عذرًا حماه"، الذي كان يومًا داميًا بها إذا سقط فيه 6 قتلى برصاص الأمن، وخرج الأهالي لتشييع هؤلاء في مظاهرات مناهضة للنظام باليوم التالي وفتحت عليهم قوات الأمن النار مجددًا، مما أدى إلى سُقوط 12 قتيلاً وأكثر من 30 جريحًا آخرين.
ووقعت مجرزة أخرى لا تنسى في المدينة الصغيرة، ارتكبتها قوات النظام عام 2012، ضد المدنيين وقتلت منهم 700 شهيدًا، ورغم ذلك كان للمجزرة بالغ الأثر في توحيد صفوف الثوار وبدء عملية تحرير المدينة من قبضة قوات الأسد تخوفًا من إعادة ارتكاب مجازر مشابهة، ألا أنها ظلت تحت الحصار أيضًا حتى بعد سيطرة المعارضة السورية عليها.
أما السبت الأسود الذي وقع في إحد ليالي عام 2012، فقد كان شاهدًا على مجزرة سورية جديدة، استخدم فيها نظام الأسد غازات سامة لفض تظاهرات المعارضة السورية، وسجلت أعلى حصيلة يومية من القتلى منذ اندلاع الاحتجاجات في 2011، حيث قتل نحو 397 شخصًا، في مدينة حمص وحي البياضة.
ووقعت أعمال القتل إثر انسحاب مقاتلي "الجيش الحر" من الحي بعد نفاذ ذخيرته، واقتحام الجيش النظامي ليلًا حي دير "بعلبك" بالدبابات وبرفقة أعداد من الشبيحة.
Comments