المحتوى الرئيسى

فرنسا والحرية.. سؤال الدهشة الغاضبة؟

08/27 14:52

اقرأ أيضا: صاحب الفخامة الديناصور أردوغان وبوتين والغرب.. (الجريمة والعقاب) التنظيم الطليعى و(خراب مصر) (الإسلام الصحراوى) والمثقف ذوالبعد الواحد صباح الخير أيتها (الدبابة)

فى عام 1562م أصدر أمير الشعراء الفرنسيين فى ذاك الوقت(بيير دى رونسار) كتابًا أو قل ديوانًا بعنوان (خطابات عن ضروب البؤس فى زماننا) وجهة إلى ملكة فرنسا وقتها الملكة الأم (كاترين) سليلة آل ديميتشى الشهيرة فى كل أوروبا.. والتى تمت فى عهدها السعيد مذبحة من أشهر مذابح التاريخ (مذبحة ليلة سانت بورتو لومي) ليلة 24 أغسطس1572 حيث أمرت الملكة بدعوة وجهاء ونبلاء الإصلاحيين وكبار التجار والأعيان فى خطوة مصالحة كذوبة بين البروتستانت والكاثوليك دعتهم إلى زفاف ابنتها.. وقامت بمذبحة أسفرت عن ذبح 3 آلاف (بروتستانتى) فى باريس وحدها و5 آلاف فى أنحاء المملكة (تمامًا كما فعل محمد على مع المماليك الذين دعاهم لحفل تكريم أحد أبنائه سنة 1811م) بما يؤكد دور المستشارين الفرنسيين فى عهده

  رونسار شاعر الثريا كما يسمونه قال للملكة فى كتابه(هذه التركة الثقيلة بين أبناء الوطن الواحد هل هى انعكاسات سياسية لما هو قائم أم هى موجودة أصلاً بذور دائمة فى بنية الدين المسيحى نفسه.. وإذا كانت المسيحية تحمل بذور هذا العداء أو ليس من الأفضل أن نعود إلى الوثنية..) وكان تساؤله طبعًا على نحو مجازى لأنه كان مؤمنًا ويعلم أن السيد المسيح قال (أرسلنى الله لأشفى منكسرى القلوب.. لأنادى المأسورين بالانطلاق.. وللعميان بالبصر) وأخذ يتساءل الشاعر الجميل (ها هى العدالة والعقل وضروب النور تختفى  (..شاعر الثريا لم يعش حتى يرى أربعة من البوليس الفرنسى المسلحين على أحد شواطئ بلاده يجبرون امرأة مسالمة على تغيير ملابسها ..!! والأدهى أن يأتى رئيس وزراؤهم ليبرر ذلك ويقول أن ملابس تلك المرأة ما هى إلا ترجمة لمشروع سياسى ضد المجتمع مبنى على استعباد المرأة..!! وزاد فى تطرفه قائلاً: إن وراء ملابس هذه المرأة فكرة تقول إن النساء فاسقات وأنه يجب أن يكن مغطيات بالكامل وهذا لا يتوافق مع قيم فرنسا والجمهورية.. ويجب على الجمهورية أن تدافع عن نفسها فى مواجهة الاستفزازات ..) طبعًا كل هذه الكلام من النوع الفراغى الملىء بالفقاقيع الملونة... فملابس الإنسان أيًا من كان هذا الإنسان لا يمكن بحال من الأحوال أن تهدد مجتمعًا ودولة.. ما فعله الجنود بمباركة رئيس وزرائهم ما هو إلا تجليات أفعال الملكة كاترين فى الثقافة الفرنسية العميقة عند تعاملاتها مع فكرة الاختلاف الدينى الذى وضعه الشاعر بيير رونسار على المحك بسؤاله الملىء بالقلق عما إذا كان هذا انعكاسات سياسية أم بذور فى بنية الدين نفسه..  

فى الإسلام الاختلاف الدينى يستند إلى ثوابت صلبة من (لا أكراه فى الدين) إلى (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين ) ناهيك عن السؤال الأعظم الذى حمله الإسلام إلى العقل البشرى على مدار الوجود الإنسانى (ولو شاء ربك لأمن من فى الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) رحم الله الشيخ الشعراوى ليشرح لنا المقصود من الجمع ببين كلمتى (كلهم /جميعًا).

كلام رئيس وزراء فرنسا ذكرنى بإحدى الممثلات التى استأجرت لها أحد الأجهزة رجلاً ملتحيًا يرتدى جلبابًا ليتوعدها بالعذاب المبين فى كل الفضائيات تقريبًا.. فاستأجرت هى بدورها مذيعًا وظهرت فى برنامجه لتقول إن النيل من (تاريخى) وتهديدى لا يقصد به شخصى إنما المقصود به الدولة المصرية.. وهى طبعًا مثلهم جميعًا فداء للدولة المصرية.. ومرة ثانية رحم الله سعد زغلول والنحاس والسنهورى وماهر ليروا الامتهان اليومى لمصطلح(الدولة) على ألسنة هؤلاء العماليق الذين تذخر بهم مصر الآن..

فرنسا لها فى الاضطهاد الدينى تاريخ عريق.. ويكفى أن تعلم أنها شهدت ثمانية حروب دينية فى 40  سنة تقريبًا (من 1562 إلى 1598) فى أعنف مواجهة بين الكاثوليك والبروتستانت أدت إلى حروب أهلية وتخريب البلاد تخريبًا تامًا.. ذلك أن الوضع السياسى فى فرنسا كان ضعيفًا ويقوم على صراعات دنيئة بين كبار رجال الدين والملوك وما صاحب ذلك كله من اغتيالات وانقلابات فى البلاطات وفى قصور البابوات.. ورغم كل ذلك فقد أمكن للأفكار الإصلاحية التى تبشر بالمحبة والتسامح والبعد عن المظاهر والطقوس والنفوذ والمال والفساد طريقها إلى قطاعات كبيرة من الفرنسيين الذين كان يخضع أغلبهم لإقطاع متشدد وحكم ملكى مركزى مستبد ويعانى الأمرين من الضرائب للملك والكنيسة ورعاتها المنتشرين فى كل مكان.

ورغم أن أصحاب هذه الأفكار الإصلاحية كانوا سلميين ولم يفعلوا أكثر من انتقاد الممارسات الخاطئة والفساد والهيمنة والظلم والاستفراد بالثروات بدعوى الدين والحق البابوى وكل هذه الخزعبلات..  إلا أن الكنيسة الرسمية والسلطة السياسية تعاملتا معه بشدة ووحشية بالغة ما ساهم فى ارتفاع شعبية وانتشار هذه الأفكار فى فترة وجيزة ليبدأ ما يسميه المؤرخون (عصرالرعب) فتبدأ حملة تطهير دينى عنيفة ضد الطوائف المسيحية الجديدة أى الإصلاحيين بلغت ذروتها فى عهد لويس الرابع عشر التى  تتالت القرارات فى زمنه ضد الأقلية الإصلاحية بمنع الحرية الدينية والكنائس غير الكاثوليكية وتعميد المواليد والأطفال الإجبارى وإقرار سياسة تبشير لإعادة الضالين إلى العقيدة الصحيحة واعتمد الملك فى ذلك على الكنيسة الرسمية وعلى جيش صغير متخصص عرف بسبب المجازر الكثيرة التى ارتكبها بجيش التنانين (جمع تنين) واشتهرت فرقة التنانين بأساليبها الوحشية التى كانت تتمثل فى حملات تفتيش وتأكد من ولاء السكان للكاثوليكية وإعدام الهراطقة بطرق مختلفة بعد عمليات تعذيب رهيبة من الحرق إلى التعليق حتى تفكك الأعضاء أو التعليق من الأعضاء الحساسة أو التقطيع بربط الأطراف إلى أربعة خيول وإطلاقها فى الاتجاهات الأربعة حتى يتمزق الجسد إلى جانب الضرب أما الأكثر حظاً فكانوا وبعد استتابتهم يلقون بعد ربط وثاقهم فى أقرب نهر أو بئر وتسببت هذه الممارسات الرسمية وجرائم الكنيسة الرسمية فى هجرة 200 ألف فرنسى من أصل ما بين 800 ألف إلى مليون منتم للطوائف الإصلاحية بسبب  التضييق عليها ومنعها من ممارسة الوظائف العامة خاصة الوظائف فى الدولة ومصادرة أملاكها وإنهاكها بالضرائب الثقيلة ومنعها من القضاء والتقاضى خاصة إذا كان الخصم كاثوليكيًا وإجبار الراغبين فى الحصول على حقوقهم على الارتداد والتنصل من الطائفة فى سجلات رسمية تحمل أختام الدولة وترفع بشكل يومى إلى الملك شخصيًا..

 هذه هوامش ضئيلة من كتاب التعصب الفرنسى السحيق.. ويؤسفنى القول إن العقل الفرنسى مليء بألوان التعصب والكراهية والتطرف.. التاريخ يقول ذلك والحاضر يؤكده.. وبالفعل كما قال شكسبير أكثر الناس تحدثًا عن الشرف هم الخونة.. وأكثر الناس تحدثًا عن الشجاعة هم الجبناء.. أكثر الأمم تحدثًا عن الحرية والنور هم الهمج والظلاميين الذين فعلوا بامرأة مسالمة ما فعلوه يوم الثلاثاء الماضى .  مدير الاتصالات فى منظمة هيومن رايتس ووتش فى أوروبا علق على ذلك قائلاً على تويتر (سؤال اليوم: كم شرطى مسلح نحتاج لإرغام امرأة على نزع ملابسها امام الناس؟).

مصممة الأزياء التى صممت ملابس البحر هذه كتبت مقالاً فى الجارديان البريطانية قالت إنها صممت هذه الملابس لإعطاء المرأة الحرية لا سلبها إياها كما يحدث على أيدى رجال البوليس البواسل.. وقالت إن هذا التصميم لا يرمز إلى الإسلام.. يرمز فقط إلى الترفيه والسعادة واللياقة البدنية والصحة.. وقال كلمة من أروع ما قيل حول هذا الموضوع (من هو أفضل حركة طالبان أو السياسيين الفرنسيين)؟ ليتها سمعت أحمد مطر وهو ينشد مقالتها هذه شعرًا :

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل