المحتوى الرئيسى

الخلافة الإسلامية فى الميزان

08/25 22:14

(١) فى المقال الفائت بعنوان «أين الخلل»؟، تحدثنا عن رؤية «البنا» للخلافة الإسلامية، وكيف «أن الإخوان يعتقدون أنها رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير فى أمرها، والاهتمام بشأنها. والخليفة مناط كثير من الأحكام فى دين الله، ولهذا قدم الصحابة، رضوان الله عليهم، النظر فى شأنها على النظر فى تجهيز النبى، صلى الله عليه وسلم، ودفنه، حتى فرغوا من تلك المهمة، واطمأنوا إلى إنجازها».. هذا ما قاله «البنا» فى رسالة «المؤتمر الخامس» عام ١٩٣٩، أما «الريسونى» فقد نسف فكرة الخلافة الإسلامية من أساسها، لاعتبارات عدة، وما ذكره فى كتابه (الفكر الإسلامى وقضايانا السياسية المعاصرة) الصادر عام ٢٠١٠، يحتاج أن نتوقف عنده وأن نتأمله طويلاً، وقد أوردت النص كاملاً لما فيه من فائدة.. يقول «الريسونى»: «لو كان للإسلام نظام سياسى معين ومحدد وثابت، لما كان صالحاً لكل زمان ومكان. فمن عظمة الإسلام وصلاحيته المتجددة، أنه أتى بأحكام مفصلة ثابتة فى المجالات الجوهرية المستقرة فى حياة الإنسان، فى حين اكتفى بجملة من القواعد والمقاصد والمبادئ العامة، فيما طبيعته التغير والتنوع والقابلية لأكثر من وجه. فلا وجود فى الإسلام المنزل -أى القرآن وصحيح السنة- لما يسمى «نظام الخلافة الإسلامية»، بل «الخلافة» إنما تجربة تاريخية وممارسة بشرية، لا أقل ولا أكثر. وحتى هذه التجربة التاريخية، لا تعبر عن نظام موحد أو متشابه، يمكن الحديث عنه وعن عناصره المشتركة الثابتة، بل هى أنماط عديدة، تختلف باختلاف الدول والأقطار والأفراد. وحتى الخلافة الراشدة، كان بين عهودها الأربعة اختلافات سياسية وتنظيمية معروفة، مع أن فترة الخلفاء الأربعة كلهم هى فترة قصيرة، يوجد من حكامنا اليوم من تجاوزها بمفرده. فالنظام السياسى، والتدبير السياسى، والعلاقات والمؤسسات السياسية، هذه كلها أمور لا يجمعها فى حقبة الخلفاء الراشدين، سوى المبادئ والتوجهات العامة، التى يعبر عنها وصف تلك الحقبة بالخلافة الراشدة، ووصف الخلفاء الأربعة -أو الخمسة- بالراشدين. وحتى الاسم -اسم «الخلافة والخليفة»- إنما هو من الأسماء اللغوية التى وردت فى النصوص، للتعبير عن الحكام والرؤساء، الذين يخلف بعضهم بعضاً، منذ أن خلف أولهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وليس هناك أى لزوم شرعى لتسمية رئيس الدولة الإسلامية باسم الخليفة، ولا لتسمية النظام الذى يحكم به باسم «دولة الخلافة». فهذه مجرد تسمية من بين التسميات اللغوية والتاريخية الكثيرة، التى استعملت بالفعل، أو يمكن استعمالها». ثم يقول: «وعلى كل حال فليس لهذا الاصطلاح -فى ذاته- أى فضل أو بركة، ولا يكسب أصحابه أى شرعية أو مزية إضافية. وإنما الفضل والبركة، والشرعية والميزة، فى الالتزام بالمبادئ والقواعد، وتحقيق المصالح والمقاصد، ورفع الأضرار والمفاسد».

(٢) الحقيقة أن «البنا» لم يكن الوحيد الذى دعا إلى الخلافة أو الوحدة الإسلامية، فقد سبقه إليها بستة قرون ابن تيمية، ولكن بنظرة أكثر واقعية.. فى كتابه (العالم الإسلامى المعاصر) الذى صدر عام ١٩٩٣، يقول جمال حمدان: «إن الخطر الخارجى كان منذ البداية هو المحرك الأكبر لدعوة الوحدة الإسلامية، ولعل من يرمز إلى هذا ويلخصه ابن تيمية فى القرن الرابع عشر (ومن بعده تلميذه ابن قيم الجوزية)، فهو عند جمهرة الفقهاء المحدثين أول دعاة الوحدة الإسلامية، وهو فى هذا صدى لعصره، عصر تفكك وتمزق الدول الإسلامية وعصر الأخطار الخارجية المحدقة، غير أنه بواقعية ملحوظة لم يدع إلى دولة إسلامية عالمية موحدة، وإنما إلى شىء أشبه -فى تقدير المحدثين- «باتحاد كونفيدرالى» يجمع العالم الإسلامى جميعاً، ولكن من الواضح أن شيئاً من ذلك لم يتحقق».. والواقع، أننا اليوم أشد حاجة إلى الكونفيدرالية من أى وقت مضى.. فما يجرى على الساحة العربية الآن من إيقاظ للفتن، وإشعال للصراعات (العرقية، والمذهبية، والطائفية)، وإثارة للمشكلات الحدودية، سوف يؤدى بالضرورة إلى مزيد من التفتت والتشرذم، وبالتالى مزيد من الضعف والعجز والشلل.. إن فكرة الكونفيدرالية هى الأقرب ملاءمة إلى طبيعة العالم اليوم، عالم القوة بكل مكوناتها ومفرداتها؛ العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والإعلامية، والثقافية.. ولا يتأتى ذلك إلا من خلال إيجاد كيانات كبيرة من دول بينها عناصر مشتركة، حيث لا مكان فى هذا العالم للضعفاء.. فهل نحلم بأن يكون لنا يوماً اتحاد كونفيدرالى؛ كل دولة فيه لها نظامها الخاص، دستورياً وقانونياً وسياسياً، فى الوقت الذى يمكن أن يكون لهذه الدول جيش واحد؟ إن ما يجمع الدول العربية أكثر مما يفرقها، وما ينقصها هو الإرادة السياسية.. ولا شك أن إيجاد نوع من التكامل بينها؛ فى الزراعة، والصناعة، والطاقة.. إلخ، سوف يأخذ بيدها إلى النهضة والتقدم، وتحقيق المكانة اللائقة على المستوى الدولى، والمشاركة والإسهام فى تقدم البشرية، فضلاً عن فرض احترامنا على الآخرين..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل