المحتوى الرئيسى

أسعار النفط ... في علم الغيب

08/25 15:15

ما الذي ستكون عليه أسعار النفط، حتى نهاية العام الحالي؟ أو بالأحرى مالذي ستكون عليه تلك الأسعار من الآن وحتى عام 2020؟. يجرؤ كثيرون على التكهن، لكن حقيقة مستقبل الأسعار، أصبحت في علم الغيب. فهل سنشهد في المستقبل القريب عودة إلى مثل هذه الأسعار؟. الجواب هو أنه ما من أحد يعرف بالتحديد إلى متى ستواصل أسعار النفط انخفاضها، أو حتى متى ستعاود الارتفاع.

قد لا يمر يوم دون أن نسمع أو نقرأ تصريحا لمحلل أو مسئول نفطي، أو حتى لوزير للنفط، يتحدث فيه عن مستقبل أسعار النفط وعن توقعاته لأسعار ما كان يسمى بالذهب الأسود، خلال الفترة المقبلة. لكن، وفي الحقيقة، فإن الأسعار في واد، فيما توقعات المحللين والمسئولين هي في وادٍ آخر.  

وفي الواقع فإن توقعات الأسعار في المستقبل القريب والبعيد تختلف بشدة، وتتراوح بين تراجعها إلى أقل من 10 دولارات للبرميل، وبين ارتفاعها بشكل حاد في عام 2021.

فقد حذرت الوكالة الدولية للطاقة مؤخراً، المستهلكين بأن عليهم ألا يشعروا بالأمان بسبب التراجع الحاد في أسعار النفط التي ستعاود الارتفاع بشكل حاد بحلول عام 2021. وقالت الوكالة، في أحدث تقاريرها، إنها تتوقع تعافي أسعار النفط في 2017، على أن ترتفع بحدة في مطلع العقد الثاني من هذا القرن.

وأشارت إلى توقعات تفيد أن التعافي الذي سشهده أسعار البترول عام 2017 ، يعد أن بلغ سعر خام برنت أدنى مستوياته في 13 سنة عند 28.88 دولارا للبرميل في يناير/كانون الثاني الماضي، سوف يتبعه صعود حاد نتيجة لتناقص المعروض من النفط بسبب تراجع استثمارات المنتجين الذين يعانون من هبوط الأسعار في الوقت الحالي.

وعلى الرغم من تعافي سعر النفط الخام بعض الشيء، فإنه لا زال أقل بكثير من مستويات يونيو/ حزيران عام  2014 عندما لامست الأسعار حاجز 115.00 دولارا للبرميل.

ماذا نكتب على الحائط ؟

يقول المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة،  فاتح بيرول إنه «من السهل على المستهلكين أن ينخدعوا في المخزون الكبير والأسعار المنخفضة للنفط حاليا، لكن يجب أن نكتب على الحائط أن «التراجع التاريخي للاستثمارات الذي نراه الآن، يثير الكثير من علامات التعجب حول المفاجآت التي قد نراها على صعيد الأمن النفطي، وذلك في المستقبل غير البعيد».

وتوقع خبراء استشاريون لدى الوكالة الدولية للطاقة أن يبلغ المعروض من النفط في الأسواق العالمية 4.1 مليون برميل في اليوم الواحد في الفترة الممتدة من الآن وحتى عام 2021، وهو ما يشير إلى تراجع المعروض مقارنة بالمعروض العالمي الذي ارتفع إلى 11 مليون برميل يوميا في الفترة من 2009 إلى 2015.

وأشاروا أيضا إلى توقعات بتراجع في استثمارات وإنتاج النفط بواقع 17 % في 2016 بعد انخفاضه بواقع 24 % العام الماضي.

وقالت الوكالة الدولية للطاقة إن «عام 2017 فقط هو الذي سيشهد في نهاية الأمر تساوياً بين العرض والطلب في سوق النفط، لكن المخزونات الهائلة التي تتراكم في الوقت الراهن سوف تضعف وتيرة تعافي الأسعار في الأسواق عندما تبدأ السوق في استعادة التوازن، عندها تبدأ تلك المخزونات في التضاؤل».

يذكر أن الأسواق أغرقت بالنفط منذ ازدهار إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة خلال العامين الماضيين. ويُرجح أن ذلك هو السبب الذي دفع دول أوبك، على رأسها السعودية، إلى الإبقاء على معدل إنتاج النفط الحفري عند مستوياته الحالية دون خفض، ما أدى إلى تراجع حاد في أسعار النفط ووضع المزيد من الضغوط على كاهل المنافس الأمريكي.

وفي مطلع يناير من العام الحالي، قالت توقعات أن تراجع أسعار النفط إلى ما دون 30 دولارا قد لا يكون نهاية المطاف، إذ ثمة تقديرات أن يصل سعر البرميل إلى مادون 10 دولارات للبرميل، على ما أفادت صحيفة «تلغراف» البريطانية . وحسب الصحيفة البريطانية، فإن تحذيرات عدة صدرت عن بنوك فإن أسعار الترول ستشهد أدنى سعر لها منذ عام 2009.

وكان«ستاندرد شارترد» آخر البنوك الاستثمارية العالمية التي خفضت توقعاتها بخصوص أسعار النفط، مشيرا إلى أن الرقم حوالي 10 دولارات. وقبل ذلك، أطلقت بنوك مثل «غولدمان ساكس» و «أر بي أس» و«مورغان ستانلي» تحذيرات من انهيار أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها منذ 15 عاما.

 وكانت توقعات سابقة أشارت إلى هبوط أسعار النفط إلى ما دون 20 دولارا  خلال عام 2016. وقد فقدت أسعار النفط أكثر من 70 % من قيمتها منذ منتصف 2014.

بالمقابل هناك توقعات بأن سوق النفط بدأت تتجه نحو استعادة التوازن، بعد أن كشفت منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول «أوابك» عن ارتفاع مخزونات الخام إلى 8.84 مليار برميل العام الماضي.

ويقول وزير الطاقة القطري والرئيس الحالي لأوبك محمد بن صالح السادة، أن المنظمة تجري مباحثات بشكل مستمر لتحقيق التوازن في السوق، و أن تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، والتقلبات السوقية الحالية أمر مؤقت.

وكانت المخزونات العالمية التجارية والاستثمارية من النفط الخام قد ارنفعت بنحو 750 مليون برميل إلى 8.84 مليار برميل العام الماضي، مقارنة بمستواها في 2014، ما أدى إلى تذبذب أسعار الخام. وترى «أوابك» أن التطورات الراهنة في السوق العالمي، أكدت التأثير الكبير لمخزونات النفط على حركة الأسعار.

وذكرت «أوابك» أن مخزون النفط الخام على متن الناقلات بلغ 1.16 مليار برميل نهاية العام الماضي، بزيادة قدرها 120 مليون برميل مقارنة مع عام 2014، كما زاد المخزون التجاري في الدول الصناعية إلى 3 مليارات برميل.

وأضافت أن كفاية المخزون التجاري في الدول الصناعية تغطي استهلاك 64.2 يوما، وهو أعلى من المستوى المسجل عام 2014 والبالغ نحو 58.2 يوما، فيما بلغ المخزون الاستراتيجي الأمريكي 695 مليون برميل في نهاية عام 2015.

وكشفت دراسة أعدتها الأمانة العامة للمنظمة، عن وجود علاقة وثيقة بين التغير في المخزون والتغير في أسعار نفط الدول الأعضاء في أوابك. وأشارت إلى أن للتقلبات في مستويات المخزونات النفطية العالمية انعكاسات غير مباشرة على إمدادات الدول الأعضاء، خصوصاً أثناء أزمات الفائض أو الشح في المعروض النفطي.

ولفتت الدراسة إلى استمرار دول أوابك في جهود التطوير والاستثمار في جميع مراحل الصناعة البترولية، من الاستكشاف والإنتاج والصناعات اللاحقة، رغم التحديات الاقتصادية الحالية الناشئة عن تراجع الإيرادات المالية نتيجة لهبوط الأسعار.

وأكدت أن استقرار وتوازن السوق النفطية العالمية مسؤولية مشتركة بين الدول المصدرة والمستوردة، وأن الحوار والشفافية بين كل أطراف الصناعة البترولية وصناعة الطاقة عموماً، من الضمانات الرئيسة لاستقرار السوق النفطية.

وقبل نحو شهر توقع تحليل اقتصادي لمجموعة بنك قطر الوطني «كيو إن بي» أن يؤدي استمرار عملية إعادة التوازن في سوق النفط إلى رفع الأسعار إلى متوسط 55 % في العام 2017 (بارتفاع عن تقديره السابق 51.3 دولار أمريكي للبرميل)  و57.9 % في عام 2018 (بارتفاع عن تقديره السابق 56 دولاراً أمريكياً للبرميل).

وقال التحليل الذي تلقت أريبيان بزنس نسخة منه: إن أسعار النفط شهدت سنة حافلة بالأحداث خلال 2016؛ حيث بدأت باتجاه نزولي إلى أدنى مستوى عند 28 دولاراً للبرميل في أواخر يناير الماضي؛ بسبب المخاوف من تباطؤ النمو العالمي ومخاطر انخفاض قيمة العملة في الصين، ثم انتعشت الأسعار إلى حوالي 50 دولاراً للبرميل بحلول منتصف العام، لتعتدل حالياً إلى متوسط السعر للسنة حتى الآن والبالغ 42 دولاراً أمريكياً للبرميل.

وأضاف التقرير، أنه في ظل عملية إعادة التوازن الحالية في سوق النفط والتي جاءت أقوى من المتوقع، راجع البنك تقديراته، متوقعاً الآن أن تكون الأسعار بمتوسط 44.7 دولار أمريكي للبرميل في عام 2016، بارتفاع عن تقديره السابق الذي كان 40.8 دولار أمريكي للبرميل.

وذكر أن عملية إعادة التوازن في سوق النفط كانت أقوى من المتوقع؛ ففي جانب الطلب، تتوقع وكالة الطاقة الدولية حالياً نمو الطلب العالمي بـ 1.4 مليون برميل في اليوم في عام 2016، أي أعلى من توقعاتها السابقة التي كانت 1.2 مليون برميل في اليوم، والمحرك الرئيسي لهذا النمو القوي في الطلب هو الأسواق الناشئة، خاصة الصين وبقية الاقتصادات الآسيوية الناشئة.

واعتبر أن الطلب المرتفع يتواصل من أوروبا بالرغم من تفاقم عدم اليقين من جراء تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوربي. وتابع أنه من شأن هذا الطلب الإضافي أن يساعد على التخلص من بعض فائض المعروض في السوق الذي قدرته وكالة الطاقة الدولية بمقدار 1.7 مليون برميل في اليوم في 2015.

وفي ما يتعلق بالمعروض، أشار إلى أن منتجي النفط ذي التكلفة العالية في الولايات المتحدة ظلوا يقلصون إنتاجهم باستمرار منذ أبريل 2015، إذ تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن ينخفض الإنتاج في الولايات المتحدة بواقع 0.5 مليون برميل في اليوم في 2016.

ونبه تحليل «كيو إن بي» إلى أن استعادة توازن المعروض لم تكن بسبب الولايات المتحدة حصرا، فمن المتوقع أيضاً أن يقلص منتجون آخرون خارج «أوبك» مثل الصين وكولومبيا من إنتاجهم في عام 2016، وسيقابل ذلك بالإنتاج الإضافي من إيران عقب رفع العقوبات في يناير الماضي، كما من المتوقع أن تقدم دول أخرى في «أوبك» على رفع إنتاجها هذا العام في إطار التنافس على الحصص السوقية.

 ورأى أنه من المتوقع أن تكون الزيادة في المعروض معتدلة، وأن يتم تقليص فائض المعروض في السوق إلى 0.5 مليون برميل في اليوم بفضل النمو القوي للطلب، ما سيؤدي إلى متوسط أسعار يبلغ 44.7 دولار للبرميل في 2016.

توازن غير متوقع قبل 2017

وبينما تعاود أسعار النفط الانخفاض، وتتجدد مخاوف المستثمرين مع استمرار الفائض في العرض بعد بلوغ الأسعار أعلى مستوياتها في مطلع حزيران/يونيو الماضي مقارنة مع 8 أشهر و11 شهرا خلت، قال المحلل لدى «اف اكس تي ام» حسين سيد أن «العوامل نفسها التي أغرقت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في 13 عاما في كانون الثاني/يناير الماضي عادت الى الساحة، فكل شيء يتمحور حول سوق تعاني من الفائض».

وبينما أجاز توقف الانتاج في الربيع خصوصا في كندا ونيجيريا وليبيا ابعاد شبح الفائض، وأتاح تجاوز الأسعار لفترة وجيزة عتبة 50 دولارا للبرميل، شهد يوليو الماضي عودة قاسية إلى الواقع مع تدهور الأسعار إلى أدنى مستوى خلال 3 أشهر ونصف. فاعادة التوازن بين العرض والطلب الذي توقعت أغلبية المحللين قبل أشهر أن يجري في النصف الثاني من العام الجاري، لم تعد متوقعة قبل بدء العام 2017.

وذكر المحلل لدى ناتيكسيس ابيشيك ديشباندي لوكالة فرانس برس بان «اسعار النفط تحسنت في البدء نتيجة توقع نمو كبير للطلب وتراجع بارز للعرض» لكن السوق اضطر الى مراجعة توقعاته على هذين المستويين.

أضاف حسن سيد، أن «الانتاج المتوقف (في عدة مناطق) استؤنف، كما نتوقع زيادة عرض منظمة الدول المنتجة للنفط  إلى مستويات قياسية، فيما تزداد أعداد آبار النفط (العاملة) في الولايات المتحدة» الامر الذي يعتبره مراقبون مؤشرا مسبقا على الانتاج، حسب قوله.

لكن فيما واصل الانتاج الاميركي التراجع في النصف الاول من العام معطيا بارقة امل للأسواق، بدأت تصدر عنه منذ أسابيع مؤشرات انتعاش تسهم الى حد كبير في انهيار الاسعار.

من جانبه قال المحلل لدى ساكسو بانك، كريستوفر دمبيك لوكالة فرانس برس أن «السوق تشعر بقلق متزايد ازاء ارتفاع الانتاج الأميركي للنفط الصخري في الأسابيع المقبلة. ففي غضون عامين أجازت تطورات تقنية مذهلة في الولايات المتحدة تحقيق ربحية في عدد من آبار ولاية داكوتا الجنوبية حتى في حدود 20-25 دولارا للبرميل»، مشيرا إلى أن هذا الامر كفيل «بابقاء الخوف من إفراط في العرض ماثلا».

كما أن زيادة انتاج دول أوبك في يوليو، التي بلغت 100 الف برميل في اليوم بحسب دراسة لرويترز، لم تسهم في الحد من مخاوف المستثمرين.

فمع 33,41 مليون برميل في اليوم، بلغ انتاج الكارتيل النفطي حدا اقصى على مدى سنوات في ارتفاع يعزى خصوصا إلى نيجيريا والعراق، بحسب محللي كومرزبنك.

وإلى جانب هذه العوامل الرئيسية التي تفسر فائض الخام تضاف «النتيجة المفاجئة للاستفتاء (البريطاني) للانفصال عن الاتحاد الاوروبي وعواقبه المحتملة على النمو العالمي التي خيبت الامال بانتعاش (دائم) لاسعار النفط» على ما أوضح حسن سيد.

ورغم ذلك ما زالت اغلبية المحللين تؤمن بامكان عودة التوازن الى السوق على المدى المتوسط، ولو أنها قد تستغرق وقتا أطول من المتوقع.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل