المحتوى الرئيسى

ضياء الناروز يكتب: التمويل الإسلامي جعجعة لا طحن | ساسة بوست

08/24 14:19

منذ 1 دقيقة، 24 أغسطس,2016

قبل 53 عامًا؛ كانت فكرة بلورة ما تزخر به الشريعة الإسلامية وكتب التراث من نظريات وصيغ تمويلية إسلامية في إطار مؤسسي حلمًا طالما راود الكُتاب والمفكرين الإسلاميين، وفي عام 1963م تحديدًا، لاحت في الأفق بوادر تطبيق التمويل الإسلامي على أرض الواقع، وكان ذلك في كلٍ من ماليزيا ومصر.

طابونغ حاجي: تجربة رائدة استخدمت التمويل الإسلامي

بدأ تطبيق التمويل الإسلامي في ماليزيا من خلال تبني الحكومة الماليزية صندوقًا استثماريًا تحت مسمى صندوق «طابونغ حاجي» (Tabung Haji)، وجاءت فكرة تأسيس الصندوق حينما تبناها الاقتصادي الماليزي «أنكو عزيز» عام 1959م؛ حينما دعا إلى إنشاء مؤسسة غير ربوية؛ تقوم على ادخار أموال الماليزيين الراغبين في الحج واستثمارها، وقد حظيت المؤسسة بتأييد شيخ الأزهر آنذاك «الإمام محمود شلتوت»، إبان زيارته لماليزيا عام 1962م؛ حيث قال عنها «إنها خطة مقبولة شرعًا، وسيجني منها المسلمون نفعًا كثيرًا». وكان منطلق الفكرة في ذلك الحين مراعاة حال الحُجّاج الماليزيين الذين كانوا يستعدون لرحلة الحج، ويدخرون لها سنوات عديدة، ويستدينون ويبيعون جزءًا من ممتلكاتهم؛ لأجل تأمين كلفة رحلة الحج، وتحمل أعباءها المالية، وبعد عودتهم يحملون على كاهلهم هم تسديد الديون الباهظة التي تكبدوها جراء تأديتهم لفريضة الحج. وقد بادرت الحكومة الماليزية إلى تبني مشروع الصندوق التكافلي؛ لأجل تخفيف معاناة الراغبين في أداء فريضة الحج والتسهيل عليهم؛ فأنشأت مؤسسة حكوميّة شبه مستقلّة، أطلقت عليها اسم طابونغ حاجي (أي مؤسسة صندوق الحج باللغة الماليزية)، لمساعدة الفقراء والمحتاجين على توفير المال اللازم للذهاب إلى الحج والتيسير على عامة الماليزيين بأداء هذه الفريضة بلا كُلفة، وفكرة الصندوق قائمة على أن تفتح الأسرة الماليزية لكل مولود جديد حسابًا ادخاريًا في هذه المؤسسة غير الربوية بمبلغ زهيد، وتحافظ على استقطاع أقساطه الشهرية التي لا تتجاوز دولارين أو ثلاثة شهريًا، وبذلك تؤمن له كلفة نفقات الحج بطريقة تدريجية، ويتم توظيف استثمار الأموال المدخرة لصالح المدخرين، وتقسم الأرباح بين المساهمين على أساس المشاركة؛ وذلك تحقيقًا لفكرة المشروع التي راعت رغبة المسلمين الماليزيين في تحاشي التعامل مع البنوك التقليدية الربوية( نقلاً عن: http://www.alriyadh.com/1074411). وبالرغم من أن الفكرة تقوم على التمويل الإسلامي، وعدم التعامل بالفائدة، إلا أنها لا تمثل تطبيقًا مؤسسيًا للتمويل الإسلامي يستهدف إحداث تنمية اقتصادية.

بنوك الادخار المحلية أصدق تجربة تمويل إسلامي … الانطلاقة الحقيقية للتمويل الإسلامي

أما في مصر فكانت تجربة بنوك الادخار المحلية في مدينة «ميت غمر» بمحافظة الدقهلية تطبيقًا عمليًا مؤسسيًا رائدًا للتمويل الإسلامي. وقد استُوحيت فكرتها الأساسية من بنوك الادخار الألمانية مع الأخذ في الاعتبار عدم التعامل بالفائدة، نقلها «الدكتور أحمد عبد العزيز النجار» عالم مصري درس الدكتوراه بألمانيا. وقد كانت هذه التجربة هي الانطلاقة الحقيقية واللبنة الأساسية لمؤسسة التمويل الإسلامي وتطبيقه عمليًا؛ فتم تأسيس «بنك دبي الإسلامي» في عام 1977م، و«بنك فيصل الإسلامي» السوداني، وفي عام 1978م تم إنشاء «بنك فيصل الإسلامي» المصري، و«بيت التمويل الكويتي»، و«بنك البحرين الإسلامي»، وهكذا أخذت المصارف الإسلامية في النمو والانتشار؛ حتى أصبح حجم الصناعة المالية الاسلامية الآن يُقدر بما يزيد عن تريليوني دولار.

واستمر التمويل الإسلامي في التنامي والانتشار، إلى أن أصبح صناعة واعدة يزداد الطلب على منتجاتها في كل أنحاء العالم؛ ويصل مُعدل نمو صناعة التمويل الإسلامي 15% سنويًا. و فيما يلي بعض من مظاهر الاهتمام العالمي بظاهرة التمويل الإسلامي:

مظاهر الاهتمام العالمي بالتمويل الإسلامي « الجعجعة»

قيام عدد من البنوك الأوروبية والأمريكية الكبيرة؛ مثل «سيتي بانك» و«إتش إس بي سي»، بفتح فروع للصيرفة الإسلامية. إطلاق مؤشر «داو جونز» الإسلامي؛ وهو أول مؤشر مالي يمثل رأس المال الإسلامي، وأصبح أحد عناصر حزمة المؤشرات التي تمتلكها مؤسسة داو جونز للمؤشرات المالية؛ وذلك في عام 1999م في المنامة عاصمة البحرين. صممت شركة «فاينانشيال تايمز» البريطانية في يوليو (تموز) 2000م مؤشرها الإسلامي العالمي. إطلاق مؤشر «داو جونز» الإسلامي في تركيا بنهاية شهر سبتمبر (أيلول) 2004م. أعلن رئيس الوزراء البريطاني في المنتدى الإسلامي العالمي عام 2013م أنه يريد أن يرى لندن، وقد أصبحت واحدة من أكبر مراكز التمويل الإسلامي في العالم أجمع. أصدرت المملكة المتحدة صكوكًا إسلامية بقيمة 200 مليون جنيه إسترليني، وذلك في يونيو (حزيران) 2014م. هناك 38 مليار دولار أمريكي في صورة صكوك مُدرجة في بورصة لندن صادرة عن شركات وبنوك مقرها في الشرق الأوسط. هونج كونج تُصدر صكوك إسلامية بمليار دولار أمريكي في سبتمبر (أيلول) 2014م.

ليس هذا فقط، بل هناك المزيد والمزيد من مظاهر الاهتمام بالتمويل الإسلامي في مختلف دول العالم، إضافة إلى ذلك، فإن الأزمة المالية العالمية التي هزت الاقتصاد العالمي في 2008م، جعلت هذا الاهتمام يزداد أكثر وأكثر. والسؤال: لماذا كل هذا الاهتمام بالتمويل الإسلامي؟

الإجابة على هذا السؤال ذات شقين:

الشق الأول ـ وهو في رأيي لا يمثل الإجابة المباشرة، وإنما هو من قبيل ما يجب أن يكون ـ فالتمويل الإسلامي جدير بهذا الاهتمام، بل أكثر؛ وذلك لما يمتلكه من أدوات وصيغ تمويلية متعددة ومتنوعة ومتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتفعيل هذه الأدوات والصيغ يحقق أهداف الفقراء والأغنياء، ويعمل على علاج ما يعانيه النظام المالي العالمي من أزمات ناتجة عن الممارسات المالية الربوية.

الشق الثاني وهو يمثل الإجابة المباشرة والواقعية عن سبب الاهتمام العالمي بالتمويل الإسلامي؛ فالاهتمام العالمي – خاصة من الدول الغربية – بالتمويل الإسلامي، سببه الرئيس هو الاستفادة من السيولة الكبيرة المتوافرة في الدول العربية والإسلامية المصدرة للنفط، وخاصة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو المتوافرة لدى الجاليات الإسلامية الكبيرة في أوروبا وأمريكا الشمالية، وهي سيولة تبحث عن قنوات شرعية تتفق ومبادئ التمويل الإسلامي.

أضف إلى ذلك أن صناعة التمويل الإسلامي بالنسبة للدول الغربية تمثل منتجًا – مثل أي منتج له زبائنه، وسوقه هو عدد المسلمين حول العالم؛ والذي يبلغ 2,08 مليار نسمة (حسب موقع http://www.muslimpopulation.com/). وبالتالي فإن اهتمام حكومات الدول الغربية بالتمويل الإسلامي، ورغبتها الشديدة في الولوج إلى هذه الصناعة، يأتي ضمن حرصها على جذب رؤوس أموال المسلمين، واستثمارها في مشروعات تنموية وطنية تعود بالفائدة على بلادها.

على جانب آخر هناك سؤال آخر يفرض نفسه؛ وهو:

ماذا قدم التمويل الإسلامي للبلدان المسلمة وللفقراء حول العالم؟ أين الطحن؟

نبدأ محاولة إجابتنا على هذا السؤال بتصريح الشيخ «صالح عبد الله كامل» أبرز الشخصيات الاقتصادية العالمية، ورجل الأعمال السعودي، وذلك على هامش ورشة عمل قبيل انطلاق ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي رقم «37« والتي  عقدت بجدة في 13و 14 يونيو (حزيران) 2016م؛ حيث صرح بما نصه «إن المسار الطبيعي للبنوك الإسلامية يجب أن يكون استثماريًا لا تجاريًا، وأما من يقول إن الوضع الحالي إسلاميًا، فأنا أخشى أن أقابل الله وأقول: إن هذه البنوك الحالية تحقق مقاصد الشريعة، بعد أن أصبحنا نركز على الآليات، وأصبحت البنوك الإسلامية تزيد الغني غنى على غناه، ولم تفد الفقراء بشيء».

وتأتي أهمية هذا التصريح من أنه صادر من أحد أهم وأشهر رواد صناعة التمويل الإسلامي في العالم، ورئيس مجلس إدارة «مجموعة البركة المصرفية الإسلامية». أما عن ما تضمنه التصريح؛ فإنه يتضمن تشككًا في قيام البنوك الإسلامية – والتي تمثل الجزء الأكبر من صناعة التمويل الإسلامي- بأدوارها وأهدافها التي أُنشئت من أجلها، والتي رسمتها لها الشريعة الإسلامية، كما أنه يتضمن تخوفًا من كون هذه البنوك قد حادت عن مبادئ الشريعة الإسلامية. كما تضمن التصريح نصًا مباشرًا بأن البنوك الإسلامية تزيد الغني غنى على غناه، وأنها لم تقدم للفقراء أي شيء.

بعيدًا عن هذا التصريح الهام لهذه الشخصية الرائدة في مجال صناعة التمويل الإسلامي، فإن النظر لحال المجتمعات الإسلامية اقتصاديًا، ونسبة الفقراء في هذه المجتمعات، تيكد على تدهور الحالة الاقتصادية بها وتزايد نسب الفقراء بمعدلات كبيرة، بالرغم من امتلاك هذه المجتمعات – في مجموعها – لأغلب ثروات العالم، لكن هذه الثروات يتم استثمارها والاستفادة منها في بنوك الدول الغربية، ولم تسهم هذه الثروات في تنمية أو الحد من الفقر في المجتمعات الإسلامية. وبالرغم من أن المؤسسات التمويلية الإسلامية من المفترض فيها – وطبقًا لإطارها النظري المُستنبط من مصادر الشريعة الإسلامية – أن تكون مؤسسات تنموية بالدرجة الأولى، إلا أن هذه المؤسسات لم تُقدم حتى الآن أي دور لتنمية المجتمعات الإسلامية، ولم تساعد في رفع المعاناة عن فقراء هذه المجتمعات.

ففي مصر على سبيل المثال، لا تجد فرقًا يُذكر بين المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية، بل على العكس، تجد أن التعامل مع البنوك التقليدية أسهل وأيسر، وأيضًا أقل تكلفة من التعامل مع المصارف الإسلامية. فحقيقة الأمر أن المصارف الإسلامية في مصر هي بنوك ربوية أكثر من البنوك التقليدية، وهذا الكلام ليس كلامًا مرسلًا أو افتراءً على المصارف الإسلامية؛ وإنما تم التوصل إليه من خلال الزيارة الميدانية لأهم المصارف الإسلامية في مصر؛ حيث قمت بزيارة الفرع الرئيس لمصرف إسلامي وأجريت مقابلات مع موظفيه، ومع مدير أحد فروعه، وتوصلت من خلال هذه المقابلات إلى النتائج التالية:

أن موظفي هذا المصرف الإسلامي لا يعرفون الفرق بين التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي. أغلب عمليات التمويل تقوم على صيغة المرابحة، وهي صيغة تجارية، وليست استثمارية، ويتم حساب الزيادة علي قيم السلع محل المرابحة بمعدلات أعلى من معدلات الفائدة السائدة في البنوك التقليدية. أن الضمانات المطلوبة للتمويل مُبالغ فيها، وتكاد تكون تعجيزية. يتعامل هذا المصرف مع صندوق التنمية الاجتماعي المصري، ويقوم بإقراض العملاء بفوائد مخفضة.

وفي زيارة أخرى لأحد فروع هذا المصرف، ذهبت بصفتي أحد العملاء الذين يرغبون في شراء شقة بتمويل من هذا المصرف، وجلست مع المدير المسئول لمعرفة الإجراءات والاشتراطات، فقلت له إني موظف، وأفصحت له عن قيمة راتبي، فقال لي: هل لديك ودائع لدى المصرف أو في أي مصرف آخر، قلت: له لا. فقال لي: إن شرط تمويل شراء الشقة أن يكون لديك وديعة تغطي 90% من قيمتها، وأن معدل الفائدة- حسب تعبيره- 9%. حقيقةً، كانت صدمتي شديدة، وحزنت حزنًا شديدًا؛ فلم أكن أتوقع أن يكون واقع مؤسسات التمويل الإسلامي مناقضًا تمامًا لما نكتبه في أبحاثنا ومقالاتنا. في المقابل كان الحصول على شقة عن طريق التمويل التقليدي من البنك الأهلى االمصري لا يشترط وجود وديعة، ومعدل الفائدة 8% بحسب تصريح موظف خدمة العملاء بالبنك. خرجت من المصرف، وأنا أردد «خدعوك فقالوا: تمويل إسلامي»، وأطرح على نفسي هذا السؤال: ما الفرق بين المصرف الإسلامي والبنك التقليدي؟ ولم أجد إلا إجابة واحدة، وهي أن الفرق الوحيد بين المصرف الإسلامي والبنك التقليدي هو تلك السجادة التي خصصها المصرف الإسلامي لموظفيه لأداء الصلاة أثناء وقت العمل.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل