المحتوى الرئيسى

"عرفات" الجبل الذي حمل النضال الفلسطيني

08/24 11:31

في فترة ما، من تاريخ العالم وتحديدًا تلك الفترة منذ اوائل القرن العشرين وحتي منتصفه، عرف العالم ظهور العديد من الزعماء، فكانت تلك الفترة هي فترة حكام "الكاريزما" إن جاز لنا التعبير، ظهر فيها موسوليني وهتلر وناصر وغيرهم، وفي مكان آخر من العالم كان هناك شاب فلسطيني يعش في القاهرة ينحدر من بعض الأصول المصرية، اتجه بعد ذلك للخارج ليقود الكفاح ضد الصهاينة في أرض فلسطين، وحصل علي جائزة نوبل في السلام في فترة أخري من حياته، ضيف اليوم الذي تحل ذكراه هو الراحل ياسر عرفات.

محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، او محمد القدوة ، أو أبو عمار، أو ياسر عرفات، هو هؤلاء جميعًا وكل اسم من هؤلاء يجسد مرحلة من تاريخ فلسطين ومن تاريخه الشخصي، ولد في 24 اغسطس من العام 1929 بالقاهرة حيث كان يعيش والده الذي كان يتاجر في حي السكاكيني، أُرسل وهو في سن صغيرة مع أخيه فتحي إلى القدس، حيث استقرا عند أقارب أمه في حارة المغاربة، وعاش هناك مع عمه سالم أبو السعود 4 سنوات.

وفي عام 1937 عندما تزوج والده بامرأة ثانية، أخذه أبوه وأخته أنعام ليعيش إلى جانبهما وتحت رعايتهما في القاهرة، كانت علاقته بوالده تزداد سوءاً في كل يوم، حتى أن ياسر عرفات لم يحضر جنازة والده في عام 1952، وحتى بعد عودته إلى غزة، لم يذهب لزيارة قبر والده.

تطوره الفكري .. وبدء ظهوره السياسي

درس عرفات في القاهر المرحلة الاولي والمتوسطة من تعليمه، واعتاد زيارة احياء اليهود في القاهرة ليتعرف علي فكرهم وثقافتهم بملكته السياسية المتفردة.

أكمل عرفات دراسته في جامعة الملك فؤاد الأول، قبل أن تأتي أحداث يوليو 52 لتتحول لجامعة القاهرة، والتي قاد فيها الطلاب الفلسطينين طوال الأربع سنوات التي قضاها في كلية الهندسة المدنية بالاشتراك مع صلاح خلف المعروف باسمه الحركي (أبو إياد)، وقبلها كان لها نشاط سياسي وعسكري، فقد انضم للجيش العربي في حرب فلسطين في العام 1948، ولكنه إضطر للعودة للقاهرة بعدما لاحت بوضوح مراحل هزيمة القوات العربية أمام عصابات اليهود، وبعدها حاول الخروج من مصر للعمل بالخارج وتقدم للحصول علي تأشيرة من كندا والسعودية ولكنه فشل.

وفي العام 1957، قدم على طلب للحصول على تأشيرة من الكويت، والتي كانت تحت الانتداب البريطاني، في تلك الفترة، وحصل على التأشيرة وسافر إلى الكويت وعمل مهندسًا معماريًّا، وقابل في الكويت اثنين من أصدقائه وهما عضوان فلسطينيان من جماعة الأخوان المسلمين في مصر، وهما صلاح خلف، واسمه الحركي أبو اياد، والثاني هو خليل الوزير، واسمه الحركي أبو جهاد، وأصبح الأثنان فيما بعد ذراع عرفات الأيمن، وفعل أبو إياد مثل عرفات وذهب إلى الكويت في نهايه عام 1957، وساعد ابو اياد الذي كان يعمل مدرسًا وقتها، ياسر عرفات في الحصول علي وظيفة مدرس.

بدأ عرفات بتشكيل مجموعات من أصدقائه الذين لجأوا إلى الكويت قادمين من غزة، وتطورت تلك المجموعات حتى كوَّنت حركة عرفت باسم حركة فتح، وكان أول المؤسسين للحركة هم خليل الوزير، وصلاح خلف، وخالد الحسن، وفاروق القدومي، ولم يُعرف بالتحديد وقت تأسيس حركة فتح، إلا أن تأسيسها كان في الفترة ما بين عامي 1958- 1960، واسم حركة فتح هو اختصار معكوس لحركة التحرير الوطني الفلسطيني.

اعتمدت الحركة في تمويلها علي الجهود الذاتيه رغبةً في عدم الوقوع في شرك التمويل من حكومات تتدخل في صناعة القرار، وسافر عرفات للعديد من البلدان العربية لمحاولة توفير أموال لدعم المنظمة من أثرياء فلسطين في الدول العربية، ونجحت تلك الاستراتيجية وفي تلك الفترة تعرف علي الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس أبو مازن.

وفي هذه الأثناء أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري في عام 1964، وفي تلك الفترة كانت منظمة التحرير الفلسطينية واقعة تحت سيطرة وتجاذبات بعض الدول العربية من بينها مصر والأردن لذلك نُظر إليها في ذلك الوقت على أنّها كيان لا يحقق طموحات الشعب الفلسطيني، وأثر ذلك على ما يعرف بسياسة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني الذي يشكل أحد مبادئ الحركة، مما تسبب في وقوع الحركة في تجاذبات مع بعض النظم العربية، وتم سجن عرفات مع بعض قيادات فتح في سوريا.

وفي تلك الحقبة أرسى عرفات مع قيادات حركة فتح سياسة تعتمد على البدء بمقاومة مسلحة ضد إسرائيل، وفي نفس الوقت قام بتجنيد الرأي العام العربي لصالح القضية الفلسطينية، كما بعث روح الكفاح والمقاومة والاعتماد على الذات بين صفوف الشعب الفلسطيني، مما ساهم في رفع الروح المعنوية لدي الفلسطينين، ورغبتهم في الكفاح ضد المحتل، وبدأت بالفعل في بدايات العام 1961 عمليات الكفاح ضد المحتل في محاولة تفجير نفق عيلبون.

وفي 5 يونيو 1967، كانت بداية حرب الأيام الستة حيث قامت القوات الإسرائيلية بمهاجمة القوات الجوية المصرية، وكانت نتيجة الحرب هزيمة الجيوش العربية واحتلال الجيش الإسرائيل للعديد من المناطق العربية مثل قطاع غزة، والضفة الغربية، وعلى الرغم من هزيمة عبدالناصر وحلفاؤه العرب إلا أن تلك الهزيمة كانت تعتبر بمثابة النصر لحركة فتح وعرفات، لإنه فُهم من ذلك اليوم أن الحكومات العربية لا تستطيع أن تكون بجانب فلسطين قبل حل مشاكلها.

بدأت الحركة بتأسيس قواعدها على خطوط التماس المواجهة للضفة الغربية بموافقة الأردن، فأقام معسكرات تدريب ومقر قيادة في قرية الكرامة في منطقة غور الأردن، وطوال عام 1968، كانت قرية الكرامة التي يُقام فيها معسكرات للأجئين الفلسطينين، هدفاً للعديد من الهجمات الأسرائيلية، ووصلت تحذيرات لعرفات بأن اسرائيل بصدد الهجوم علي تلك المدينة، وعلى الرغم من المقترحات التي قدمها المتعاطفون مع حركة فتح من القادة الأردنيين بترك المدينة والأختباء في التلال، إلا أن عرفات كان دائماً ما يقف ضدهم ويرفض التخلي عن المدينة وتركها، وقال :"إننا نريد أن يعرف العرب والعالم كله أيضاً أننا لن ننسحب من المدينة".

وفي 21 مارس من العام 1968 هاجمت القوات الاسرائيلية القرية وصمد أعضاء حركة فتح أمام الهجوم كما تدخلت القوات الأردنية في المعركة إلي جانب حركة فتح، وعلي إثر ذلك انسحبت اسرائيل من المعركة، وهو ما اعتبرته حركة فتح نصر لها.

وقد تابعت مجلة التايم الأمريكية تفاصيل المصادمات بدقة، وكانت صورة عرفات على غلاف العدد الصادر من المجلة بتاريخ 13 ديسمبر لعام 1963. وكانت هذه أول مرة يتعرف فيها العالم على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بطريقة رسمية.

وفي 3 فبراير عام 1969، تولى ياسر عرفات رئاسة المجلس التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك باجتماع المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة، وذلك خلفاً ليحيى حمودة الرئيس السابق للمنظمة، وأصبح بذلك القائد الأعلى لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تضم عدة تنظيمات فلسطينية، واستمر بتولي هذا المنصب حتى وفاته.

الطريق إلي نوبل عبر بوابة أوسلو

تسبب اجتياح الجيش الاسرائيلي لجنوب لبنان في العام 1982 لرحيل القيادة الفلسطينية عنها، وتشكيل مقرًا لها في تونس، ركز بعد ذلك عرفات مجهوده علي العمل السياسي والقي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف في العام 1988، و أطلق مبادرة للسلام العادل والشامل في الشرق الاوسط، وبناء علي ذلك بدأت الادارة الامريكية تحت قيادة الرئيس ريجان بالتواصل معه، في الوقت نفسه الذي مازالت ترفض فيه اسرائيل التواصل معه بصفته مسئول عن العديد من العمليات التي نفذت علي الاراضي المحتلة، واغتالت العديد من قادة فتح، كما رفضت حضوره في اتفاقية مدريد عام 1991 بصفته ممثل عن الشعب الفلسطيني.

لكن إسرائيل اضطرت في نهاية الامر، وبسبب الضغوطات الدولية إلى التعامل مع المنظمة، وعلى ذلك، عندما تغير الحكم في إسرائيل، انخرطت إسرائيل ومنظمة التحرير، في مفاوضات سرية ،أسفرت عام 1993 عن الإعلان عن اتفاقيات أوسلو حيث قام ياسر عرفات ،بوصفه رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالاعتراف رسميا بإسرائيل، في رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين،في المقابل، اعترفت إسرائيل، بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

بعد اتفاقيات أوسلو سادت حالة من الهدوء علي الاراضي الفلسطينية، و حصل عرفات واسحق رابين وشمعون بيرز علي جائزة نوبل للسلام، ولم يلبث عرفات، أن انتخب رسميا كرئيس للسلطة الفلسطينية، في انتخابات كانت مراقبة من قبل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر فاز عرفات بنسبة"88% من الأصوات.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل