المحتوى الرئيسى

محمود الزقزوق يكتب: أردوغان والحاجب المنصور شبيهان بينهما ألف عام | ساسة بوست

08/23 16:28

منذ 11 دقيقة، 23 أغسطس,2016

لو شاء الكاتب الكبير وليد سيف كتابة سيناريو صعود رجب طيب أردوغان في مسلسل يضمه لروائعه السابقة، لما وجد اختلافًا كبيرًا بينها وبين قصة صعود الحاجب المنصور في «ربيع قرطبة»، والتي وقعت أحداثها قبل ألف عام تقريبًا، غير اختلاف الأسماء والتواريخ وجغرافيا الأحداث. أما غير ذلك من الأحداث ففيها من مواطن التشابه والتقارب بين الرجلين ما يلفت الانتباه. وكأن صعود الأفذاذ من القاع إلى القمة له قوانين وقواعد، وإن تباعدت السنون واختلفت الأحوال.

ولد المنصور في الجزيرة الخضراء جنوب إسبانيا عام 938، وولد أردوغان عام 1954 في مدينة طرابزون شمال تركيا. خرج كلاهما من منبت رقيق الحال، يعمل في الأسواق لينفق على نفسه، يعيش في أطراف دولة عظيمة، وله أجداد يرجع إليهم مجد غابر، يسعى لإعادته، فلا يقعده الفقر، ولا تلجئه رقة الحال إلى الرضا بالمتاح، والسعي للحاق بعمل يكفيه ما يعيش به. لكنه بكل الطموح والهمة لم يفتأ يحاول ويسعى ويسافر إلى العاصمة، يتعرف عن قرب إلى مكامن القوة والضعف، يتصل بالقوى والجماعات، يخوض غمار السياسة حتى يجد ضالته في المناداة بحق الفقراء؛ فيحمل همهم ويسعى لقضاء حوائجهم، فيصعدون به ويصعد بهم. امتاز الرجلان بصفات شخصية قليلا ما تجتمع لشخص وهي الشجاعة الفائقة مع المرونة اللازمة والمبادرة السريعة مع بعد النظر وحسن التقدير والصبر وعدم النسيان وإدراك مكامن القوة والخصوم في الداخل والخارج.

يعلم الرجلان في منتصف الطريق، وبعد تلقيهما هزائم صغرى، أن تحقيق آمال الجماهير لا يكفي وحده لحمايته في استكمال مسيرته، ما لم تكن له قوة تدفع عنه. أموال واقتصاد وإعلام وتنظيمات في مواجهة قوة عسكرية غاشمة يحاول استمالتها حينًا، وتحييدها أحيانًا؛ فيستعين ببعضها على بعض، حتى تأتي أيام حاسمة تختبر قوته الحقيقية فتوشك أن تطيح به لولا إنجازات ومآثر قديمة، وتدبير لحكم راسخ، فتميل الكفة لصالحه، ويعيد بناء دولته من جديد خالصة من النزاعات واختلاف موازين القوى.

كل هذه مساحات مشتركة تبرز في قصة رجلين عظيمين بينهما ألف عام، ومما يؤثر عنهما في مسيرتهما التخلي عن المثالية واللجوء لما ينفعهما والأمة (البرجماتية)، فلا يسقطان ضحايا شعارات كبرى ولا يتخذان مواقف صلبة تكسرهما وقت الشدة. ولكن يتعلمان الدرس ممن سبقوهما أن المصلحة أولًا، والخروج بأقل الخسائر، وأن الحياة دول. يؤثر عن الرجلين مآثر عظيمة في خدمة الإسلام والمسلمين، وكذلك أضرار كبرى، وكأن كل خير يقابله شر فإن قويت بلادهما في جانب فقد ضعفت في آخر.

مما قيل في الحاجب المنصور:

آثاره تنبيك عن أخباره *** حتى كأنك بالعيان تراه

تالله لا يأتي الزمان بمثله *** أبدًا ولا يحمي الثغور سواه

من المؤسف أن كلا الرجلين عند الوصول للذروة تخليا عن أقرب الأصدقاء ورفاق الطريق، حيث بدأوه معًا، ولكن كما قالت العرب قديمًا «الملك عقيم» لا ابن عم ولا رفيق، ولكل حاجته حتى يستوفيها السلطان منه ثم يستغني عنه، أو يزج به في السجن، أو حتى يقتله، فتصبح دولة الرجل الواحد. هذا ما انتهت إليه قصة الحاجب المنصور فهل يتفق أردوغان في النهاية كما اتفق البداية، أم يكون للتاريخ وأردوغان رأي آخر؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل