المحتوى الرئيسى

وجهة نظر: نحتاج إلى نفس طويل لإدماج اللاجئين في ألمانيا

08/23 16:24

سنة مرت على نداء المستشارة أنغيلا ميركل "سننجح" وإذا بأجواء الابتهاج التي طغت على ألمانيا آنذاك قد تبخرّت وتبددت. وعلى الرغم من أن الألمان ما يزالون متفائلين، إلا أنهم أصبحوا في الوقت نفسه متشككين. ففي استطلاع للرأي أُجري بتكليف من مؤسسة DW تبين أن هناك أمرين مهمين: فمن جهة ترى أغلبية المشاركين في الاستطلاع أن اللاجئين سيثرون ألمانيا ويجعلونها أكثر تنوعاً، ومن جهة أخرى تعتقد الأغلبية العظمى للألمان أن ألمانيا ستشهد عمليات إرهابية أكثر. عمليات التحرش الجنسي التي شهدتها مدينة كولونيا ومدن ألمانية أخرى خلال ليلة رأس السنة الميلادية بالإضافة إلى العمليات الإرهابية ومحاولات تنفيذ عمليات إرهابية بدوافع إسلامية أثرت على مشاعر الأمن لدى الكثير من الناس.

بداية، إن ما يدعو إلى الارتياح هو أن أغلبية الألمان ترحب باللاجئين وتعتبرهم إثراء للمجتمع. وهذا الموقف الإيجابي للمجتمع المضيف يعد قاعدة مهمة جداً لتمهيد نجاح عملية الاندماج. وهو موقف يتناقض تماماً مع الأجواء (التي شهدتها ألمانيا) قبل أربعين عاماً عندما قدم الملايين من جنوب أوروبا للعمل في ألمانيا! حينها لم يكن الحديث لا عن إثراء ولا عن تنوع. اليوم تغير الأمر. وهذا جيد جداً.

لكن لا يجوز في الوقت نفسه الالتفاف حول النتيجة الأخرى التي أفضى عنها هذا الاستطلاع، وهي أن المخاوف من تهديدات (إرهابية) قد باتت أكبر لدى أغلبية المجتمع الألماني. وهذا الأمر يجب أخذه على محمل الجدية. طبعاً ليس من خلال استغلال هذه المخاوف سياسياً وتأجيجها أكثر، كما يفعل ذلك في أحيان كثيرة حزب البديل من أجل ألمانيا (أ.ف.دي). ولكن لا يجوز أيضاً غض النظر عن هذه التحفظات.

الاندماج في المجتمع الألماني يتطلب الكثير من المال

فاريتشا سبازوفسكا رئيسة قسم الأخبار أونلاين في مؤسسة DW

ربما قد يكون الناس أكثر اقتناعاً بـ"أننا سننجح" إذا ما اتضح أكثر كيف سنحقق ذلك، مثلاً من خلال الاندماج في سوق العمل. ألا يتعين على الحكومة تخصيص أموالاً أكثر حتى ينجح ذلك؟ ألا يجدر بها أن تعترف بذلك علنا؟ فقط 40 ألف لاجئ وجدوا فرصة عمل في ألمانيا. ثلاثة أرباع اللاجئين لا يمتلكون أي تأهيل مهني. وهذا يعني أن الدولة والمؤسسات الاقتصادية مجبرة على تأهيل اللاجئين حتى يصبحوا جاهزين للدخول إلى سوق العمل. ولهذا الغرض لابد من إطلاق إجراءات تكوينية تكلف المليارات وتتطلب في الوقت ذاته صبراً طويلاً.

على صعيد آخر، ألا يتعين بنا تشديد الإجراءات الأمنية بشكل أكبر؟ الشرطة الاتحادية تعتزم رفع عديد قواتها. وهذا أمر صائب ولكنه يتطلب أيضاً الكثير من المال.

وأخيراً وليس آخراً، نتساءل ألا يمكن ترحيل الأجانب الذين خالفوا القانون بشكل أسرع مما عليه الحال؟ خاصة بعد عمليات التحرش الجنسي خلال ليلة رأس السنة فإن ذلك من شأنه أن يشكل إشارة واضحة ومهمة للترهيب.

من الواضح أنه لا يمكن تغيير كل شيء بين ليلة وضحاها. ذلك أنه حتى ترحيل الأجانب الذين خالفوا القانون، يجب أن يخضع لقوانين الحماية التي تضمنها دولة القانون. وأحياناً يستغرق الأمر وقتاً طويلاً.

المستشارة أطلقت قبل عام بشعارها "سننجح" بين الألمان موجة لا مثيل لها من التضامن. ولحسن الحظ لا يزال الكثير من ذلك قائماً حتى الآن. ولكننا بحاجة إلى نفس طويل حتى تبقى هذه اللحظة قائمة على المدى البعيد. كما نحتاج إلى جدل صريح حول التحديات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الفترة الفارقة بالنسبة للمجتمع الألماني.

لا يزال الحزن يخيم على مدينة ميونيخ الألمانية، حيث تضع امرأة وردة في المكان الذي شهد يوم الجمعة الماضي عملية قتل عشوائية مروعة، راح ضحيتها تسعة أشخاص، أغلبهم في مقتبل العمر. العملية التي نفذها شاب ألماني-إيراني، قيل إنه يعاني من اضطرابات نفسية، راح ضحيتها فتيان وشباب، غالبيتهم من أصول مهاجرة (ثلاثة أتراك وثلاثة ألبان كوسوفو ويوناني). ذنبهم الوحيد أنهم كانوا في المكان والوقت غير المناسبين!

بحر من الورود أمام مركز أولمبيا التجاري في ميونيخ، حيث مسرح عملية القتل الجماعي العشوائي، حداداً على أرواح الضحايا وسط تساؤلات عمّا دفع الجاني، الذي لم يتجاوز عمره 18 عاما، إلى هذه الجريمة؟ التحريات تشير إلى حد الآن أن الشاب، الذي ولد في ألمانيا لأبوين قدما من إيران في التسعينات كطالبي لجوء، قد خطط لعمليته طويلاً و"جيداً".

وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير اضطر في غضون ثلاثة أيام إلى قطع عطلته كان يقضيها مع زوجته في الولايات المتحدة الأمريكية. المرة الأولى كانت مطلع الأسبوع عقب عملية إرهابية نفذها لاجئ في 17 من عمره في قطار في مدينة فورتسبورغ، والمرة الثانية عقب عملية القتل الجماعي العشوائي في ميونيخ. الوزير قرر بعدها التخلي نهائيا عن إجازته والبقاء في ألمانيا.

في غضون ذلك، لا تزال صور دماء تغطي أرضية عربة في القطار الذي شهد عملية إرهابية في مدينة فورتسبورغ الألمانية عالقة في أذهان الكثيرين في ألمانيا. العملية، التي نفذها فتى لاجئ في 17 من عمره، أسفرت عن إصابة أسرة قدمت من هونغ كونغ سائحة في ألمانيا بجروح بليغة وامرأة ألمانية ذنبها الوحيد أنها كانت في طريق الإرهابي عند محاولته الفرار من القطار. العملية تبناها فيما بعد تنظيم "داعش".

وفيما تزداد المخاوف من ألمانيا من عمليات دامية كتلك التي شهدتها باريس ونيس وبروكسل واسطنبول وأنقرة وغيرها، تبقى التساؤلات قائمة عما دفع بفتى قدم فاراً من أفغانستان (أو باكستان) ليجد ملجأ وأسرة تحتضنه في ألمانيا إلى القتل؟ الكثيرون صدموا لكم الكراهية التي يكنها هذا الشباب خاصة بعدما نشر "داعش" فيديو يظهر فيه الفتى وهو يهدد ويتوعد فيه الألمان بالقتل والانتقام.

وما لبث الناس يتنفسون الصعداء بعد عملية ميونيخ التي بثت الذعر في القلوب خوفا من عمليات إرهابية منسقة كتلك التي شهدتها باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وأسفرت عن مصرع 130 شخصا وجرح المئات، هاهي ألمانيا تشهد بعد يوم فقط جريمة أخرى اهتزت لها مدينة رويتلينغن، حيث قام لاجئ سوري في مقتل العمر بقتل مقتل امرأة وجرح خمسة آخرين بسكين كبير.

حالة من الذعر تسود رويتلينغن، المدينة الصغيرة الهادئة في جنوب ألمانيا، بعد الجريمة البشعة. وفيما تتواصل التحقيقات مع الجاني لمعرفة دوافعه، تؤكد السلطات الألمانية على عدم الاشتباه بالإرهاب والعنف بشكل عام في طالبي اللجوء، لافتة إلى أن أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها أوروبا في الآونة الأخيرة لم تكن من فعل لاجئين.

لكن تحذيرات السلطات الألمانية من عدم وضع اللاجئين في قفص الاتهام قد لا تجد آذانا صاغية، على الأقل لدى البعض، بعد هجوم أنسباخ الانتحاري الذي شُن مساء يوم الأحد، أي في نفس اليوم الذي شهدت فيه روتلينغن عملية القتل بسكين، والذي نفذه لاجئ سوري آخر (27 عاما). العملية الإرهابية التي أسفرت عن مقتل المنفذ وجرح 15 شخصا، أربعة منهم في حالة خطيرة، كان هدفها الانتقام من ألمانيا وتبنتها داعش.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل