المحتوى الرئيسى

صابرين محمد تكتب: التقشف الشعبي | ساسة بوست

08/23 16:04

منذ 10 دقائق، 23 أغسطس,2016

نعاني الآن من ظاهرة ارتفاع الأسعار، وخاصةً مع دخول عيد الأضحى المبارك، وافتتاح موسم المدارس، يشتكي أغلب المواطنين من زيادة الأسعار عن العام الماضي، وما تلبث هذه الشكوى حتى يخرج علينا الإعلام متهمًا الشعب بأنه السبب في ذلك، ويجب علينا أن نتقشف ونتنازل عن احتياجاتنا الأساسية، أو الأشياء غير الضرورية، فمثلًا إذا كنت تذهب للمصيف في جمصة وهي أرخص أسعار المصايف، عليك أن تتنازل وتذهب يومًا في رحلة إلى العين السخنة حتى توفر وقتًا ومصاريف، وليس من المدهش أن تقرأ خبرًا كمقتل محصل كهربائي في المنصورة على يد مواطن؛ نظرًا لارتفاع فاتورة الكهرباء، ليس للمحصل ذنب، ولكن كان يجب على المواطن الفقير أن يستمع إلى الإعلام ويقوم بالاستغناء عن الثلاجة حتى يوفر الكهرباء!

على الطبقة المتوسطة والفقيرة فقط دفع فاتورة الأسعار، ولا ينتبه أحد إلى الإعلانات التي تملأ التلفاز ليلًا ونهارًا عن بورتو مارينا والساحل الشمالي، وكأننا أصبحنا شعبين في بلد واحد: شعب يضحي ويتنازل، والآخر لن أستطيع أن أقول إنه لا يتنازل، ولكن يتنازل عن بورتو مارينا للذهاب إلى بورتو السخنة، يتنازل عن نصف كمية البنزين ألا يكفي ذلك تنازلًا!

أعلم أننا نمر بظروف استثنائية وصعبة، وعلينا جميعًا أن نتكاتف للخروج من هذا الوضع. ولكن يجب التركيز على «جميعًا» وليس فئة معينة من الشعب. عندما يتقشف أكبر مسئول في الدولة، هنا فقط سوف يتحمل الشعب كل هذه التبعات.

وهنا تذكرت موقفًا لسيدنا عمر بن الخطاب في «عام الرمادة» -أطلق عليه هذا الاسم نظرًا لقلة الأمطار وأن الرياح كانت تأتي محملة بتراب رمادي- حدثت هذه الأزمة في بلاد الحجاز وتجمع في المدينة من غير أهلها أكثر من 60 ألفًا، تعامل ابن الخطاب مع هذه الأزمة، أنفق على الناس من طعام وأموال بيت المال، وأشرف على غوث الجياع، وكان يحمل على ظهره الزيت، ويطبخ للناس بنفسه حتى إذا شبعوا تفرغ لتوزيع الكساء، ويروى عن «عبد الله بن زيد» أنه في ذات يوم نحر جملًا فأطعم الناس، وجاؤوا بنصيب أمير المؤمنين، وهو كبد الجمل، فرفض عمر أكله وقال: «بَخْ بَخْ، بِئْسَ الْوَالِي أَنَا إِنْ أَكَلْتُ طَيِّبَهَا وَأَطْعَمْتُ النَّاسَ كَرَادِيسَهَا، ارْفَعْ هَذِهِ الْجَفْنَةَ، هَاتِ لَنَا غَيْرَ هَذَا الطَّعَامِ»، وقَالَ: «فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ».

حيث قيل عن عمر بن الخطاب إنه حين ارتفع سعر السمن في المدينة منع نفسه من أكل السمن، وعندما انقطع الناس عن أكل اللحم لارتفاعه سعره حرم على نفسه اللحم وحرم على نفسه العيشة المترفة، حتى يتعدل وضع المسلمين وفرض على نفسه العيش على الزيت، وعندما أتعبه الزيت أمر بطبخ الزيت لعل النار تكسر حدته، ولكن أرهقه الأمر أكثر وتغير لون عمر وكان يحس بقرقرة في بطنه، «فكان ينقر بطنه بإصبعه ويقول قرقر ما تقرقر فليس لك عندنا إلا الزيت حتى تنكشف الغمة عن المسلمين، وكان يكثر من الصلاة والدعاء إلى الله وكان يردد دائمًا: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي». وكان يأمر المسلمين بكثرة الاستغفار، وعندما انقطعت الأسباب عن عمر كتب للإغاثة من الأمصار، كتب إلى «ابن العاص» في مصر «واغوثاه واغوثاه، فقال عمرو والله لأرسلنا له قافلة من الأرزاق أولها في المدينة وآخرها عندي في مصر»، فأرسل إليه 1000 عير تحمل الدقيق، و20 سفينة تحمل الدهن، و5000 كساء.

وأرسل عمر أيضًا إلى «سعد بن أبي وقاص» فأرسل إليه 3 آلاف بعير تحمل الدقيق، و3 آلاف عباءة، ومن هنا نتعلم مؤازرة المسلمين لبعضهم، وسياسة فقه الأزمة، والحنكة التي تعامل بها عمر مع هذه الأزمة فلم نلاحظ حدوث «ثورة جياع» بالرغم من خطورة الأمر، عندما يرى الناس ولي الأمر مشاركًا معهم هنا سيصبر الناس، حتى إذا وصل الأمر إلى الحفر في نفق الجرذان ليأكلوا ما فيها من حشرات، كما حدث مع عمر.

ماذا لو فعل حكام العرب مثل ما فعل ابن الخطاب، لن نرى عصيانًا ولا تذمرًا، ويقدر الناس خطورة الموقف الراهن، وعلى العكس تمامًا لن يصبح الشعار صبح على مصر بجنيه، ولكن سيصبح صبح على مصر بما تقدر أن تتنازل عنه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل