المحتوى الرئيسى

بيرم التونسى وصبيانه: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم! (3) | المصري اليوم

08/22 22:46

بعدما بهدل بيرم السلطان «فؤاد الأول» وتعرض لابنته «فوقية» ثم لظروف ولادة ابنه «فاروق»، جن جنون السلطان وبذل المساعى للحكومة الفرنسية التى كانت تتدخل فى شؤون مصر تحت زعم حمايتها للأجانب، لأن بيرم من رعاياها، ونجحت جهوده فى طرد بيرم وعمره آنذاك 27 عاما دون أن يودع أهله وأصحابه. وبمجرد استقرار بيرم لفترة قصيرة فى تونس أرسل زجلا يسخر فيه من السلطان يقول فيه: بقالك أزمان ما قلتليش يا راعى الرعيان.. بتوع المجزر إيه اخبار الخرفان. وبعد تصريح 28 فبراير 1926 الذى اعترفت فيه بريطانيا بالاستقلال الذاتى لمصر، وبناء عليه أعلنها فؤاد «مملكة» بدلا من سلطنة، وأصبح لقبه الرسمى «الملك فؤاد». كانت باقة الورد التى أرسلها إليه بيرم من الخارج هى هذه الزجلية الشهيرة: (ولما عدمنا بمصر الملوك.. جابوك الإنجليز يا فؤاد وقعدوك، تمثل على العرش دور الملوك.. وفين يلقوا مجرم نظيرك ودون، وخلوك تخالط بنات العباد.. على شرط تقطع رقاب العباد، وتنسى زمان وقفتك يا فؤاد.. على البنك تشحت شوية زتون، بذلنا ولسه بنبذل نفوس.. وقلنا عسى الله يزول الكابوس، ما نابنا إلا عرشك يا تيس التيوس.. لا مصر استقلت ولا يحزنون).

وفى تونس سبقته الدعاية السلبية بأنه «مشاغب وباعث ثورات» ومنعوه من ممارسة أى نشاط سياسى أو صحفى، فلم يصمد أكثر من أربعة أشهر، واتجه إلى فرنسا متنقلا بين مارسيليا وباريس وليون حيث بحث عن عمل فى المدينة الأخيرة تحت ظروف قاسية من جهة المناخ «درجة حرارة تبلغ الصفر» وتجربة أليمة مع الجوع يصفها بيرم هكذا: (كنت أثناء الجوع أمر بمراحل لايشعر بها غيرى من الشبعانين، فى البداية أتصور الأشياء واستعرضها فى ذاكرتى، هذا طبق فول مدمس، وهذه منجاية مستوية.. وهذه ياربى رائحة بفتيك تنبعث من عند الجيران، ثم أصل بعد ذلك إلى مرحلة التشهى، أثناءها تتلوى أمعائى، ويبدأ المغص، ويطوف الظلام حول عينى، وأتمنى من الله أن ينقلنى إلى الآخرة فهى أفضل من هذا العذاب الأليم.. وأخيرًا تبدأ مرحلة الذهول وخفة العقل، فأطيل النظر إلى اللحاف الذى يغطينى، وتحدثنى نفسى أن آكل قطنة أو أبحث عن بذرة للغذاء تحتوى على زيوت، وكان لاينقذنى من تلك الحال سوى معجزات، عندما أنهض كالمجنون أبحث فى كل أركان الحجرة عن أى شىء فأعثر بالصدفة على كسرة خبز.. أو بصلة مهجورة).

ثم يعمل بيرم فى مصنع للكيماويات متحملا رائحة الغازات الكيماوية الخانقة ورائحة المعادن القذرة، وبذل الجهد البدنى الشاق من أجل الطعام والسكن فى غرفة متواضعة! لكنه فقد قدرته على التحمل بعد عام وشهر واحد، فلجأ إلى اختصار اسمه فى جواز سفره الجديد الذى يحمل ختم القنصلية البريطانية، وبذلك نجح فى الإفلات ووصل إلى ميناء «بور سعيد» فى 27 مارس 1922 وما إن وصل إلى «الأنفوشى» حتى علم أن زوجته قد أنجبت له ابنته «عايدة» ثم حصلت على حكم بالطلاق منه بعد أن أثبتت أن زوجها من المغضوبين عليهم ولا أمل له فى العودة إلى البلاد!.. فظل مختفيا لدى أولاد عمه لأن الوضع السياسى الموافق لعودته كان فى منتهى الخطر بعد تضييق الإنجليز على الشعب عقب النفى الثانى للزعيم سعد زغلول.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل