المحتوى الرئيسى

أحزاب الإخوان تتخفى في عباءة السياسة.. "النهضة" التونسي يتبرأ من خلفيته الدينية.. وذيول الجماعة ‏في مصر تلجأ إلى سياسة "المربع صفر"‏

08/22 22:26

دائرة مفرغة دارت فيها الكثير من أحزاب الإسلام السياسي التي تتبع عدد من التيارات الاسلامية، ففي البداية خرجت تلك الأحزاب كأذرع سياسية للتنظيمات التابعة لها، واستمر الخلط بين العمل الدعوي و السياسي وظلت تتأرجح بينهما، لتعود خلال الفترة الأخيرة وتتبرأ من عملها الدعوي والديني وتتجه إلى ارتداء عباءة السياسة الخالصة.

انتماء حزب النهضة التونسي ذو التوجه الإسلامي إلى جماعة الإخوان أمرًا ليس مُستغربًا على إحد، ‏فقديمًا كان يُسمى بـ"حركة الاتجاه الإسلامي"، وهي الحركة التاريخية التي تمثل‎ ‎التيار الإسلامي في‎ ‎تونس ‏منذ عام 1972.‏

أسسها زعيم الحزب الحالي راشد الغنوشي، واقتصر نشاطها في البداية على الجانب الفكري والدعوي من ‏خلال إقامة حلقات في المساجد والانخراط بجمعيات المحافظة على‎ ‎القرآن الكريم، وخاضت حروب ‏وصدامات مع قوات الأمن خلال فترة الثمانينات.‏

وعلى وقع تلك الخلفية الدينية ظلت ممارسات الحركة الدعوية، حتى عام 2011، الذي شهد تحول الحركة ‏الدينية إلى حزب سياسي، وارتدت عباءة السياسة، واعترفت بها حكومة "محمد الغنوشي" الثانية، وباتت ‏النهضة من أهم الأحزاب السياسية في تونس.‏

ورغم ذلك التحول، ظل شبح التوجه الإسلامي يطارد الحركة، رغم توالي التأكيدات من قبل أعضائها بأنها ‏تحولت من العمل الدعوي إلى العام، وهو ما نلمسه في آخر تصريحات راشد الغنوشي زعيم حزب ‏النهضة التونسي، الذي أكد بالأمس أن حزبه هو واحدًا من الأحزاب السياسية الأكثر تأثيرًا فى العالم ‏العربى، وقوة أساسية في ظهور تونس كدولة ديمقراطية‎.‎

وأضاف في مقال له بدورية: "فورين أفيرز" الأمريكية: "إن النهضة أعلن مؤخرًا تحولًا تاريخيًا، بعد ‏تجاوزه كحزب إسلامي وتبنى هوية جديدة تمامًا، كحزب للمسلمين الديمقراطيين، والتنظيم الذي شارك في ‏تأسيسه في الثمانينيات، لم يعد حزبًا سياسيًا ولا حركة اجتماعية، وقد أنهى كل أنشطته الثقافية والدينية، ‏ويركز الآن على السياسة فقط".‏

واعتبر الغنوشي، تطور النهضة يعكس المسار السياسي والاجتماعي الأكبر في تونس، فقد ظهر الحزب ‏في البداية كحركة إسلامية، لكن الثورة التونسية أنهت الحكم المستبد، وفتحت المجال أمام المنافسة ‏السياسية الحرة والنزيهة‎.‎

وشدد على أنه لم يعد الحزب يقبل تصنيف الإسلام السياسي، وهو المفهوم الذي تم تشويهه تمام من قبل ‏المتطرفين الراديكاليين، ولم يعد هناك حاجة لكي يدافع النهضة أو أي حزب آخر عن الدين أو يحميه ‏كجزء أساسي من النشاط السياسي‎.‎

وتحليلًا لتلك الخطوة، رأى هشام النجار، الباحث في الشؤون الإسلامية، أن تأكيد الغنوشي على أن حزب ‏النهضة سياسي ويبعد عن العمل الدعوي، جاء بهدف البعد عن الأخطاء التي ارتكبها التيار الإسلامي كله ‏في الدول العربية، ومحاولة الخروج بتجربة تونسية مستقلة.‏

وأوضح، أن حزب النهضة استطاع بالفعل الخروج من العباءة الدينية التي لاحقته كثير واشترك في ‏تجربة التحول الديمقراطية في تونس، وفرض نفسه على المشهد السياسي التونسي، وهو ما كان ‏الغنوشي يهدف له من البداية بعد الخسائر التي منيت بها جماعة الإخوان في مصر والتي دفعت الكثيرون ‏للتبرأ منها والخروج من عباءتها.‏

‏"أحزاب الإسلام السياسي في مصر"‏

البعد عن العمل الدعوي والاتجاه إلى السياسة، هو نفس الطريق الذي تسير فيه أحزاب الإسلام السياسي ‏في مصر، والتي يحاول الكثير منها إيهام الرأي العام برغبتهم الحقيقية في فصل العمل الدعوي عن ‏السياسي، وبُعد هذه الأحزاب عن الحياة الدينية والانخراط مجددًا في السياسة.‏

ففي مصر نحو 16 حزبًا محسوبة على تيار الإسلام السياسي، من إجمالي 86 حزبًا، متنوعة الأيديولوجيا ‏والتوجهات، بين اليمين واليسار والوسط، ويمين الوسط، والناصريين، والليبراليين‎.

يعتبر حزب النور السلفي مثالًا قويًا على اتجاه الأحزاب الإسلامية إلى العمل السياسي، فالخطاب التأسيسي ‏الذي خرج به حزب النور عام 2011 يستند إلى الهوية الإسلامية كقضية مركزية يكتسب من خلالها ‏الحزب شرعية وجوده واستمراريته.‏

إلا أن مشاركته في الحياة السياسة جعلته يتبرأ كثيرًا من هويته الدينية، ويطلق على نفسه لقب حزب ‏سياسي ذو توجه إسلامي، لاسيما بعد صياغة مادة في دستور عام 2014 حظرت قيام الأحزاب السياسية ‏على أساس ديني.‏

وبالفعل خفت صيحة العمل الدعوي لديه وشارك في الانتخابات البرلمانية الماضية، وخرجت قيادات ‏الحزب في ذلك الوقت تعلن أنه حزب سياسي وليس ديني، وتتبرأ من عمله الدعوي، طمعًا في مزيدًا من ‏أصوات الناخبين.‏

وسار حزب الوسط على نفس النهج، بالاتجاه إلى العمل السياسي العام والفصل بينه وبين كل ما هو ديني، ‏فقد نشأ تحت مظلة كونه حزب وسطي ذو توجه إسلامي، حيث ترجع فكرة تأسيسه إلى مجموعة من ‏قيادات الحركة الطلابية في السبعينات، المنتمين للتيار الإسلامي أعضاء في جماعة‎ ‎الإخوان المسلمين، ‏الذين انفصلوا عنها عام 1996.‏

وبعد الانفصال حاول الشباب تكوين تجربة حزبية سياسية مدنية بعيدًا عن السياسة، وخاضوا معارك كثيرة ‏لتأسيس ذلك الحزب حتى عام 2004، خرج وقتها باسم "حزب الوسط الجديد"، وخاض أول انتخابات ‏تشريعة بعد ثورة 25 يناير استطاع الحزب الحصول على 10 مقاعد في مجلس الشعب عام 2012.‏

وعقب ثورة 30 يونيو، اتجه أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط إلى الدعوة الدائمة لفصل العمل ‏السياسي عن الدعوي، والتشديد على ضرورة سير حزبه في الطريق العمل العام وليس السياسة، موضحًا ‏أن الخلاف حول الفصل من عدمه كان السبب في انشقاق مجموعة من قيادات الجماعة عنها، وأن نفس ‏هذه القيادات هي من أسست حزب الوسط.‏

كان حزب البناء والتنمية أحد الأحزاب ذات التوجه الإسلامي التي دعت خلال الفترة الأخيرة لفصل العمل ‏الدعوي عن السياسي، حيث يعتبر هو الذراع السياسية‎ ‎للجماعة الإسلامية في مصر، تأسس عقب‎ ‎ثورة 25 ‏يناير، وقاد المفاوضات لتأسيس تحالف‎ ‎الكتلة الإسلامية‎ ‎مع حزبي‎ ‎النور والأصالة الإسلاميين.‏

ونلمس ذلك الاتجاه في ضوء بيانه الذي خرج به عام 2015، يؤكد فيه أنه ليس ذراعًا للجماعة السياسية، ‏وأنه يكثف جهوده خلال الفترة الأخيرة للفصل بين العمل الدعوي والسياسي.‏

وهو ما فسره إسلام الكتاتني، الباحث في الشؤون الإسلامية، بأن الأحزاب الإسلامية في مصر تلجأ حاليًا ‏إلى سياسة العودة إلى مربع الصفر، بالظهور في صورة الأحزاب السياسة التي تحاول تصليح أخطاء ‏التيارات الإسلامية تحت مظلة المراجعات الفكرية، والاستعداد بغلق صفحات العنف الماضية، وفصل ‏العمل الدعوي عن السياسي. ‏

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل