المحتوى الرئيسى

آفات البيروقراطية تضرب زراعة الموالح: «المانجة باظت على السجر» | المصري اليوم

08/22 21:22

على مدار ساعات النهار يحاول محمد موسى التقاط ما تبقى من ثمار المانجو الصالحة من أشجار حديقته بمحافظة الإسماعيلية، بعد أن انخفض معدل إنتاج الأشجار هذا العام وما سبقه إلى 30% عن 2014، بحسب تقديره الشخصى. يلقى موسى بالمسؤولية على التغيرات المناخية التى فوجئ بها المزارعون خلال شتاء وصيف العام الحالى، خصوصاً أنها ضربت الحدائق دون تحذيرات تسبقها من محطة الأرصاد الجوية الزراعية، أضف إلى ذلك انتشار الآفات الزراعية بسبب ضعف إشراف وزارة الزراعة على علاجها، بحسب ما يقول.

تملك عائلة موسى حديقة مساحتها خمسة فدادين بمركز أبوصوير من بين 90 ألفاً و936 فدانا فى محافظة الإسماعيلية. فى عام 2014 بلغ إنتاج الإسماعيلية 327 ألفاً و369 طن من المانجو، بحسب تقديرات المحافظة نفسها.

مزارع المانجو تعانى من الإهمال

مع ذلك فإن حظ موسى كان أوفر عن غيره من المزارعين، فعلى الأقل لم تضرب المياه الجوفية أرضه مثل باقى الأراضى الغارقة بالمركز لوجود مزرعته على مستوى مرتفع عن سطح الأرض.

أثناء جمعه للمانجو يراقب بعينه على امتداد البصر الأشجار الذابلة فى مزارع أخرى أصبحت أرضها تطفو على بحر من المياه الجوفية ويقول: «تلك أكبر مشكلة الآن تصيب الإسماعيلية».

هنا مركز أبوصوير، لا يمل الفلاحون من الشكوى مما وصفوه بـ«الغياب الكامل للحكومة عن دعم زراعة المانجو وتطويرها»، على يمين ويسار الطريق السريع المؤدى لمدخل المركز يقف بائعو المانجو أمام أكشاك خشبية لعرض إنتاج المحافظة على المسافرين، والسيارات تمر على الطريق دون توقف للشراء، بعد أن صارت الأسعار مساوية لأسعار الأسواق، وفقاً لعدد من حائزى الأراضى أثناء استراحتهم على كافيتيريا فى وقت الظهيرة، وهم يراقبون الأشجار الخالية من المانجو فى صيف أغسطس.

تقدر محافظة الإسماعيلية مساحة الأراضى المثمرة بالمانجو فى أبوصوير بنحو 14 ألفاً و570 فدانا، جميعها كانت مزروعة بأشجار المانجو قبل أن يحول بعض حائزى الأراضى إنتاج أراضيهم لزراعة محاصيل زراعية أخرى كالذرة والقمح والبطاطس.

السبب فى ذلك بحسب المزارعين من مالكى حيازة الأراضى فى الإسماعيلية هو إهمال الدولة لهم بداية من وزارة الموارد المائية والرى، مروراً بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، التى حازت الجانب الأكبر من الاتهام، نهاية بجهاز حماية المستهلك المتهم من جانب الفلاحين بعدم مراقبة الأسواق أو التحقيق فى سبب نقص محصول المانجو، بعد أن ارتفعت أسعاره هذا العام إلى الضعف مقارنة بالعام الماضى فى ظل نقص المعروض منه فى الأسواق.

أقصى ما يعانيه المزارعون هو مشكلة المياه الجوفية التى ضربت الأراضى فى المركز، بحسب الحاج حسين، وهو صاحب مزرعة على الطريق السريع، ويبرر ذلك بتناسى وزارة الموارد المائية والرى تنظيف شبكة الصرف المغطى، يقول وهو يشير لأرضه على الناحية الأخرى من الطريق: «لو الحكومة تعمل فينا معروف، تيجى تنضف شبكة الصرف المغطى، لأن المياه ضربت فى الأرض كلها».

تتوزع شبكة الصرف المغطى بمواسير فرعية تحت الأرض، مواسير رفيعة بها ثقوب تمتص المياه الزائدة عن الأرض وتطردها عبر مواسير رئيسية إلى حوض دائرى من الأسمنت يسميه الفلاحون «غرفة التفتيش».

امتلأت غرفة تفتيش حسين بالمياه وارتفعت عن الحد الأقصى لها، وصارت المياه عفنة تملؤها الطحالب بسبب عدم تنظيف المواسير التى تسير تحت مزرعته.

تضم مديرية الزراعة بمركز أبوصوير 46 مهندساً زراعياً، بحسب الحاج حسين. يفترض أن وظيفتهم الإشراف على الحدائق، وفق مدونة عمل هيئة إدارة البساتين على الموقع الإلكترونى لمحافظة الإسماعيلية، التى تقول إن من ضمن مهام المهندسين الزراعيين «المرور على حدائق المحافظة لمتابعة الحدائق، وحل مشاكل المزارعين، وتوجيههم لأحدث الأساليب الزراعية»، لكن حسين يقول: «ده كلام ع الورق».

طبقاً لموازنة الإدارة المحلية للسنة المالية 2014/ 2015 فإن مصروفات مديرية وزارة الزراعة فى محافظة الإسماعيلية بلغت 111 مليونا و790 ألف جنيه، من إجمالى مصروفات المحافظة التى بلغت مليارا و914 مليونا و986 ألف جنيه.

حاز بند أجور العاملين فى المديرية على نصيب الأسد حيث بلغ 111 مليونا و158 ألف جنيه، بزيادة مقدارها 10 ملايين و36 ألف جنيه عن موازنة 2013/2014، منها 49 مليونا و313 ألف جنيه فى بند المكافآت، و19 مليونا و861 ألف مزايا نقدية.

ما يعانيه المزارعون فى محافظة الإسماعيلية لا يختلف عن معاناة الفلاحين بشكل عام فى باقى المحافظات، وتجلى ذلك بوضوح فى لقاء ممثلى الفلاحين مع صلاح هلال، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، فى 17 أغسطس الجارى بمقر ديوان وزارة الزراعة للاستماع إلى مشاكل المزارعين والفلاحين على مستوى الجمهورية، وفقاً لبيانات مديرية الزراعة بمحافظة الإسماعيلية على الموقع الإلكترونى للمحافظة.

وانحصرت الشكاوى فى ضرورة تطوير التعاونيات الزراعية، وخلق آلية لتسويق المحاصيل الزراعية للفلاح، وتطبيق الدورة الزراعية الإلزامية، والحد من ارتفاع الأسعار، وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى.

ردود الوزير تلخصت فى تصريح قال فيه: «لن يجرؤ أحد على إهانة الفلاح المصرى»، مع وعود بإنشاء عدد من المشاريع الزراعية فى مجال التسويق، والارتقاء بمستوى معيشة المزارع.

لكن فى مقابل تصريحات الوزير فإن مزارعى الإسماعيلية يرون العكس على أرض الواقع، فيقول الحاج محمد، وهو مزارع يملك نحو 3 فدادين بقرية المنايف التابعة لمركز أبوصوير: «لا وجود لوزارة الزراعة، الجمعية الزراعية يعمل بها 64 مهندسًا، يفترض أن يشرف كل واحد منهم على حوض زراعى يرشد مزارعيه لتجنب المعوقات التى تقف أمام المحصول، لكننا لا نرى فى الجمعية سوى الموظف المشرف على صرف المواد الكيماوية وموظف الخزينة».

فى الموقع الإلكترونى لمحافظة الإسماعيلية تغيب إرشادات مديرية الزراعة عن الفلاحين، وتركز على الأخبار المتعلقة بالوزارة، خصوصاً ما يتعلق بعمل الوزير فقط، أكثر من تركيزها على مطالب الفلاحين بالمحافظة.

يعتبر الحاج محمد أن أولى المشاكل التى أدت لضرب محصول المانجو هى التغيرات المناخية، حيث قال إن هناك موجة صقيع صاحبت عاصفة سميت إعلامياً بعاصفة الهدى فى فبراير أثناء نمو الزهور، وارتفاع فى درجات الحرارة والرطوبة منذ بداية الصيف.

ويشرح باستفاضة: «فى فصل الشتاء، وأثناء ظهور الشيحة– وهى الزهور التى تخرج منها الثمار على الأشجار، يفترض أن نرش الأرض بزيت الـ(فلك) كى نزيل الصدى الذى يتكون على الأوراق، لكن موجة البرودة التى ضربت مصر وقتها أثرت على الزهرة، ولم ينبهنا أحد قبلها بالرش فى ظل نقص المعروض من المبيدات»، جرى ذلك فى منتصف فبراير.

ومع دخول موسم الصيف الحالى الذى شهد ارتفاعاً ملحوظاً فى درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، دون إخطار الفلاحين، يقول الحاج محمد: «لم يخطرنا أحد من محطة الأرصاد الجوية الزراعية، كنا سنقاوم ارتفاع درجات الحرارة بزيادة أيام الرى حتى تنخفض درجة حرارة الأرض».

لم تخطر وزارة الزراعة الفلاحين بالتغيرات المناخية، وقع ذلك رغم وجود محطة أرصاد جوية زراعية بالمحافظة، من ضمن عملها وفقاً للائحتها «إعطاء قراءات لحرارة الهواء والرطوبة والتنبؤ بموجات الصقيع، بالإضافة إلى جدولة الرى عن طريق قراءات البخار اليومى التراكمى بمعلومية الماء الميسر لكل محصول، وذلك وفقاً لأجهزة القياس الحرارية»، بحسب الموقع الإلكترونى لمحافظة الإسماعيلية.

المشكلة الأخرى التى يحكى عنها الحاج محمد هى نقص المبيدات المقاومة للحشرات والآفات.. يشير إلى أشجار المانجو على الناحية المقابلة للطريق السريع ويقول: «فى العام الماضى لم تكن الأشجار بهذا الشكل، كانت تطرح ثماراً ناضجة»، الآن صارت أشجار المانجو دون ثمار.

بالإضافة إلى ذلك فإن موسم زراعة المانجو الذى يبدأ من أواخر الصيف إلى بدايته فى العام التالى يتعرض لآفات وحشرات قد تتلف المحصول أهمها «ذبابة الفاكهة»، وهى شبح الرعب بالنسبة للفلاحين فى محافظة الإسماعيلية، ومنهم محمد موسى الذى أتلفت الذبابة كميات كبيرة من حديقته، يقول: «إن ذبابة الفاكهة تستقر على الثمرة لدقائق وتنغزها نغزة تضع فيها تكاثرها وبعدها يفرز البيض ديدان داخل الثمرة تفسدها تماماً».

لم تطور وزارة الزراعة حتى اليوم مكافح للذبابة، وكذلك معهد البحوث الزراعية، منذ أربع سنوات يصنع الفلاحون مكعبات صغيرة من الخشب يطلونها بلاصق لجسم الذبابة ومبيد حشرى ويتركونها معلقة على الشجرة، صرفت وزارة الزراعة لمحمد موسى العلاج نفسه، فقط قطعة معدنية بسلك يعلقها على شجرة واحدة على مساحة 5 فدادين، يقول إن الجمعية الزراعية لم تعطه سوى 4 فقط، ومهندسو الجمعية لا يمرون عليه لتجديد اللاصق بعد أن يجف، فيضطر فى النهاية إلى شراء المبيدات من السوق السوداء ويخضع لابتزاز التجار من ناحية والتشكك فى صلاحية المبيدات من ناحية أخرى، بحسب ما يقول.

العام القادم لن تنتهى الأزمة، بحسب ما يتوقع الفلاحون، فحين حاولت الحكومة ضمن سياساتها المستقبلية للتقشف تخفيض ميزانيتها، خفضت ميزانية وزارة الزراعة المخصصة للبحوث والاستثمارات بنسبة بلغت 60% ولم تجرؤ على الاقتراب من بند الأجور الذى يحوز على 99.4% من ميزانية مديرية الزراعة بالمحافظة.

«مشمش العمار».. أشجار عجوزة أكلها الصدأ والسوس

الجفاف والآفات يتسببان فى تدمير أشجار المشمش

لم يعد شهرا يونيو ويوليو عيداً لأهالى قرية «العمار» فى محافظة القليوبية، منذ سنوات ومع بداية الصيف كانت أسر القرية تنتقل بأكملها إلى حدائق المشمش التى كانت مركزاً لإنتاجه فى الماضى، يجمع الصغار المحصول ويشرف عليهم أمهاتهم وآباؤهم الذين يتولون مهمة تغليفه فى كراتين قبل أن يوزع إلى باقى المحافظات، لكن الأجيال الجديدة لم تر هذا الآن، حكاية يرويها الحاج علام أثناء جلوسه فى شرفة منزله فى قلب الحديقة التى ورثها عن أجداده.

يشير إلى المساحات الخضراء المحيطة بالبيت ويقول: «جميعها كانت مزروعة بالمشمش»، من بين 3 فدادين كانت مزروعة بأشجار المشمش لم يتبق سوى «5 قراريط» خلف البيت، وشجرة وحيدة سقطت أوراقها أمام البيت، تركها بين محصول البطاطس والذرة لأنها أقدم شجرة زرعت فى تلك الأرض، بحسب قوله.

لا يختلف حال الحاج علام عن حال الفلاحين بقرية العمار.. أحد أسباب تمركز زراعة المشمش فى القرية كان عدم احتياج الشجر إلى تكلفة كبيرة، ولا تحتاج إلى خدمات كثيرة بحسب ما يقول، «تعيش الشجرة فى مرحلة فصام من أكتوبر إلى فبراير دون أن تحتاج إلى رى».

يتسع الفدان الواحد إلى 80 شجرة، ويمكن للشجرة الواحدة أن تنتج 600 كيلو من المشمش فى الموسم الواحد، لكن ذلك تلاشى مع مشاكل الرى، والآفات الزراعية التى ضربت المحصول.

الصرف المغطى أيضاً صار إحدى المصائب التى ضربت الأراضى، ارتفعت المياه الجوفية عن الحد الأدنى لها بعد انسداد شبكات الصرف المغطى التى لم تقترب منها يد الصيانة منذ سنوات.

بعد ذلك بدأت الآفات تضرب الأشجار، منها «سوسة القلف» التى لم يجدوا لها علاجا عند وزارة الزراعة أو معهد البحوث الزراعية، لذلك اتجه أغلب الأهالى لزراعة الذرة والقمح، بحسب الحاج محمد علام الذى يضيف مبتسما: «وناس تانية بتزرع بانجو».

أثرت الرطوبة التى ضربت الأرض فى الأمراض الفطرية، خصوصا أمراض البياض وذبابة الفاكهة التى يمكن أن تؤثر على المحصول لكنها لا تؤثر على الأشجار، بعكس «سوسة القلف».

أنهت السوسة على حياة الأشجار فى فترة زمنية قصيرة، منذ أن ظهرت خلال الـ15 سنة الأخيرة، بحسب علام، تحفر يرقاتها أنفاقاً عمودية داخل سيقان الشجر، وتفرز كرات صمغ صغيرة على الساق والأفرع المصابة.

ازدادت مشاكل الفلاحين مع المشمش فى ظل نقص الأدوية والمبيدات، يقول الحاج على وهو مزارع آخر: «أصبحنا لا نذهب إلى الجمعيات الزراعية بسبب تأكدنا من عدم وجود المبيدات التى نحتاجها، من يستطيع تحمل نفقات السوق السوداء يذهب ويشترى، ومن لا يستطيع يردم أرضه ويبنى عليها بيتاً».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل