المحتوى الرئيسى

إسلاميو الخليج ووقفة مع أردوغان

08/22 15:55

د. عبد العزيز محمد قاسم

اقرأ أيضا: أين ستمضي رابطة العالم الإسلامي مع د. العيسى؟! "ستينغر" أفغانستان .. وملحمة حلب بل الحسم العسكري أولى من الانسحاب المخزي أيها المهرولون تجاه الصهاينة..مهلا جوابا لتوماس فريدمان

المفاجآت التي توجّهها تركيا اليوم لكل المتعاطفين معها من إسلاميي الخليج والوطن العربي لا تتوقف، وكنت أرسل الروابط للتصريحات التترى لأردوغان لبعض الأصدقاء الذين بحّ صوتي وأنا أردد لهم من عامين وأكثر، بأن أردوغان إنما هو زعيم تركي عظيم لوطنه، وليس فارسا عثمانيا أتى لتوحيد الأمة، بما فهم منه البعض عبر خطاباته العقائدية.

مثل الملايين من غيري، كنت –وما أزال للآن- أرى أن أردوغان هو خير من يقود تركيا، وأنه أفضل بألف مرة من أصحاب البساطير العسكرية، أو الكماليين الغلاة من القوميين ذي النزعات التركية المؤدلجة، بيد أن هذه الرؤية تظل محكومة في توافقه مع سياسة قادتنا هنا، وانسجامه مع رؤيتنا، واصطفافه في خندقنا بالخليج تجاه المدّ الصفوي الذي يحاصرنا، والتدخل الروسي الغاشم في سوريا، ووقوفه مع حربنا ضد الحوثيين.

ككل مسلم سني، فرحنا بانجازات أردوغان لتركيا، ودعونا ليلة الانقلاب أن يحفظه الله، وجأرنا بالشكر لنجاته وعودته لقيادة تركيا، وكتبت كغيري مقالات وتغريدات بهذا الشأن، كل هذا كان من وحي واجبنا تجاه قائد مسلم سني، لذلك لا يزايدن أحد في تثميننا لمكانة الرجل وانجازاته، ولكن هذا ربما ينقلب، حال انقلاب سياسته ضد سياسة ولاة أمرنا، أو اصطفافه مع أعداء الأمة والوطن اليوم.

لا مجال هنا للتمييع أو تهوين ما يحصل اليوم من تركيا أردوغان، ويجب على كل اسلاميي الخليج تحديدا أن يوطّنوا أنفسهم لما هو آت، فالرجل بعد أن كان يدعو بوتين قبل عدة أشهر بـ"الشرير المتجبر، صديق السفاح" بات يصفه بـ "صديقي وصديق تركيا"، ولمّا يفق الطفل السوري المنكوب عمران بعد من ذهوله، بعد مجزرة الطائرات الروسية بأهله في حلب، وإن برّر بعض المحبين له أن الرجل ذهب لروسيا لتسوية مسألة سوريا التي استنزفت بلاده، وهددت وحدة تركيا؛ بيد أننا لنرجو ألا يكون ذلك على حساب هذا الشعب المغلوب على أمره.

سيعرج أردوغان بعد زيارته موسكو على طهران، وتصدمنا وكالة "فارس" مهللة بعنوان عريض للزيارة: "أردوغان يزور إيران الأسبوع المقبل لإطلاق تحالف تركي-ايراني-روسي حول سوريا"، ولا بأس إن كانت تلك التسوية ستتم وفق رؤية قادتنا هنا في الخليج، أو بما نحدث أنفسنا بأن الرجل نسق مع قادة دولنا لتلك التسوية، ولكن إن تخندق في ذلك الحلف ضد ما تراه قياداتنا في الخليج، فهنا المفاصلة البيّنة التي لا تردّد فيها ولا تمييع، والرجل سيصطف في نظرنا وشعوبنا العربية مع خامنئي والأسد وبوتين، ومما يزيد حيرتنا ما صرح به رئيس الوزراء التركي يلدريم في مؤتمر صحفي قبل يوم أمس السبت، بأن الرئيس السوري بشار الأسد هو أحد الفاعلين في الأزمة السورية، ويمكن محاورته من أجل مرحلة انتقالية، ما يفهم منه قبولا مبدئيا ببشار.

الرئيس أردوغان لم يحظ بكل تلك الشعبية في العالم العربي والاسلامي إلا بوقوفه ضد الصهاينة، وخطاباته القوية تجاه اسرائيل، وأيضا مواقفه العقائدية التي لاقت ترحيبا كبيرا بين أوساط الاسلاميين، واهتمامه بقضايا الأمة الاسلامية التي كان ولا يزال يدبج بها خطاباته، واتجاهه نحو العالم العربي بعد أن سدّت الطرق أمام انضمامه للاتحاد الأوروبي، ولكن قبل يوم أمس يفجعنا بقوله: "تركيا بحاجة إلى إسرائيل، على غرار إسرائيل التي تحتاج أيضا إلى تركيا في منطقة الشرق الاوسط", داعيا إلى المضي في تطبيع العلاقات بين البلدين التي توترت منذ العام 2010.

كل الذين برّروا له من بعض الاسلاميين في قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ أخطأوا برأيي، لأنهم إن قبلوا من أردوغان هذا التطبيع تحت لافتة "مصلحة بلاده"، فعليهم أن يقبلوا من السيسي ولا يشنعون عليه تطبيعه. بل أكثر من ذلك، إن بادرت غدا أية دولة خليجية في تطبيع كامل مع الكيان الصهيوني؛ أن يقبلوا ذلك، لأن اللافتة واحدة، بل ربما تكون ملّحة أحيانا هنا، والازدواجية العوراء بهذه المسألة؛ نفاقٌ فاقع، لا يليق بصاحب مبدأ.

يجب أن نقولها علانية لأردوغان اليوم ونجهر له بها: شعبيتك في العالم العربي والاسلامي؛ نبعت من مواقفك مع قضايا الأمة، واصطفافك في الخندق السنّي مع بلداننا، ومجابهتك الصهاينة. وفي حال انخذالك بحجة مصلحة بلادك، فإن كل تلك الشعبية ستتلاشى. ربما مثّل أحد ألمع الكتّاب الاسلاميين اليوم، الأستاذ ياسر الزعاترة، هذا الموقف -حول اسرائيل- في مقالة له من أشهر، كانت بعنوان: "عن اعتذارات أردوغان وتراجعاته" في صحيفة الدستور الأردنية، قال فيها: "في السنوات الأخيرة مال أردوغان إلى خطاب عقائدي ومواقف حدية لا يمكنه احتمال تبعاتها، وها هو يجني نتاج ذلك، بتقديم تنازلات تضرّ بمصداقيته.  دعم الشعب الفلسطيني له طرائق شتى أفضل من الخطابة، وكان بوسعه أن يدعم من دون خطابة وتصعيد لا يحتمله وضعه الهش داخليا وخارجيا". وأضاف الكاتب الأردني ذائع الصيت والذي يحظى بمكانة كبيرة بين الاسلاميين: "مكاسب العدو من اتفاق التطبيع أكبر من مكاسب تركيا، أما غزة فلم تربح سوى أشياء هامشية قد يتم التراجع عنها لاحقا. وتبقى قضية فلسطين، وهي خاسرة في هذه اللعبة. مع ذلك؛ أي تطبيع عربي أو إسلامي مع إسرائيل مرفوض ومدان؛ ولو كان ثمنه رفع الحصار عن غزة، فضلا عما دون ذلك. قضية فلسطين أكبر من حصار القطاع".

أتمنى من كل قلبي أن يكون الرئيس التركي اليوم يعمل بتنسيق واتفاق مع قادتنا، وإن تفهمنا أنه رجل يعمل لصالح بلاده ،وهذا حقّ له بالتأكيد، لكن لن تكون على حساب مواقف قادتنا وبلادنا، ولا على حساب الشعب السوري المنكوب، ولا على محاربتنا الصفوية التي استنبت كفيروسات خبيثة في بلادنا العربية والاسلامية، ولا على الحلف السني القائم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل