المحتوى الرئيسى

نائلة إدريس تكتب: هل مسلسل “الطاغية” مرآة بلداننا العربية؟

08/22 10:17

في السادس من يوليو الماضي بدأ بث أول حلقة من الموسم الثالث للمسلسل الأمريكي “الطاغية” (Tyrant).

يفترض أن تقع أحداث هذا المسلسل ببلد عربي خيالي يسمى “أبودين” (Abuddin).. هل هو تلاعب بالكلمات؟ أبودّين؟ أو “أبُ الدين”؟

بلد تحت سيطرة ديكتاتور مزاجي ودموي.. شعبه المضطهد يطالب بمزيد من الحرية، وبدأ يثور ضده، إلا أن الأسوأ هو أن بلدة “أبودين” مضطرة في نفس الوقت لمواجهة احتلال من طرف جماعة من الإرهابيين، وهم إسلاميون متطرفون.

تدعى الجماعة “الخلفاء” (Caliphates)، وهي نسخة طبق الأصل من “داعش”.

الديكتاتور “جمال” (أشرف برهوم) له أخ يدعى “بسام” (آدم راينر) والذي عاش 20 سنة بالولايات المتحدة الأمريكية.. أين أسس عائلة؟!

ويبدأ الموسم الأول بعودة “بسام” إلى “أبودين”.

خلال الموسمين الأولين كانت الأحداث مقتبسة في أغلبها من الواقع والوضع الذي تعيشه مختلف البلدان العربية، بل في الحقيقة هو مزيج من أحداث جدّت في العديد من البلدان، فمثلا في إحدى الحلقات تم الحديث عمّا حصل “لمحمد البوعزيزي” في تونس.

انتهى الموسم الثاني بانتصار المقاومين بقيادة “بسام” على “الخلفاء”، وتمكن المقاومون بمساعدة الجيش من التخلص من المتطرفين وتحرير بلادهم، الأمر الذي جعل “بسام” يطالب باستسلام أخيه، وكان المفروض أن يقع الإعلان عن ذلك أثناء مقابلة تليفزيونية، الأمر الذي لم يتم بسبب إطلاق النار عليه.

يبتدئ الموسم الثالث بإقامة “جمال” بالمستشفى، إلا أنه سريعا ما سيقع قتله، ثم بمساعدة الأمريكيين والجيش تم تعيين “بسام” رئيسا مؤقتا إلى حين إعداد الانتخابات، وبدأت تبعا لذلك فترة انتقال ديمقراطي.

سوف يحدد بسام إجراء الانتخابات خلال ستة أشهر، كما سيقرر إخلاء سبيل المعارضين الموجودين بالسجون بما فيهم الإسلاميين، حيث أعلن عن إصداره لعفو عام ونيته إشراك مختلف المعارضين في الحكم، وأنه لن يتولى الترشح في الانتخابات المقبلة، وهذا يمثل في الحقيقة نفس مضمون ورقة الطريق المعلن عنها في تونس سنة 2011!

وكما حصل في تونس، سوف ينشئ “بسام” هيئة للانتخابات، والتي ستشارك فيها جميع التيارات من إسلاميين وعلمانيين وموالين ومعارضين للنظام السابق وللديكتاتور “جمال”، وأيضا هيئة للحقيقة والكرامة والتي سميت بهذا الاسم تماما كما هو الشأن في تونس، وفعلا فقد قال “بسام” وبكل وضوح إنه اتخذ هذا القرار بعد دراسته للمثال التونسي.

وكما في تونس سوف تترأس هذه الهيئة مناضلة قديمة “داليا” (Melia Kreiling) Daliyah “أم الثورة”.

منذ عرضه، أثار هذا المسلسل جدالات عديدة، من بينها دور الولايات المتحدة الأمريكية، فـ “بسام” العربي “المتأمرك” هو الذي سوف يحاول إنقاذ البلاد.

للأسف، كان من الممكن أن يحظى المسلسل بمصداقية أكثر لو تم الاستغناء عن هذا الجانب، إذ لا حاجة لأن يكون “بسام” قد عاش 20 عاما بالولايات المتحدة الأمريكية ليكون ديمقراطيا ووطنيا!

اختيار الممثل في حد ذاته كان أيضا محل نقد، فلماذا تم اختيار “بسام” -على خلاف بقية الممثلين- ليكون ذا بشرة فاتحة وعينين زرقاوين؟!

الحضور الأمريكي طاغٍ في “أبودين”، فالأمريكيون هم الذين يساندون “بسام” ويقدمون له النصح ويوجهون جيشه، وفعلا فهذا من بين الأمور التي عابها الشعب على “بسام” وسوف يلقبونه بـ”الأمريكي”.

يعيب البعض على المسلسل أنه قدم البلدان العربية بصورة متهكمة وساخرة، بل بشكل كاريكاتوري تعسفي وعنصري.

قد يكون هذا ممكنا إذا ما تناولنا المسلسل بشكل سطحي ومن خلال أحكام مسبقة، لكن ليس بالضرورة، لأنه أحيانا -نحن العرب- يجب أن ننظر لأنفسنا في مرآة، وسوف نكتشف أمورا حتما لن تعجبنا، فلا فائدة من الصراخ والقول إن هذا لا يشبهنا، اذ يكفي أن نتذكر التجاوزات المرتكبة من بعض الحكام مثل “القذافي” و”صدام حسين”، فـ “جمال” في المسلسل لم يكن أسوأ منهم!

يجب أن ننظر إلى الجانب الإيجابي لهذا المسلسل ونحاول أن نستفيد منه، فـ تونس مثلا كانت مجهولة تماما بالنسبة للشعب الأمريكي، لكن ولمرتين تم الحديث بصفة خاصة عن هذا البلد، مرة عند ذكر “البوعزيزي” واندلاع الثورة، ومرة أخرى عند الحديث عن هيئة الحقيقة والكرامة وتجربة العفو، وكان التناول في المرتبن إيجابيا.

بالنسبة للصورة التي يقدمها هذا المسلسل عن المسلمين، فلننظر للأمور من زاوية إيجابية، المفترض أن كامل أحداث المسلسل تدور في بلد مسلم وأن تكون كافة شخصياته تقريبا مسلمين، والمسلسل يبرزهم من عدة جوانب وخاصة الإنساني منها، إذ نجد الصالحين والأقل صلاحا، والشرفاء والأقل شرفا، والحكماء والأقل حكمة، والجبناء والشجعان، والمؤمنين والملحدين، فهم ككافة البشر مهما كانت بلدانهم.

وهكذا نبتعد عن النمطية “المسلمون أشرار وإرهابيون وغير متسامحين”.

النساء أيضا يلعبن دورا هاما، ولم يقع إبرازهن في صورة الخاضعات والضحايا.

الجديد الذي أتى به الموسم الثالث هو ظهور الشيخ “حسين القاضي” (خالد أبو النجا)، والذي تم تقديمه كإسلامي معتدل وسوف يمثل الإسلام كدين سلام ورحمة.

لكن، هل هذا الشيخ “حسين القاضي” معتدل فعلا؟

في أول حلقة من الموسم الثالث، نراه ينتقد الديمقراطية ويستنكر ابتعاد “أبودين” عن التشريع الإلهي وخضوعها لقانون الإنسان، ويسخر قائلا: إن البعض يعتبر ذلك تقدما! الأمر الذي يدعو للشك في “اعتداله”، لكن على امتداد الحلقات نلاحظ أنه معتدل فعلا، فبالرغم من أنه يطمح لإرساء دولة ثيوقراطية قبل أن يلعب لعبة الديمقراطية، ويريد إعطاء الخيار للشعب، وخاصة أنه يرفض كل أنواع العنف، فهو يدعو إلو إسلام السلم والسلام، وإلى الحوار والاحتجاج غير العنيف.

(اليوم لدينا فرصة لنظهر لأبودين وللعالم أجمع أنهم كانوا على خطأ عندما خافوا منا.. إن كتابنا الكريم يعلمنا أن المسلم الحقيقي هو الذي يتبع الطريق المستقيم، طريق السلام والرحمة وضبط النفس، حتى في صورة امتحاننا لا يجب أن نحيد عن هذا الطريق).. هكذا تحدث الشيخ “حسين القاضي” في المسلسل.

إن شخصية “القاضي” هامة جدا، حيث إن صورة المسلمين كما يروجها الإعلام الغربي، خاصة بعد العمليات الإرهابية بـ باريس وبروكسيل وأورلاندو ونيس، أقرب ما تكون إلى صورة الإرهابي، في حين أنه ضمن المسلسل هذه الشخصية هي نقيض الإرهابي، إذ يتعلق الأمر برجل يعظ بالصلاح والتوافق والسلام، إلى درجة المخاطرة بحياته لتحقيق ما يعتقد أنها رسالته.

كان صوته فقط هو المسموع في محاولة لتجنيب البلاد الدخول في مأزق العنف، حيث قال في إحدى خطبه في المسلسل:

(إنها فترة خطرة بالنسبة لبلادنا، فهناك خطر الانسياق في الغضب والعداء وجرنا إلى العنف، ولكن هذه فرصة، فرصة للمطالبة بميراثنا الضائع، لاتباع مثال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي علمنا أن التطرف والعنف ليس لهما مكان في الإسلام.. إن رؤيتي هي رؤية الإسلام الحقيقي الذي يذكّر أن التسامح هو ركيزة أساسية للإيمان، لأن الإسلام هو السلام.. والسلام عليكم”.

عندما تحدى طالب جنديا، قال له إنه مستعد لأن يقدم نفسه شهيدا، فبماذا أجاب “القاضي”؟

(هل هذا ما تعتقد أن الله يريده؟ المزيد من الشهداء؟ الجنة مليئة بالشهداء.. إن التضحية الحقيقية هي العيش هنا معنا ومحاولة نشر السلام.. هذا الرجل هو أخوك).. قال له هذا مشيرا إلى الجندي.

ما أجملها من صورة! فليس كل المسلمين إرهابيين، ليس كل المسلمين يتوقون لأن يصبحوا جهاديين، ليس كل المسلمين يحلمون بأن يكونوا شهداء.

في الأخير.. ما الذي يبرزه هذا المسلسل؟

في محاولة للالتصاق بالواقع، فهذا المسلسل يبرز بكل بساطة الوجه الحقيقي للبلدان العربية بكل تناقضاتها واختلافاتها، ولولا خصوصية واقع المنطقة لما أمكن نقل المسلسل إلى أي بلد أو منطقة أخرى تمر بأزمة حادة.

هذا المسلسل مثير للاهتمام أيضا، لأنه يطرح العديد من الأسئلة والتفكير في مستقبل البلدان العربية.. ما هي الخيارات المتاحة لهم؟ دول مدنية أم دول ثيوقراطية؟ كيف يمكن إرساء دولة مدنية إذا كان جزء من الشعب رافضا لها؟

والعكس بالعكس، كيف يمكن فرض دولة ثيوقراطية إذا كان جزء من الشعب رافضا لها أيضا؟ كيف يمكن حل مشكل الإسلام السياسي، وهل يتماشى مع الديمقراطية؟ هل يمكن فعلا أن تكون دولة ثيوقراطية ديمقراطية؟ ما الذي يمكن فعله في مواجهة الإسلاميين؟ هل كانت هناك نتائج إيجابية لقمعهم كما تم في عدد كبير من البلدان العربية على امتداد سنوات عديدة، تقريبا منذ الاستقلال إلى اندلاع ثورات الربيع العربي؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل