المحتوى الرئيسى

خزان الجهاديين | المصري اليوم

08/22 02:55

اقتلعت رياح ثورة الياسمين عرش زين العابدين بن على ليصعد سيف الله بن حسين منبر مسجد الفتح في العاصمة تونس.. كان خارجا لتوه من سجون الرئيس المخلوع ليجد آلاف الشباب جاثيا على أقدامه يهتف بنداء الجهادية الشهير «الله مولانا ولا مولى لهم».

كان مشهدا مدهشا لأولئك الذين لم يحسبوا أن قلعة العلمانية في الشمال الأفريقي كانت تحوي في باطنها كل هذا العدد من السلفيين حتى إن صحيفة اللوموند الفرنسية قدرتهم بما يربوا على الــ90 ألفا لم ينكشف الغطاء عنهم إلا برحيل النظام القمعي ووصفتهم وسائل الإعلام الغربية بــ«الخزان».

مازال الفكر في الانتشار والأعداد في تزايد حتى ظن السلفيون أن لحظة المفاصلة أوشكت على الدنو فاستعجلوا الصدام إلا أن سيف الله «أبي عياض» رأى أن الوقت لم يحن بعد فمازالت الأفكار سائلة والتنظيم غير محكم ومبررات قتال الدولة غير كافية فكان التمهل لحين أعداد العدة.

تسلل عدد من شيوخ السلفية قادمين من بلدان شتى إلى داخل البلاد... كانت المهمة الأساسية إعطاء دورات شبه سرية للشباب المتعطش لمعرفة أحكام الولاء والبراء ومناطات الكفر والإيمان ثم أتبعوا تلك المحاضرات في بلدان مجاورة كانت مصر من بينها.

جرفت الأفكار عقول الشباب «الخام» الذي لم ينشأ في بيئة تعج بأفكار متعددة وتيارات متنوعة تعصف بأوساطها تاركة مساحات من المرونة والليونة ... كان إحدى سيئات بن على الكبرى، لكنه رأوا فيها خيرا جعلهم يرون أن قلة التنوع وأحادية التيار خلق منهم شبابا مؤمنا بعقيدة نقية صافية لا يشوبها الدخن فغلب عليهم القسوة والتشدد.

انفرطت الحبات الأولى من المسبحة عندما قررت خلية منفردة اغتيال السياسي اليساري شكري بلعيد، فاضطرت حكومة النهضة لكبح جماح التيار المنفلت وشنت حملة اعتقالات، ورأى بن حسين أن الأمور تخرج عن السيطرة، فقرر القيام بما أسماه «عمل مادي كبير» فهم أتباعه أنه ليس إلا محاولة للانقلاب.

ضربت الانشقاقات التنظيم قليل الخبرة وحديث العهد فالقسم الأكبر رأى أن تونس «أرض بور» لا هي مؤهلة لإمارة إسلامية ولا هي أرض دعوة، وأن ما يقوم به أبي عياض من أعمال خيرية يرجوا بها خلق حاضنة شعبية ما هو إلا ماء سيجده يوما سرابا.

وبعد أن توالت الاختراقات الأمنية لصفوف التنظيم قرروا الهجرة الجماعية لأرض الشام إيمانا بأنها الأرض المباركة والملاحم الكبرى التي سيجتمع فيها الروم لقتال المسلمين في دابق حتى يكون النصر حليف الفئة المؤمنة.

لم يكن الخروج من تونس إلى تركيا يحتاج لتأشيرة فهاجر ما يقرب من 10 آلاف من تونس ليستقروا في سوريا والعراق وليهبط على أبي بكر البغدادي كنز بشري ثمين لم يكن يحسب له حسابا... كان خيرا للبغدادي، وبالا على أهل العراق وسوريا إلا أنه رحم تونس من موجات عنف محققة لولا كان خيار الهجرة الطوعية لأبناء السلفية الجهادية.

تموضع «التوانسة» في التنظيم فباتوا الأعلى كعبا إلا أن الرياح الشامية كادت أن تقتلع سفينتهم ... ها هي جبهة النصرة التي انضووا تحت لوائها في سوريا يحاول قادتها كبح لجامهم مما فسروه هم بأنه تمييز ضد جماعات «المهاجرين» لصالح الإخوة «الأنصار» من سكان البلاد الأصليين.

فكانوا أول من أيد ضم جبهة النصرة لتنظيم الدولة في العراق متخلصين من سطوة الأنصار ومعلنين العداء للمتمرد «أبي محمد الجولاني» وما لبث إلا أن قادت الفصائل السورية هجومها الكاسح على المبايعون للبغدادي ففقدوا في هذه الحرب زهاء الــ800 مقاتل وشردوا من حلب وإدلب وحمص حتى كادت أجهزة المخابرات أن تتلقفهم .... شعروا بالمرارة حتى إن أعدادا منهم اتهمت الفصائل بانتهاك أعراض زوجاتهم، فما زادهم ذلك إلا عنقا وقسوة حتى إذا ارتدوا على الفصائل وكانوا في طليعة المقاتلين الذين لم يرحموا في ثأرهم أحدا.

على أعتاب الرمادي والفلوجة وعين العرب وغيرهم قضى ما يقرب من ألف تونسي بين انتحاري وانغماسي ومازال الآلاف من بين جلدتهم في انتظار الموت أو تحقيق ما خرجوا من أجله.. دولة إسلامية يعودون بعدها إلى القيروان فاتحين.

وقف أحد مقاتليهم ليهتف «إني أخو حرب إن عضدت به عضدها وإن شمرت عن ساقها شمرا».. لم يعرف عنهم قبل ذلك قوة بأسهم في القتال إلا أن حدة في عقيدتهم وشراسة في طبيعتهم أهلتهم لأن يكونوا قوة «البغدادي» الضاربة وخزانه البشري.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل