المحتوى الرئيسى

أن تعطس فيهتز العالم

08/21 21:55

"وفي المقابل، نرنو إلى أن نصبح شخوصًا روائية"، يقول دوستويفيسكي.

ولكن حتى أولئك الذين يناسبهم تقديم دور في رواية، لا يصلحون جميعًا لأن يكونوا شخصيات رئيسية يدور العالم حول الواحد فيهم. هؤلاء الرائعون الذين نتمنى نمط حياة بعضهم، دون الاهتمام بما وراء هذا البريق من أسئلة إنسانية، وتركيبات ساهمت في صناعته. تلك توليفة بين القرار والقدر.

هذه حكاية واحد من هؤلاء السحرة. حكاية فرانك سيناترا. ليست من تلك القصص الصحفية التقريرية، أو التي تستطيع أن تتعرف على صاحبها بزيارة "ويكيبيديا". قصة استخدم كاتبها سيناترا، حرفيًا، كشخصية روائية. ذلك الأسلوب الذي تقف نظريات النقد وأزمات التصنيف حائلًا بينه وبين مكانة الأدب، حيث السرد الروائي لأحداث من الواقع، أو الـ "Non Fiction".

بينما العالم الذي نعرفه يتعامل مع نزلات البرد بلا مبالاة، كان هناك عالمًا آخر يتعامل معها بقلق كبير. عالم لم يهتم سُكّانه بصحتهم الشخصية إلى هذه الدرجة. كانوا فقط يهتمون بصحة الرجل الذي يدورون في فلكه. هم سُكان دُنيا فرانك سيناترا.

"سيناترا بالبرد يشبه بيكاسو دون ألوان، فيراري دون وقود. نزلة البرد العادية تنزع عن سيناترا جوهرته النفسية، صوته، وتغوص كالطعنة في قلب ثقته بنفسه. لا تؤثر على حالته النفسية فحسب، وإنما تتسبب أيضًا في نوع من الرشح النفسي لعشرات من محبيه، ومن المتوكلين عليه في رزقهم. إن سيناترا المصاب بالبرد يمكن أن يرسل ذبذبات تربك صناعة الموسيقى والسينما والاستعراض وما وراءها من صناعات، تماما كما يمكن لوعكة مفاجئة أصابت رئيس الولايات المتحدة أن تهز الاقتصاد القومي بأكمله".

المُغني الذي هزّ الأرض في الستينيات وما بعدها بفترة، لم يكن مجرد رجل يمتلك موهبة كبيرة وحضور طاغٍ. كان، أيضًا، صاحب سُلطة نفسية على الذين يعيشون حوله. كان وجوده في مكان يحوّل أشهر رواده إلى كومبارس في فيلم حياته. الجميع يتطوع لخدمته، ينتبهون لحركة بسيطة من عينه، أو إشارة من يده، حتى أن أشياء عابرة، مثل اختياره هداياه للأصدقاء والأقارب في الأعياد بنفسه، كانت تستحق أن يتوقف عندها جاي تاليز في كتابه "فرانك سيناترا عنده برد". لم يكن ينقصه سوى لقب "دون" ليكتمل شعورك بأنك أمام مارلون براندو في فيلم "الأب الروحي".

في 1966، كلفت مجلة "إسكواير" الأمريكية، الصحفي المعروف جاي تاليز بكتابة 6 قصص صحفية خلال عام. قصة كل شهرين. ثم في 2003، وخلال الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس المجلة، اختار مسؤولو التحرير قصة تاليز عن سيناترا كأفضل قصة في تاريخ المجلة. ذلك أنها "تحافظ على اشتباك القارئ حتى السطر الأخير"، بوصف طارق عطية مدير البرنامج المصري لتطوير الإعلام.*الذي أصدر الكتاب مؤخرا عبر منتدى المحررين المصريين، ويوزع مجانًا للصحافيين، ويُباع للقراء في المكتبات.

لم يعتمد تاليز في قصته الصحفية على لقاء سيناترا، فهو لم يستطع الجلوس معه مرة واحدة. من هنا، أنت لست أمام بورتريه أو تحقيق صحافي معتاد.

ببساطة، لو أن الكاتب استخدم أسماء وهمية، ستجد نفسك أمام عمل روائي قصير، مكتوب بتقنية الراوي العليم. اقترب منه أكثر مما لو كان جلس معه عشرات المرات، ولكنه اقتراب من نوع آخر. تحدث مع أكثر من مائة شخص يعيشون في المسافة بين جسد سيناترا وتخوم عالمه، حتى أنه لم يغفل تلك السيدة العجيبة التي ائتمنها فرانك على 60 خصلة شعر سوداء مستعارة، براتب أسبوعي 400 دولار. نعم، كان "يضع، مثلما قد يعرف الجميع، خصلة شعر سوداء مستعارة ولكنها مقنعة للغاية".

"أستطيع أن أجد في هذه القصة كل المعالم اللازمة في القصص غير الخيالي البديع: المشاهد، الحوار، الشخصيات، المنولوجات الداخلية، التنقل، البناء المتكامل الذي يضفي معنى أشمل".

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل