المحتوى الرئيسى

طارق الشناوي يكتب: شريهان.. ما أحلى الرجوع إليها!

08/21 13:56

لا أتصور أن هناك إنسانا يتمتع بذائقة فنية سليمة أو حتى شبه سليمة ولا يتوق لكى يشاهد شريهان مجددا فى فيلم أو مسلسل أو مسرحية أو حتى لقاء تليفزيونى، شريهان امتلكت فى قلوبنا مساحة لا تنفد من الحب، قبل أيام قرأت ما يؤكد عودتها للحياة الفنية بعد غياب امتد أكثر من 16 عاما، واستوقفنى فى الخبر اسم المنتج التليفزيونى جمال العدل واسم المخرج المسرحى خالد جلال، فلم نعرف هل العودة بمسلسل أم بمسرحية.

أنا مثل الملايين أنتظرها فهى صاحبة نغمة وإيقاع خاص فى فن الأداء الاستعراضى وبلا منافس، بينما فى الدراما فلها بصمتها الخاصة، شريهان فى جيلها هى نجمة الشباك الأولى بكل ما تحمل هذه العبارة من ظلال وتبعات وأيضا أرقام، اسمها متصدرا العمل الفنى كان يضمن تسويقا جيدا فى مصر والعالم العربى، من تلك الزاوية من الممكن أن تظل عند شركات الإنتاج لديها قدر لا ينكر من المكانة الأدبية التى تتحول إلى معادلة إنتاجية مضمونة، فهى اسم لا يزال له حضوره فى المشروعات الإنتاجية، لم تكن المرة الأولى التى ينشر فيها خبر العودة مع اختلاف فقط فى التفاصيل، لو عدت للأرشيف ستجد أن الحديث لا يتوقف إلا لكى يبدأ عن مسلسل أو فيلم مرشحة له شريهان، وكان آخر الأعمال الفنية مسلسلا اسمه السندريلا، وتردد وقتها اسم المخرج خالد يوسف ولكنه اعتذر، ثم تعددت أسماء المخرجين، وما حرصت شريهان وقتها على التأكيد عليه أن المسلسل لا علاقة له بسعاد حسنى لأن لقب السندريلا ارتبط بسعاد فتصور البعض أنها ستقدم قصة حياتها!!

بين الحين والآخر تجد هناك مساحة من الحضور الإعلامى تحرص عليه شريهان، وحقيقة الأمر لا أستطيع أن أجزم هل هى تتعمد ذلك أم أن الأمر يخضع لقانون الصدفة، مثلا قبل عامين أو أكثر قليلا احتلت شريهان مساحة مميزة على صفحات مجلة خليجية شهيرة (زهرة الخليج) وتصدرت الغلاف وتعددت الصور التى تؤكد اقتراب عودتها فى عمل فنى جديد، وفى الحقيقة لم أشعر عند تأمل صور شريهان سوى أن وجهها لم يعرف الزمن، فلا تزال النضارة والشباب والحضور هى العنوان، وتمر أيام وشهور ويخبو الخبر، ثم يتكرر فى إشارة أخرى عن اقتراب العودة، وهو ما يؤكد أن الرغبة مشتركة بين الجمهور وشريهان، إلا أن على أرض الواقع تستطيع أن تلمح شيئا من التردد، بعض المهرجانات على سبيل المثال تتواصل مع شريهان بل تحصل على موافقتها المبدئية من أجل حضور تكريم خاص بها ولكن فى اللحظات الأخيرة تتعطل لغة الكلام ويتوقف التواصل، وبالطبع فإن شريهان هى التى تتراجع نفسيا عن استكمال الطريق بحضور التكريم.

شريهان لم أستطِع أيضا أن أقول لن تعلن اعتزالها رسمياً، آخر فيلم سينمائى لعبت بطولته للمخرج الراحل أشرف فهمى وعرض فى مهرجان الإسكندرية السينمائى «العشق والدم»، وحصلت على جائزة أفضل ممثلة، وتسلمها وقتها زوج شقيقتها فى تلك السنوات المخرج كريم ضياء الدين، حيث كان المرض قد ألمّ بها، وألقى كلمة بالنيابة عنها ترجو من جمهورها الدعاء، وظلت منذ ذلك الحين تحوطها دعوات الناس، أتذكر أننا جميعا فوجئنا وفجعنا بالخبر، ومن وقتها وهى مبتعدة إلا فيما ندر عن الإعلام، ولكنها لم تتوارَ أبدا عن الأحداث التى يعيشها الوطن وهكذا شاركت مبكرا فى ثورة 25 يناير وهتفت بسقوط مبارك ونهاية سيناريو التوريث البغيض، وعاودت الهتاف فى 30 يونيو ضد من أرادوا بمصر أن تعيش خارج الزمن.

هى تمارس الحياة بكل تفاصيلها وتشارك الناس فى المواقف المصيرية، إلا أن العودة للاستوديو تظل حكاية أخرى، الفنان الذى ينسحب فى هدوء حالة خاصة، من لم يعلن انسحابه رسميا يظل دائماً يتطلع للعودة، وكلما طال زمن الغياب وازدادت المسافة بينه والجمهور، من لا يمارس الفن يتبدل موقعه من لاعب يحرز الأهداف إلى متفرج يكتفى بالتصفيق من المدرجات للعبة الحلوة، ورغم ذلك لا يهدأ بداخله الإحساس بأن هذا ليس هو المشهد الأخير، هناك نداء يعلو صوته أحيانا باقتراب الأمل وهو ما يزيد من ترقب الناس، إلا أن الناس تنتظر أن تراه كما شاهدوه قبل الاختفاء، عدد من النجوم لم يعلنوا الاعتزال ولكنهم حقيقة الأمر صاروا بإرادتهم خارج الخريطة الفنية، بينما هناك من أعلن فعلا الاعتزال مثل الفنانة الكبيرة نجاة التى قررت فى فترة متوافقة زمنيا مع شريهان أن تودع الحياة الفنية، إلا أنها عادت مؤخرا وسجلت فعلا أغنيتين «تعظيم سلام» و«كل الكلام»، طبعا عودة الصوت تختلف عن عودة الصوت والصورة، ربما كان الأمر أسهل مع نجاة، الناس دائما تحتفظ بآخر صورة شاهدت فيها الفنان فى «الكادر» قبل أن يبتعد وهم يريدون رؤية نفس الصورة، الصوت بنسبة أكبر من الممكن أن يحتفظ بنفس إحساس النبرة، طبعا لن يحدث تطابق ولكن معدل الاختلاف بفعل الزمن أقل، الصورة تخضع لسطوة الأيام أكثر، الحضور الدائم فى الأعمال الفنية يجعل الفنان يكبر صوتا وصورة أمام الناس فيصبحون شهودا عليه، ولكن الاختفاء حتى عن اللقاء عبر الميديا يجعل الأمر أشد صعوبة، لأن هناك مساحة زمنية لم يتعرفوا خلالها على ملامح الفنان.

شريهان أراها حالة استثنائية على خريطة الفن العربى، تمتعت بثلاث مميزات، الأولى موهبة الاستعراض وكانت «فوازير شريهان» التى قدمتها مع المخرج الراحل فهمى عبدالحميد واحدة من رصيدنا الاستعراضى الذى لا نزال نتوق لرؤيته، كل المحاولات لخلق شريهان أخرى باءت بالفشل، الثانية أنها نجمة شباك، فهى لديها قدرة على الجذب الجماهيرى لم تحققه أى فنانة من جيلها، ثالثاً الأداء الكوميدى عندما تشارك فى السينما مع كوميديان مثل عادل إمام فى «خلى بالك من عقلك» لا تصبح مجرد نجمة جميلة تؤدى دور سنيدة للبطل، ولكنها تقف موازية له بخفة ظل وحضور طاغ، وهكذا شاهدناها أيضا على المسرح مع العملاقين فؤاد المهندس «سك على بناتك» وفريد شوقى «شارع محمد على».

بدأت مشوارها وهى طفلة فى عام 75 حتى احتجابها عام 2000، أى أننا نتحدث عن ربع قرن من العطاء الفنى، المتعدد فى تنويعاته، ولا تزال شريهان حريصة على متابعة الخريطة الفنية وهى ولاشك نقطة لصالحها.

فى الأعوام الأخيرة اكتشفت وجهاً مميزاً لم أكن أعرفه عنها، ولا أتصور أن القراء يعرفونه، فهى تملك حِسا أدبيا متفردا، عندما ألمّت محنة المرض بالمسرحى الكبير سمير خفاجى قبل بضع سنوات كتبت لى رسالة على التليفون تفيض حباً استأذنتها فى النشر كما يقضى العرف الصحفى، لأن هناك دائماً مساحة بين الخاص والعام، هى كتبت الرسالة ليس باعتبارى صحفيا ولكن هى تريد ألا تكبت مشاعرها، ولكنها تحفظت على النشر، فالتزمت إلا أنها منذ ذلك التاريخ، لم تعاود إرسال أى شىء، ربما خوفا من أن تغلبنى حاستى الصحفية وأنشر.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل