المحتوى الرئيسى

د. نور حسام الدين يكتب: مسخ العقل

08/21 10:39

“وكفى به عدوا.. عقلا تحول ضد صاحبه”.

مسخ العقل، هي عمليه إعادة هيكلة لوظائف عقلية رئيسية (كالنقد – التحليل- التخيل)، بحيث يعاد توجيهها وتحديد مسارات لها تؤدي إلى نتائج غير مرجوة تكون “لاإرادية” بمرور الوقت على المستوى الفردي والمستوى الجمعي، فتكون النتائج سلبية تعود بالضرر على صاحبها وعلى المتجتمع بأسره كسلاح ذي حدين تم إساءة استخدامه.

فلكل ملكة من ملكات العقل السابقة كيفيتها ونتائجها.

فـ”النقد” لتقييم الأشياء بناء على (معايير محددة).

و”التحليل” لتحديد تفاصيل الأشياء (للتعريف) بها.

و”التخيل” لإيجاد (البدائل) والبحث والابتكار وتحديد (الأهداف).

فإذا ما تم تعطيل وظيفة العقل “النقدية” ترتب عليها التقييم الخاطئ للأشياء والأحداث والأشخاص.. إلخ

ويكون ذلك بغياب (المعايير الحددة)، فتتدا النتتائج السلبية كمن يقارن بين ما إذا كان القطار أطول، أم السيارة أسرع! فالمعيار غائب وهو النقطة المشتركة، والتي بناء عليها تتم المقارنة، إما أن يكون “الطول”، أو “السرعة”، فيكون السؤال الصحيح حينها إذا كان المعيار الطول مثلا.. أيهما أطول القطار أم السيارة؟

وعندها يكون السؤال منطقيا والإجابة عليه فيها التقييم صحيح.

أما بتعطيل ملكة “التحليل”، يصبح التعريف للأشياء تعريفا سطحيا فقط، فلكي يكون التعريف بالشئ أكثر صحة لابد أن يكون أكثر تفصيلا، خاصة في الأشياء المتشابهات ظاهريا.

فمثلا حتى نفرق التعريف بين (الأكسجين) و(النتروجين) كغازات، كان لابد من تحليل كل منهما إلى تفاصيل صغيرة؟ فتظهر لنا الفروق بينهما ذريا وإلبكترونيا وبروتونيا، وكلها أجزاء صغيرة لكل منهما.

إذا تم تعطيل تلك الملكة -أصبح العقل ذا نظرة سطحية عقيمة، أو غير قادرة على التفحص، أو مبرمجة على النظر إلى الأمور بسطحية، فيسقط صاحبها في عدم القدرة على “التمييز”، ووضع تعريفات محددة وواضحة تبدأ من الأشياء البسيطة حتى أعقد الأمور في حياته.

أما عن ملكة “التخيل”، والتي أعتبرها من أهم الوظائف والسلاح الأقوى للعقل الإنساني، فـ بها استطاع إيجاد البدائل للأشياء، ومن ثم (التكيف والاستمرار)، واستطاع إيجاد الحلول للمشكلات وتمكن من الابتكار وتحديد الأهداف، وبالخيال استطاع أن يعيش في قصص الماضي وآمال المستقبل.

فإذا ما تم تحويل “التخيل” وبرمجته بحيث يعمل في اتجاهات سلبية، استطاع إيجاد بدلا من “يأس” ألف يأس وبدلا من المبرر ألف ألف مبرر. فإذا ما عمل ضد صاحبه بهذه الكيفية، سقط في إساءة الظن حتى يتدرج فيصاب بالهلاوس والضلالات والاعتقاد في الخرافات القائمة على (الوهم) المستمد من معطيات خاطئة مقدمة من وظيفتي “التحليل” و”النقد” السابقتين.

ويلعب في عملية “مسخ العقل” في أي مجتمع ثلاثي (الإعلام – والتعليم- وإنعدام القراءة).

فالتوجيه الإعلامي يستطيع تعطيل ملكتي النقد والتحليل بالتضليل والخداع، وذاك هو الشائع عن عمد وعن جهل.

وكذلك بتدني مستوى التعليم، يتم “تعقيم” التخيل والتحليل والنقد، تعريفات ولا تقييمات ولا ابتكارات حينئذ.

و”القراءة” كمصطلح مجرد لا يعني فقط قراءة الكتب والكلمات، وإنما هي رياضة عقلية لملكات العقل الثلاث في النظر إلى الكلمات والأحداث والأمور، فميكانيزم العقل في القراءة.. “تفاصيل بالتحليل، ثم ربط بين التفاصيل بالنقد، ثم تكوين صورة عامه بالتخيل”.

فلا تتوقف القراءة عند الكلمات، وإنما تتعداها لتشمل الوجوه والأحداث والطبيعة والأصوات والصور، فقد يكون الإنسان أميا (لا يقرأ ولا يكتب)، ولكنه قارئ جيد للأحداث والحياة، فتأتي منه الحكمة رغم أميته، وخير مثال على هذا خير الآنام (محمد بن عبد الله) النبي الأمي، وكان أول أمر له “اقرأ”.

فـ”القراءة” رياضه عقليه، من تجاهلها، جهل على نفسه مع مرور الوقت، فلا يصبح حينها عقله ماهرا في قراءة الحياة عموما ونفسه خصوصا، وإن امتلك أعلى المناصب وأرفع الشهادات.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل